اللبن والجبن خارج قائمة مشتريات فقراء سوريا

في سوريا حيث يعتبر الكفاح من أجل البقاء حقيقة يومية، فقد أصبحت حتى الضروريات الأساسية رفاهية لا يمكن الوصول إليها بالنسبة للفقراء، كما لو كانوا يتنقلون عبر حقل ألغام داخل أرض مليئة بالمصاعب الاقتصادية، حيث يواجه المواطنون الآن احتمالا بغياب اللبن والجبن عن سفرة الأكل الشعبية، بعد أن كانا مصدرا غذائيا يوميا.

في أعقاب الارتفاع الصاروخي لأسعار وتكاليف الإنتاج المتزايدة، ألقت الزيادة المطّردة في أسعار الغاز بظلالها على كل جانب من جوانب الحياة اليومية في سوريا. فمع ارتفاع تكاليف الوقود، بات قطاع الألبان الذي يعتمد بشكل كبير على الوقود للنقل والتبريد والمعالجة أحد ضحايا ارتفاع الأسعار. فمع كل ارتفاع في أسعار الغاز، ترتفع تكلفة إنتاج الحليب ومشتقاته بشكل مطرد، مما يضع عبئا لا يمكن التغلب عليه على ميزانيات الفقراء المجهدة بالفعل.

أسعار الألبان تتجاوز المعتاد

على خطا المأكولات الشعبية في سوريا، ينتظر المواطن السوري موجة أسعار مرتفعة للأجبان والألبان ومشتقاتها. ويبدو أن ارتفاع أسعار الغاز وزيادة تكاليف الإنتاج قد يضعها في قائمة السلع المرشحة للارتفاع، وهو ما أكده أحمد السواس، رئيس جمعية الألبان والأجبان في دمشق، في تصريح لـموقع “غلوبال” المحلي، أمس الخميس.

ارتفاع أسعار اللبن والجبن في سوريا - إنترنت — ارتفاع أسعار اللبن والجبن في سوريا – إنترنت

وفقا للسواس، فإن الجمعية تدرس رفع أسعار الألبان والأجبان والمشتقات الأخرى، ولكن هذا القرار يعتمد بشكل كبير على أسعار الحليب المتوقعة خلال الأسبوع القادم. وأشار إلى أن سعر كيلو اللبن يُباع حاليا بحوالي 4000 ليرة وفقا للتسعيرة التموينية، وإذا تم رفع الأسعار، فلن تتجاوز 500 ليرة للكيلو.

تصريحات جريئة.. الحد الأدنى للرواتب السورية لا يكفي ليوم واحد

تلك التصريحات تثير قلق السكان الذين يواجهون بالفعل تحديات اقتصادية صعبة. إن ارتفاع أسعار الأجبان والألبان يزيد من عبء المعيشة على الفقراء ويعزز من حجم التحديات التي يواجهونها يوميا. فالأمر ليس مجرد زيادة في تكلفة الطعام، بل يمثل تهديدا لنظام غذائي صحي واستدامة حياة الأفراد الضعفاء.

قبل حديث السواس بأيام، تحدث رئيس جمعية المطاعم، كمال النابلسي، بأن الجمعية تعمل على دراسة تعديل أسعار المأكولات الشعبية لتواكب الزيادة في أسعار الغاز الصناعي، مشيرا إلى أن الأسعار المرتقبة ستكون واقعية، حسب وصفه.

نسب الزيادة طبقا لما ذكره النابلسي حينها، والتي تقدمت بها الجمعية بدراستها الجديدة تتراوح بين 40 إلى 50 بالمئة عن الأسعار الحالية، حيث ستأخذ الدراسة بعين الاعتبار تكاليف تحضير تلك المأكولات بعد صدور أسعار جديدة للغاز الصناعي، وفق قوله.

سطل اللبن “يحلب” جيوب الفقراء

بالنسبة للمواطنين المعوزين في سوريا، فإن شطب الحليب والجبن من قوائم التسوق الخاصة بهم يمثل أكثر من مجرد خسارة في التغذية، لأن هذين الصّنفين يعدان أساس المائدة اليومية السورية واختفائهما يرمز إلى انقطاع الأمل واستمرار مسيرة اليأس، وبات على العوائل الآن مواجهة الخيارات المؤلمة بين القوت والبقاء، وبين الغذاء والكفاح لتغطية نفقاتهم.

بحسب الأسعار الحالية التي اطّلع عليها “الحل نت”، فإن كيلو الحليب قبل الزيادة الرسمية يبلغ حوالي 3700 ليرة سورية، و800 غرام من اللبن بـ 4500 ليرة، أما مادة اللبن المصفى “بقري، كثافة خفيفة” والذي يتم تناوله على المائدة مباشرة يُباع في محال أخرى بحوالي 14 إلى 15 ألفا، و”للدعبلة، كثافة عالية” فوق 25 ألف ليرة.

فيما يتعلق بالمشتقات الأخرى مثل الأجبان واللبنة وغيرها، أكد السواس أن الارتفاع في أسعارها سيكون أعلى بقليل من سعر اللبن. ولكن كما أشار فإن كل ذلك مرتبط بأسعار الحليب أيضا. وأوضح أن تكلفة إنتاج هذه المنتجات قد ارتفعت خلال العام الحالي نتيجة للظروف التي تعرضت لها مراعي البلاد.

ارتفاع أسعار الأبقار في سوريا

طبقا لحديث السواس، فقد ابتعدت معظم قطعان الأغنام عن المراعي في البادية الشرقية وتوجهت نحو المناطق الحضرية، مما زاد من تكاليف تربيتها. وعلاوة على ذلك، شهدت أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية ارتفاعا، مما أضاف أعباء إضافية على المربّين.

إن هذا التحدي يعكس الواقع الصعب الذي يواجهه القطاع الزراعي في سوريا، حيث تؤثر العوامل الخارجية المتعددة على تكاليف الإنتاج وتوفر المنتجات الزراعية الأساسية للمواطنين. ومن المحتمل أن يكون لهذا الوضع تأثير كبير على القدرة الشرائية للفقراء والمحتاجين الذين يعتمدون بشكل كبير على هذه المنتجات لتلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية.

عودة لأشباه الألبان

يبدو أن السؤال المتداول مؤخرا عن انتشار سلع بأسعار رخيصة في الأسواق السورية لدرجة أنها باتت تثير الريبة حول مكوناتها ومدى جودتها وتاريخ صلاحيتها، حيث تباع بأقل من الأسعار الرائجة بنحو الثلث أو النصف، ويتم عرضها علانية، خاصة في الأرياف، داخل الأسواق أو على البسطات الشعبية؛ جوابه بات واضحا.

مؤخرا، بات وجود من يعرض بشاحنات صغيرة أو على الأرصفة وكذلك ضمن أسواق الخضار الشعبية مادة اللبن المصفى، “بقري، للدعبلة” بسعر من 10 إلى 15 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، في حين أن اللبن المصفى “بقري، كثافة خفيفة” والذي يتم تناوله على المائدة مباشرة يباع في محال أخرى بحوالي 14 إلى 15 ألفا، و”للدعبلة ، كثافة عالية” فوق 25 ألف ليرة.

بالنظر إلى ارتفاع عموم الأسعار وتكلفة المعيشة في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن التفاوت في الأسعار مقارنة بأسعار التموين المسجلة والموثوقة، فإن منتجات الألبان والجبن واللحوم المنتهية الصلاحية والفاسدة، وليس فقط المواد الغذائية الرديئة كالمعتاد، باتت تغزو الأسواق السورية اليوم وبشكل غير مسبوق.

أيضا رغم تراجع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية عن قرارها بالسماح بتصنيع “شبه الألبان” وتشريع بيعها، إلا أنها انتشرت مؤخرا، وهي مواد يسمح لمعامل الألبان والأجبان بأن تصنّعها كمنتجات غذائية يدخل في تركيبها الأولي الحليب ومرادفاته، ويضاف إليها الزيت النباتي غير المهدرج، والنشاء المعدل، وأملاح الاستحلاب، ومنكّهات غذائية مسموح بها.

هذه المنتجات سعرها أقل من سعر الألبان العادية والمستخدمة، وأيضا قيمتها الغذائية أقل، فضلا عن أنها تحمل نتائج صحية سيئة للمواطنين.

سلسلة ارتفاع الأسعار في سوريا جاءت بعد إعلان وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” رفع سعر أسطوانة الغاز الصناعي إلى 75 ألف ليرة سورية، وسعر البنزين “أوكتان 95” إلى 7600 ليرة، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم إلى 15000 ليرة، في حين تم تحديد سعر أسطوانة الغاز المنزلي بالسعر الحر سواء من داخل البطاقة أم خارجها بـ 50 ألف ليرة.

هذه الزيادة التي تسببت بارتفاع أسعار السلع داخل الأسواق السورية بنسب تتراوح بين 30 إلى 80 بالمئة، لم تأخذ بعين الاعتبار نسبة الفقر في البلاد والتي تجاوزت 90 بالمئة بحسب إحصائيات أممية، بينما لا يزال الحد الأدنى للأجور 92.970 ليرة سورية، أي أقل من 13 دولار شهريا.

يبدو أن واقع الفقراء في سوريا ومحدودي الدخل هو مواجهة الحقيقة المرّة والتخلي عن اللبن والجبن من قوائم مشترياتهم، وهذا التحوّل المدمر يعكس واقع الأوضاع الاقتصادية الصعبة وكيف باتوا في دوامة من المشاكل التي يصعب عليهم التغلب عليها.