سلسلة من القرارات أصدرتها الحكومة السورية خلال الأسابيع الماضية، كان لها دور كبير في زيادة تكاليف إنتاج معظم السلع والخدمات في سوريا، الأمر الذي ساهم بزيادة الأسعار على المستهلك، في ظل عدم إقرار أي آلية من شأنها تحسين دخل المواطن.

الحكومة تركت المواطن السوري إلى مصيره، دون أية إجراءات من شأنها مساعدته على مواجهة تفاقم أزمة المعيشة، في وقت يخرج فيه المسؤولون الحكوميون ويتحدثون بكل صراحة أن القرارات الرسمية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ولا توجد أي خطة لرفع الأجور.

أبرز القرارات الحكومية التي عمّقت جراح المواطن على المستوى الاقتصادي، هو قرار رفع سعر مادة الغاز، حيث أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق قيس رمضان، أن ارتفاع سعر الغاز سيؤدي بالضرورة إلى رفع أسعار العديد من السلع في الأسواق.

تبريرات حكومية

رمضان أشار في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، إلى أنه “من الطبيعي أن أي ارتفاع لأي مادة سيتسبب بارتفاع في كلف السلع وبالتالي سينعكس بنفس النسبة على المستهلك؛ الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع بعض أسعار السلع”، كذلك اعترف بعجز الحكومة عن تقديم الكميات الكافية من المحروقات المدعومة للصناعيين، الأمر الذي سيدفعهم لشراء المواد النفطية من السوق السوداء بأسعار مرتفعة.

الأسواق السورية شهدت قفزة هي الأعلى منذ بداية العام الجاري، في أسعار مختلف السلع والخدمات بمتوسط زيادة نسبته 30 بالمئة، فيما ارتفعت أسعار بعض السلع بنسبة وصلت لـ 80 بالمئة، الأمر الذي فاقم الأزمة المعيشية في البلاد.

وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” السورية كانت قد أعلنت قبل أيام، رفع سعر أسطوانة الغاز الصناعي إلى 75 ألف ليرة سورية، وسعر البنزين “أوكتان 95” إلى 7600 ليرة، وسعر اسطوانة الغاز المنزلي المدعوم إلى 15000 ليرة، في حين تم تحديد سعر اسطوانة الغاز المنزلي بالسعر الحر سواء من داخل البطاقة أم خارجها بـ 50 ألف ليرة.

كذلك تم رفع سعر البنزين، حيث رفعت الوزارة سعر المادة من 6600 ليرة سورية، إلى 7600 ليرة سورية، للتر الواحد من بنزين “أوكتان 95”. هذا الارتفاع يتزامن مع شحّ في الوقود في الأيام الماضية، إضافة لرفع أسعار المحروقات على القطاعين العام والخاص بسوريا، فضلا عن تهاوي سعر الصرف أمام النقد الأجنبي، حيث تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، لنحو 8800 ليرة مقابل الدولار الواحد، وفق موقع “الليرة اليوم”.

ماذا عن زيادة الرواتب؟

عدم تطبيق أي آلية لزيادة الرواتب، تحدّث عنها رئيس لجنة الموازنات في “مجلس الشعب السوري” ربيع قلعجي، حيث برّر عدم تطبيق زيادة الأجور والرواتب بحادثة الزلزال التي وقت في السادس من شباط/فبراير الماضي، دون أي توضيح عن خطة لزيادة قادمة في معدلات الأجور والرواتب في البلاد.

قلعجي قال في تصريحات لإذاعة “نينار إف إم” المحلية، إن مشروعا كان يتم إعداده لزيادة الرواتب في سوريا بنسبة وصفها بـ”الجيدة”، إلا أن كارثة الزلزال أوقفت المشروع وتم تسخير الميزانية المخصصة، للاستجابة إلى تداعيات الزلزال الذي استنزف هذه الكتلة، “ولم يكن هناك إلغاء لموضوع زيادة الرواتب وإنما تأجيل، لأن الوضع العام يتطلب رفع وزيادة في الرواتب” حسب قوله.

قد يهمك: فوضى وغلاء غير مسبوق في الأسعار بسوريا لهذه الأسباب

خبراء وباحثون في الاقتصاد السوري أكدوا في وقت سابق أن الحكومة السورية عاجزة عن تطبيق أية آليات من شأنها تحسين الوضع المعيشي، وهي ترفض الاعتراف بذلك وتقدم الوعود المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، أما بالنسبة لزيادة الرواتب بنسب فعلا تُحسن الواقع المعيشي، فتطبيق هكذا قرارات سيكون بمثابة الضربة القاضية لأسعار مختلف السلع والخدمات.

زيادة الأجور في المرحلة الحالية ستعني بشكل أو بآخر زيادة الأسعار بنفس النسبة وربما أكثر، وذلك لعدم وجود خطة مُجدية تخدم قطاع التجارة والصناعة بما يضمن زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالي تمكين المواطن من شراء المزيد من السلع والخدمات بعد الزيادة.

السوريون يعانون من هوة كبيرة بين الدخل والإنفاق، ففي حين لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 92 ألف ليرة، ومتوسط الأجور عن 150 ألف، بلغ متوسط معيشة الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد أكثر من 5.6 ملايين ليرة سورية والأدنى نحو 3.5 مليون ليرة سورية، وذلك مع انتهاء الربع الأول من عام 2023، بحسب ما نشره مركز “قاسيون” من دمشق أخيرا.

تحسين الواقع المعيشي للسوريين، يتطلب بحسب مختصين في الاقتصاد إلى وجود رؤية وخطة واضحة لتحسين واقع الإنتاج بمختلف قطاعاته، فضلا عن تحسين البنية التحتية وتأمين الخدمات الأساسية، بما يخدم القطاع الإنتاجي، وبذلك تتحرك العجلة الصناعية ويزداد الطلب على اليد العاملة، بالتالي يمكن الحديث عن تحسّن في الواقع المعيشي للسوريين، لكن كل ما سبق فشلت دمشق في تحقيق الأدنى منه.

مراقبون وخبراء في الاقتصاد، رأوا أن سبب تدهور وفوضى الأسعار يعود إلى قرارات الحكومة السورية والفساد المستشري في البلاد، بجانب تحريك تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، فضلا عن غياب دوريات الرقابة الحكومية وتحكم التجار بالأسعار، وعدم وجود خطط مُجدية لضبط عمليات البيع بأسعار مناسبة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات