بات القلق السمة البارزة بين الفقراء في سوريا بسبب الزيادة المتوقعة في أسعار المأكولات الشعبية، فقد أثبتت التوقعات صحتها بعد رفع سعر الغاز الصناعي، مما أدى إلى تحويل واقع الحال إلى أسوأ. فرغم تحذيرات البعض بأن هذا القرار لن يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للناس، إلا أن آثاره السلبية بدأت بالفعل تؤثّر على الفقراء ومحدودي الدخل.

مع استمرار ارتفاع الأسعار، فإن المأكولات الشعبية لن تعد متاحة بسهولة للطبقات الأكثر فقرا. فبحسب رئيس جمعية المطاعم، كمال النابلسي، فإن الجمعية تعمل على دراسة تعديل أسعار المأكولات الشعبية لتواكب الزيادة في أسعار الغاز الصناعي. ومع ذلك، فإن هذا الإجراء قد يزيد من تحمّل الفقراء لعبء الغلاء الذي بات يعصف بهم.

إن الزيادة المستمرة في أسعار المأكولات الشعبية تشكل تهديدا حقيقيا للفقراء في سوريا، حيث تفقد الطبقات الأكثر هشاشة القدرة على تأمين وجباتها اليومية بأسعار معقولة. فعلى الرغم من التحليلات التي أشارت إلى عدم تغيير الوضع الحالي، فإن ارتفاع الأسعار سيستمر وسيؤثر على الفقراء بشكل كبير. وبالنظر إلى أن المأكولات الشعبية هي الخيار الأساسي للفئات الفقيرة، فإن هذا الارتفاع سيؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للعديد من الأُسر.

زيادة بنسبة الضعف

وفقا لحديث النابلسي لصحيفة “تشرين” المحلية أمس الاثنين، فإن الأسعار المرتقبة ستكون واقعية، حسب وصفه، وذلك إذ أخذت الدراسة بعين الاعتبار تكاليف تحضير تلك المأكولات بعد صدور أسعار جديدة للغاز الصناعي، وهي ليست كما يتوقع الكثيرون بأنها مرتفعة جداً، أو كما روّجت له بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

الفلافل من المأكولات الشعبية في سوريا - إنترنت
الفلافل من المأكولات الشعبية في سوريا – إنترنت

نسب الزيادة طبقا لما ذكره النابلسي، والتي تقدمت بها الجمعية بدراستها الجديدة تتراوح بين 40 إلى 50 بالمئة عن الأسعار الحالية.

مع اقتراب إصدار الأسعار الجديدة للمأكولات الشعبية في سوريا، يثير القلق حجم الزيادة المتوقعة وتأثيرها على المواطنين، فبعد استكمال دراسة من المكتب التنفيذي المختص في محافظة دمشق، سيتم إصدار الأسعار الجديدة بقرار رسمي وتعميمها. 

بالرغم من تصريحات رئيس الجمعية بأن الأسعار الجديدة لن تفرض أعباء كبيرة على المواطنين وستكون مناسبة للتكاليف الحالية للتحضير، إلا أن هناك قلقا من ارتفاع التكلفة النهائية للوجبات الشعبية.

خصوصا بعد أن شهدت بعض المطاعم رفعا تلقائيا لأسعارها بعد صدور تسعيرة الغاز الصناعي الجديدة، في حين قررت أخرى الاستمرار بالأسعار الحالية. ومن الملاحظ أن بعض المنتجات الشعبية مثل سندويشة الفلافل لا تزال تباع بأسعار تراوح بين 3000 و4500 ليرة، وهو ما يعزز التوتر والقلق بين الفقراء ومحدودي الدخل.

تبعا لما أشار له النابلسي، فإنه ربما تصدر الأسعار الجديدة خلال اليومين القادمين، مؤكدا أن الأسعار قاب قوسين أو أدنى من الصدور، وعند موافقة محافظ دمشق عليها ستصدر بقرار رسمي وسيتم تعميمها، لافتا إلى أنها مناسبة لواقع تكاليف تحضير كل صنف من أصناف المأكولات الشعبية بدءاً بقرص الفلافل وانتهاء ببقية الأصناف.

أصناف خرجت من قائمة الفقراء

سلسلة من القرارات أصدرتها الحكومة السورية خلال الأسابيع الماضية، كان لها دور كبير في زيادة تكاليف إنتاج معظم السلع والخدمات في سوريا، الأمر الذي ساهم بزيادة الأسعار على المستهلك، في ظل عدم إقرار أي آلية من شأنها تحسين دخل المواطن.

مطاعم المأكولات الشعبية في سوريا - إنترنت
مطاعم المأكولات الشعبية في سوريا – إنترنت

أبرز القرارات الحكومية التي عمّقت جراح المواطن على المستوى الاقتصادي، هو قرار رفع سعر مادة الغاز، حيث أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق قيس رمضان، أن ارتفاع سعر الغاز سيؤدي بالضرورة إلى رفع أسعار العديد من السلع في الأسواق.

بسبب الارتفاع المستمر لمعظم السلع والخدمات التي أثّرت بدورها على أسعار المأكولات الشعبية في سوريا، هناك أصناف غذائية تجاوزت قدرة الفقراء على شرائها، مما يعني أنها تخرج من قائمة الخيارات المتاحة لهم. هذا الارتفاع المتواصل في الأسعار يعرض الفئات الأكثر ضعفا لمزيد من الصعوبات ويؤثر سلبا على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.

من بين الأصناف التي يصعب الوصول إليها حاليا بسبب ارتفاع الأسعار يمكن ذكر اللحوم، والأسماك، والدواجن، ومنتجات الألبان، والفواكه الطازجة، وحتى المونة. هذه الأصناف الغذائية التي كانت في السابق تُعتبر جزءا من نظام غذائي صحي ومتوازن للفقراء، أصبحت الآن خارج نطاق قدرتهم المالية.

هذا التغيير في الأصناف المتاحة للفقراء يعزز حاليا التفاوت الاجتماعي ويفاقم حالة عدم المساواة في البلاد، فالأسواق السورية شهدت قفزة هي الأعلى منذ بداية العام الجاري، في أسعار مختلف السلع والخدمات بمتوسط زيادة نسبته 30 بالمئة، فيما ارتفعت أسعار بعض السلع بنسبة وصلت لـ 80 بالمئة، الأمر الذي فاقم الأزمة المعيشية في البلاد.

مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، نضال مقصود، أكد في تصريح لموقع “غلوبال”، أمس الاثنين، بأن تحديد أسعار المأكولات الشعبية ليس من اختصاص الوزارة بل تصدر بقرارات من المكتب التنفيذي المختص في المحافظة وبتوقيع المحافظ.

قطار الغلاء يدهس الأكلات الشعبية.. لماذا؟

بالتزامن مع انتهاء الربع الأول من عام 2023، بينما لا يزال الحد الأدنى للأجور 92,970 ليرة سورية – أي أقل من 13 دولار شهريا، ارتفعت تكاليف المعيشة خلال ثلاثة شهور كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير وآذار/مارس بنسبة 41  بالمئة، بحسب دراسة أعدتها صحيفة “قاسيون” المحلية.

أصناف المأكولات الشعبية في سوريا - إنترنت
أصناف المأكولات الشعبية في سوريا – إنترنت

 سعر الفروج المشوي وصل إلى 100 ألف، نتيجة ارتفاع سعر أسطوانة الغاز لأكثر من 30 بالمئة، فأي إضافة ولو بسيطة على حوامل الطاقة يجري عكسها أضعافا على أسعار المنتج، وتكون ذريعة لزيادات هائلة على أسعار المبيعات.

وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” السورية كانت قد أعلنت قبل أيام، رفع سعر أسطوانة الغاز الصناعي إلى 75 ألف ليرة سورية، وسعر البنزين “أوكتان 95” إلى 7600 ليرة، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم إلى 15000 ليرة، في حين تم تحديد سعر أسطوانة الغاز المنزلي بالسعر الحر سواء من داخل البطاقة أم خارجها بـ 50 ألف ليرة.

كذلك تم رفع سعر البنزين، حيث رفعت الوزارة سعر المادة من 6600 ليرة سورية، إلى 7600 ليرة سورية، للتر الواحد من بنزين “أوكتان 95”. 

أيضا بالنظر إلى ارتفاع سعر السكر والغاز المنزلي، يقوم السوريون بالتقنين من مشروبهم المفضل “المتّة”، ذلك لأن تكلفة شربه في كل جلسة اجتماعية تبلغ نحو 3 آلاف ليرة سورية للكأس الواحد، فيما يتراوح راتب الموظف الحكومي بين 160-175 ألف ليرة سورية، وبالتالي شرب “كاسة متّة” يعتبر غاليا مقارنة بالمداخيل.

علاوة على ذلك، وبسبب ارتفاع الأسعار ثمة مخاوف من عدم قدرة الكثير منهم على تخزين “المونة”، وبالتالي ستقنّن العائلات الكثير من المواد، حيث عزف الكثيرون مؤخرا عن شراء ورق العنب الذي بلغ سعره 15 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد في أسواق العاصمة السورية دمشق.

أصبح واضحا أن زيادة أسعار المأكولات الشعبية في سوريا تشكل تحديا حقيقيا للفقراء ومحدودي الدخل. لقد أدى رفع سعر الغاز الصناعي إلى ارتفاع متوقع في تكاليف إعداد وتحضير هذه الأطعمة الشعبية، مما أدى إلى تحويلها إلى أصناف باهظة الثمن وخارج نطاق قدرة الفقراء على شرائها، في وقت ينظر هؤلاء إلى أمل بإيجاد حلول شاملة ومستدامة لتلبية احتياجاتهم الغذائية وتخفيف العبء الاقتصادي عنهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات