خلال الأشهر القليلة الماضية، حاولت أنقرة الحصول على “الضوء الأخضر” من روسيا وإيران لبدء “عمليتها العسكرية الخاصة” في شمال سوريا، بهدف إنشاء “منطقة آمنة” حسب وصفها بعمق 30 كيلومترا، لكن خلال القمة الأخيرة في طهران، ورد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ناقشا سوريا، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق.

بعد قمّة طهران، التي أظهرت جليا عمق الخلافات بين الأطراف الثلاثة حول الملف السوري، توجّه الرئيس التركي، أردوغان، أمس الجمعة إلى مدينة سوتشي الروسية حاملا في حقيبته خطط أنقرة لشن العملية العسكرية، إلا أن البيان الختامي للقاء الرئيسين أشار بشكل واضح إلى رفض موسكو لأي عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، ما يثير تساؤلا حول خطط البلدين المستقبلية بشأن الملف السوري.

الصدع المتزايد بين روسيا وتركيا

بينما لا تزال روسيا منشغلة بغزوها في أوكرانيا، لا تزال تركيا تحاول زيادة نفوذها وحل أهدافها الاستراتيجية في شمال سوريا، في غضون ذلك، تمكنت تركيا من وضع نفسها كوسيط بحكم الأمر الواقع في الجانب الاقتصادي للصراع الروسي الأوكراني، حيث لعبت أنقرة دورا حاسما في مبادرة البحر الأسود التي أدت إلى تجديد صادرات الحبوب الأوكرانية.

بحسب حديث المحلل العسكري، زياد الحريري، لـ”الحل نت”، فإنه لم يناقش الزعيمان خلال القمة الأخيرة فقط صادرات الحبوب الأوكرانية وسوريا، ولكن أيضا القضايا الإقليمية الأخرى. وبالنظر إلى أنه قبل يومين من اجتماع سوتشي، تصاعد الوضع في منطقة ناغورنو كاراباخ المضطربة، فمن المحتمل أن يكون لنتائج القمة بين بوتين، وأردوغان تأثير كبير على كل هذه الملفات التي تشير إلى تصدع كبير بين الدولتين.

ووفقا لذلك، وطبقا لحديث الحريري، يمكن لتركيا استخدام نفوذ أذربيجان على أرمينيا للضغط على موسكو، لتقديم تنازلات لأنقرة في شمال سوريا لاحقا بعد فشل أردوغان بانتزاع ضوء أخضر للعملية العسكرية في لقاء أمس الجمعة. مما يشير إلى أن موسكو لا تزال تعارض الخطط التركية لإنشاء منطقتها.

ويعتقد الحريري، أن موسكو أصرت على ما حصلت عليه أنقرة في قمّة طهران، أي الضوء الأخضر من روسيا وإيران لإضعاف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من خلال استهداف قادتها عبر طائرات بدون طيار بدلا من شن العملية العسكرية الهادفة إلى إقامة “مناطق آمنة” على الحدود التركية.

البراغماتية في ذروتها

فشل أردوغان، مرة أخرى في انتزاع ضوء أخضر للعملية العسكرية التركية في شمال سوريا، يراها المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، أنها نتيجة حتمية لتفاهمات معينة يمكن أن تغير مسار العملية العسكرية بسبب الضغط الروسي، فروسيا لا تريد أي عملية، لأنها يمكن أن تهدد مصالح دمشق وروسيا في المنطقة كون حليف تركيا “قوات المعارضة” التي تعتبرها روسيا إرهابية وتهديد لمصلحتها في المنطقة.

ووفقا لحديث بريجع لـ”الحل نت”، فإن روسيا تريد من دمشق أن تستعيد كامل الأراضي السورية، وترى في الوجود التركي تهديد كون تركيا موجودة في سوريا بدون أي دعوة رسمية من دمشق.

واستبعد بريجع، حدوث أي توتر في العلاقات بين البلدين بخصوص الملف السوري، قائلا: “سوف يتم إيجاد صيغة تفاهم بين روسيا وتركيا كما حدث ذلك في السابق”.

ويرى الحريري، أنه حتى لو توصل بوتين وأردوغان إلى اتفاق لاحقا، وغضت روسيا الطرف عن عملية عسكرية تركية محتملة في سوريا، فسيتعين على تركيا الحصول على موافقة من واشنطن. ولهذا السبب يسعى أردوغان، إلى موازنة العلاقات البراغماتية التركية مع موسكو، إلى جانب تحالفها مع الولايات المتحدة.

4 ساعات بلا نتيجة

الاجتماع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، انتهى أمس الجمعة، بشكل مغلق بعد أن استغرق 4 ساعات.

ونقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية، عن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، قوله إن بوتين وأردوغان اتفقا عزمهما على التعاون في مواجهة التنظيمات الإرهابية بسوريا.

من جهته قال المتحدث باسم “الكرملين”، أمس الجمعة، إن مخاوف تركيا الأمنية بشأن سوريا مشروعة، وإن روسيا ستأخذها في الاعتبار، وذلك قبل اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.

لكن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قال للصحفيين، إنّه من المهم تجنب الأعمال التي يمكن أن “تهدد سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية”.

التصريحات الروسية رفعت الغطاء عما يتعلق بالتكهنات التي كانت تدور حول نتائج القمة الثنائية في سوتشي، والتي تمحورت حول سعي روسيا لأن تلعب تركيا دورا أكبر في الأزمة الأوكرانية، ومواضيع الطاقة والتبادلات التجارية مع روسيا، وسعي تركيا لكسب المزيد من المصالح فيما يتعلق بالملف السوري، وإيجاد نصر ما بعملية عسكرية في الشمال السوري، أو بامتيازات تمنحها لها روسيا، مستغلة الغياب الإيراني عن هذا الاجتماع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.