في خضم المتغيرات الأخيرة على الساحة الإقليمية، نفذت إسرائيل خلال اليومين الماضيين عملياتها المكثفة ضد حركة “الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة بفلسطين، وشنت عدة غارات جوية، فيما ردت حركة “الجهاد الإسلامي” بإطلاق مجموعة من الصواريخ في أخطر تصعيد للعنف في المنطقة منذ حرب العام الفائت.

وفي تهديد برسائل متبادلة بين إسرائيل وحركة “الجهاد الإسلامي” و”الحرس الثوري الإيراني” من جهة أخرى، حيث استبعدت حركة “الجهاد الإسلامي” في غزة، السبت، التهدئة في المواجهات مع إسرائيل في وقت قريب، فيما هدد قائد “الحرس الثوري الإيراني” إسرائيل بدفع “ثمن باهظ” على خلفية غاراتها على غزة، ويأتي ذلك في ظل المحاولات المصرية، التي أعلنتها القاهرة الجمعة للتوسط بين حركة “الجهاد الإسلامي” المدعومة من إيران، وإسرائيل ومنع استمرار المواجهات.

في غضون ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يتوقع استمرار قصف قطاع غزة من الجو لمدة أسبوع، مشيرا، السبت، إلى عدم وجود محادثات حاليا بشأن وقف إطلاق النار مع حركة “الجهاد الإسلامي”.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول تداعيات التصعيد المستمر بين هذه الأطراف المتصارعة، وما إذا كان هذا التصعيد قد يتحول إلى حرب طويلة الأمد بين إسرائيل وحركة “الجهاد الإسلامي”، ولاحقا مع فصائل فلسطينية أخرى، مثل حركة “حماس” المدعومة من إيران أيضا.

تبادل للرسائل

الجيش الاسرائيلي، أعلن شن 30 غارة على أكثر من 40 هدفا قالت إنها تابعة لحركة “الجهاد الإسلامي” بواسطة 55 صاروخا وقذيفة. وقال، إن من بين الأهداف “5 راجمات صاروخية، و6 ورشات لإنتاج الأسلحة، ومستودعين لتخزين قذائف صاروخية ومستودعا واحدا لتخزين قذائف الهاون، و6 مواقع رصد تابعة للحركة”.

وشنت إسرائيل الجمعة عملية خاصة تحت مسمى “الفجر الصادق” التي استهدفت خليتين لإطلاق صواريخ مضادة للدروع بقطاع غزة، كانت في طريقها لتنفيذ عملية، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.

كما كشف عن استهداف عبد الله قدوم، قائد منظومة الصواريخ المضادة للدروع في شمال غزة بحركة “الجهاد الإسلامي”. وقالت إسرائيل اليوم السبت، إنها شنت غارات ضد حركة “الجهاد الإسلامي” كانوا يستعدون لإطلاق صواريخ، وفي الضفة الغربية، أعلن الجيش الإسرائيلي، إنه اعتقل 19 من نشطاء “الجهاد الإسلامي” في مداهمات ليلية.

وقال الجيش الإسرائيلي إن “نشطاء حركة الجهاد الإسلامي أطلقوا ما لا يقل عن 160 صاروخا عبر الحدود، بعضها في عمق إسرائيل باتجاه الوسط التجاري في تل أبيب. تم اعتراض معظم الصواريخ وأصيب عدد قليل من الأشخاص بجروح طفيفة أثناء هروبهم إلى الملاجئ”.

وفي هذا السياق يرى الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عامر السبايلة أنه “من الصعب الحديث اليوم عن سيناريوهات حرب مفتوحة طويلة الأمد، فالجميع منهك، هذه الحكومة الإسرائيلية هشة وتحتاج إلى تحقيق انتصار على الأرض في هذا الملف، وبالتالي يؤهلها لتسويق نفسها على أقل تقدير في المرحلة المقبلة أنها قادرة على ضمان حماية إسرائيل والإسرائيليين”.

وأردف السبايلة، في حديثه لموقع “الحل نت”، “خصوصا وأن ملف غزة وحركتي “الجهاد الإسلامي” و”حماس”، لطالما كانت إحدى النقاط الرئيسية في موضوع الاستثمار السياسي في الداخل الإسرائيلي”، على حد رأيه.

أما بالنسبة للجزء الثاني، فإن سيناريوهات الحرب المفتوحة تحتاج إلى غطاء إقليمي أكبر، وأضاف بالقول: “من الواضح أننا نتحدث عن انشغال العديد من اللاعبين الإقليميين بمشاكل قريبة من حدودهم الجغرافية وفي مناطق نفوذهم، مما يجعل الأمر صعبا للحديث اليوم عن فكرة الحرب المفتوحة”، حسبما أوضح السبايلة.

لكن، وفق اعتقاد السبايلة، فإن إسرائيل ترغب في إظهار صورة التصعيد والتي تتفق مع ما قامت به قبل أكثر من شهر من مناورات والتي تعتبر الأضخم في تاريخ إسرائيل، وبالتالي فهي تريد بأن تبعث برسالة بأنها مستعدة لهذه المواجهة، وهو يأخذ بعين الاعتبار بأن هناك على الطاولة “خطة إيرانية” لفكرة تأزيم إسرائيل من جميع النواحي، وبالتالي، محاولة إحداث حرب أو فتح جبهات على إسرائيل من جهة غزة وجنوب لبنان.

وبالتالي، فإسرائيل بهذا التصعيد ترسل رسالة مفادها أنها لن تتعامل مع مثل هذه السيناريوهات إلا برد قوي، لذلك وفق تقدير السبايلة، فالأمر لا يعدو كونه مجرد “مرحلة مؤقتة”، على الأقل في الوقت الحالي، بمعنى أنها جس نبض ومحاولة للاستثمار السياسي.

قد يهمك: حرب جديدة بين “حزب الله” وإسرائيل بسبب الحدود البحرية؟

ردود توعيدية

في المقابل، صرح داود شهاب الناطق الرسمي باسم حركة “الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة إن الحركة تلقّت اتصالات “مصرية وأُممية لاستكشاف المواقف والأوضاع”. لكنه قال إنه “من المبكر الحديث عن بدء جهود التهدئة”. وأضاف بالقول: أن “المعركة ما زالت في بداياتها. وما زال لدينا الكثير مما سنفعله، للرد على هذا العدوان”.

وفي طهران، نقل التلفزيون الرسمي عن قائد “الحرس الثوري الإيراني” حسين سلامي قوله، أن “الإسرائيليين سيدفعون مرة أخرى ثمنا باهظا جراء هجماتهم الأخيرة”، وذلك خلال اجتماعه مع زياد النخالة الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” الموجود حاليا في إيران.

هذا وتدعم إيران حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وتقدم لهما التمويل لبناء القدرات العسكرية في غزة الخاضعة لحكم “حماس” بشكل غير مباشر. كما وتُعتبر “الجهاد الإسلامي” الحركة الفلسطينية الأكثر قربا من طهران.

وبحسب المراقبين، فإن التصعيد المستمر سيؤدي إلى تفاقم الوضع، وينتج احتياجات إنسانية يصعب تلبيتها في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، نتيجة لعدة أسباب أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا والتصعيد التي تشهده المنطقة ككل، وفي حالة تطور التصعيد إلى مستويات خطيرة، فقد يكون له عواقب وخيمة ومدمرة، خاصة على الجانب الإنساني.

وساطة أممية ومصرية

في سياق متّصل، قال مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، يوم أمس الجمعة، إنه قلق للغاية مما وصفه بـ”التصعيد المستمر بين حركة الجهاد وإسرائيل”، بما في ذلك القتل المستهدف لأحد قادة حركة “الجهاد الإسلامي” داخل غزة.

وأردف وينسلاندن إن التصعيد المستمر خطير جدا، داعيا إلى وقف إطلاق الصواريخ على الفور، كما حث جميع الأطراف على تجنب المزيد من التصعيد.

وأضاف وينسلاند، أنه ليست ثمة أي مبررات لشن هجمات تستهدف المدنيين، قائلا إن التقدم الذي جرى إحرازه في فتح غزة منذ أواخر أيار/مايو الماضي قد لا يتم بسبب ما يحصل حاليا.

في غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، اليوم السبت، إجراءها اتصالات مكثفة بُغية احتواء الوضع في قطاع غزة، في مسعى إلى العمل على التهدئة والحفاظ على الأرواح والممتلكات وإنهاء العنف ولكن لم تحدث انفراجة حتى الآن، حسبما قال مسؤول فلسطيني مطلع على هذه الجهود لوسائل الإعلام.

وتصاعدت التوترات الأسبوع الماضي بعد أن اعتقلت القوات الإسرائيلية القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” في الضفة الغربية بسام السعدي، مما دفع الحركة إلى التهديد بالانتقام. وساد الهدوء الحدود إلى حد كبير منذ أيار/مايو 2021، عندما أسفر قتال عنيف استمر 11 يوما بين هذه الأطراف عن مقتل ما لا يقل عن 250 شخصا في غزة و13 في إسرائيل.

قد يهمك: اغتيال تيسير الجعبري قائد “سرايا القدس” بغارة إسرائيلية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.