خلال الآونة الأخيرة انتشرت في الأسواق السورية سلع بأسعار رخيصة لدرجة أنها باتت تثير الريبة حول مكوناتها ومدى جودتها وتاريخ صلاحيتها، حيث تباع بأقل من الأسعار الرائجة بنحو الثلث أو النصف، ويتم عرضها علانية، خاصة في الأرياف، داخل الأسواق أو على البسطات الشعبية.

من هذه السلع المنتشرة بأسعار رخيصة، بعض أنواع اللحوم الحمراء والفروج التي تُباع بالكيلوغرام وليست الفراريج التي يتم ذبحها حيّا، مما يدل على احتمال أن تكون هذه المواد إما فاسدة أو مغشوشة مع أنواع أخرى من المواد غير الصالحة للاستهلاك البشري، وطبعا هناك إقبال كبير على هذه السلع نظرا للأسعار المغرية لجيوب المواطنين المهترئة. 

تتصدرها اللحوم والألبان

نحو ذلك، أفاد تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، نُشر اليوم الثلاثاء، أن هناك سلعا منتشرة بشكل كبير في الأسواق بأسعار تثير الشكوك حول مكوناتها، والمستهلكين في حيرة من أمرهم بشأن هذا التفاوت السعري، إذ يتساءلون “هل هي آمن وصالحة للاستهلاك البشري أم لا، وهل هناك من يتحقق من مدى جودتها ومطابقتها للمواصفات أم لا”.

ضبط كميات كبيرة من لحوم الفروج الفاسد- “موقع المشهد” المحلي

عدد من المواطنين كشفوا أثناء لقاءات الصحيفة المحلية معهم أن مبرر بعضهم لشراء تلك السلع هو السعر الأرخص وخاصة في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يمرون فيه، فيما ذكر آخرون أن المطلوب من الجهات الرقابية متابعة الأسواق والتدقيق بمدى صلاحية المواد الرخيصة الثمن بالقياس لمثيلاتها، واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها وخاصة في حال كانت ضارة بصحة الإنسان، أو كانت غير فعالة كالمنظفات وغيرها.

المثال الأبرز أن محالا تعلن على واجهاتها سعر الكيلوغرام الواحد من لحم العجل بقيمة 35 ألف ليرة سورية، في حين أن محال أخرى تبيعه بسعر بين 50 و 55 ألفا، وهو فارق كبير يثير الشكوك بنوعية تلك اللحوم ومصدرها وصلاحيتها.

أما المثال الآخر فهو وجود من يعرض بشاحنات صغيرة أو على الأرصفة وكذلك ضمن أسواق الخضار الشعبية مادة اللبن المصفى، “بقري، للدعبلة” بسعر من 10 إلى 15 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، في حين أن اللبن المصفى “بقري، كثافة خفيفة” والذي يتم تناوله على المائدة مباشرة يباع في محال أخرى بحوالي 14 إلى 15 ألفا، و”للدعبلة ، كثافة عالية” فوق 25 ألف ليرة.

بالتالي هذا يعني أن هذه السلع مغشوشة أو مخلوطة بمواد أخرى غير قابلة للاستهلاك البشري، فمثلا في السابق وحتى اليوم وفق بعض الأهالي، هناك بعض اللحامين يستخدمون لحوم الحمير والأحصنة وخلطها باللحوم البقرية والغنمية، بغية بيعها بسعر مغري.

بالنظر إلى ارتفاع عموم الأسعار وتكلفة المعيشة في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن التفاوت في الأسعار مقارنة بأسعار التموين المسجلة والموثوقة، فإن منتجات الألبان والجبن واللحوم المنتهية الصلاحية والفاسدة، وليس فقط المواد الغذائية الرديئة كالمعتاد، باتت تغزو الأسواق السورية اليوم وبشكل غير مسبوق.

طبيب بيطري يعمل في المؤسسات الحكومية دق ناقوس الخطر على الصحة العامة في إحدى المحافظات السورية، بسبب استخدام البعض مواد مسرطنة في منتجاتهم لعدم إفسادها، وأرجع سبب ذلك إلى غياب الرقابة الصحية، فضلا عن الإشارة إلى غياب الرقابة التموينية عن المطاعم، وفق تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية.

حيث اتهم أطباء بيطريين جامعي الحليب بوضعهم الماء الأوكسجيني على الحليب وهي مادة مسرطنة، لكيلا يفسد الحليب وترتفع حموضته، مطالبين بضرورة شرعنة عمل المراقب البيطري وإخضاعه لدورات تحت إشراف النقابة إذ إنه قد يُستخدم في علاج أعلى المضادات من دون معرفة خطورتها على الماشية وهذا الدواء يتبقى في الحليب ومشتقاته.

غياب الدور الرقابي

يلاحظ أيضا أن المعروض من الحلويات مثل النوغا والسكاكر والمعمول والبسكويت المغلف، تلاقي تفاوتا كبيرا بالسعر، حيث يباع بعضها بأسعار شعبية بالقياس لأصناف أخرى تباع بثلاثة إلى أربعة أضعاف سعرها، ومردّ ذلك لا يحتاج إلى عناء لاكتشافه، فنوع المواد وخاصةً المكسرات الداخلة في التصنيع يلعب دورا أساسيا في تحديد السعر، لكن السؤال، هل يتم أخذ عينات من هذه الحلويات ويتم التأكد من مدى صلاحية مكوناتها، وإذا ما كانت مصنعة في منشآت مرخصة أم تعمل في الخفاء بدليل أن بعض تلك الحلويات المصنعة لا بطاقة بيان على عبواتها الكبيرة أو قطعها التي تباع بالمفرق.

بالتالي هذا يعني أن هناك غياب واضح للدور الرقابي والتمويني في الأسواق عامة، وهذا يؤكد ما يقوله الخبراء بأن الجهات الرقابية والتموينية لا تفعل شيئا سوى الإدلاء بتصريحات رنانة وتكتفي بالقول إنها تعمل بكل ما في وسعها من أجل الحد من انتشار السلع الفاسدة، ولكن في الواقع، انتشار المواد الرديئة والفاسدة والتي تقتل البعض أحيانا منتشرة لسنوات عديدة وليست بجديدة، وبالتالي الحد من الظاهرة لن ينتهي ما دامت الإجراءات الفعلية غائبة والحكومة تقدم وعودا نظرية فقط.

كذلك، حال المنظفات لا يختلف عن السلع الغذائية، فقد بات يؤرق المستهلكين أيضا، نظرا لتفشي بيعها بـ”الفرط” ضمن أكياس نايلون معبأة يدويا، أو بعبوات بلاستيكية من دون أي بطاقة بينية لها، والإقبال عليها ليس بقليل لأن سعرها منخفض بالقياس لمثيلاتها التي تباع في عبوات نظامية، لكن الشكوى من تدني فاعلية تلك المنظفات، وهي التي تفسر سبب انخفاض سعرها يبدو، وهو ما يؤكد أن مسألة الصناعة اليدوية للمنظفات في المنازل أو في ورشات صغيرة متخفية من دون أي معايير أو رقابة باتت رائجة إلى حد كبير.

الأسعار تناسب الجيوب

في خضم الغلاء الجامح والمستمر في البلاد، تعيش الأسواق السورية حالة من الانفلات والفوضى وانتشار المواد المغشوشة والتي تحوي بعضها مواد مسرطنة خطيرة على صحة العامة، حيث يستغل بعض الباعة رغبة الأهالي في شراء المواد الرخيصة من أجل بيع مواد غير مطابقة للمواد القياسية.

الضبوط التموينية في المحافظات السورية خبر شبه يومي، وحالات الغش بالعشرات من مختلف الأنواع، يصل بعضها إلى الكبائر كالغش الذي يصل إلى تقديم لحوما غير صالحة للاستهلاك، والغش في المواصفات والوزن والتسعيرة.

أسواق سوريا- “إنترنت”

إزاء ذلك يتحدث المنتجون عن حلقة أساسية تفرض انتشار ظاهرة الغش وهي سياسة التسعير المتّبعة من قِبل “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، التي لا تأخذ كل التكاليف خاصة غير المنظورة منها بالاعتبار، وبالتالي الأعباء والتكاليف الكبيرة هذه تدفع بالكثيرين إلى العمل على تغطيتها بوسائل مختلفة، منها تغيير المواصفات من أجل تحقيق بعض الوفر حيث يبحث صاحب المنشأة عن طرق أخرى لتسديد تلك التكاليف، إلى جانب غياب الكهرباء لساعات طويلة، وهو ما يؤدي لاتباع بعض المنتجين لاستخدام مواد مسرطنة للحفاظ على منتجاتهم لأطول فترة ممكنة.

انتشار البضائع الرديئة والفاسدة في سوريا ليس بأمر جديد. وقد نمت بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فضلا عن تباين الأسعار مقارنة بالسلع المسجلة والموثوقة. لذلك يعبّر المواطنون اليوم عن استغرابهم من المواد غير الفعّالة المنتشرة بكثرة في الأسواق المحلية، وخاصة المنظفات التي تُباع أجزاء منها في المحلات، والأخرى على الأكشاك والبسطات، بالكيلو، وبالأكياس وبالعبوات التي لا تحمل بيانات، وإن كانت تحمل، فإنها لا تحمل سوى اسم وتقليد للماركات المحلية الأصلية والمعروفة، وهي ليست رخيصة ولكنها مقبولة نسبيا، وربما هذا ما يجعل المواطنون يُقبِلون على شرائها، بينما يمتنع آخرون عن تكرار التجربة مرة أخرى.

حتى أنه انتشر مؤخرا حادثة التسمم بالمبيدات والمواد النباتية التي أدت إلى وفيات مأساوية في سوريا، وذلك على إثر انتشار التجارة الاحتيالية والغش المادي بنسبة هائلة.

حيث لقيت أم سورية وبناتها خبرا مفزعا قبل نحو أيام معدودة، بوفاة ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات، بعد استخدام علاج للقمل اعتقدت عند استخدامه أنه مركّب غير ضار، لكن بعد الفحوص الطبية تم التأكد من أن الخليط يتكون من مواد غير آمنة.

إذاً انتشار السلع المغشوشة والفاسدة في تصاعد مستمر وسببه الأساسي يعود لضعف الإجراءات الحكومة السورية ورقابتها التموينية المهترئة، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما ينعش هذه التجارة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات