منذ سنوات عديدة وظاهرة الغش والاحتيال في الأسواق السورية في تزايد مستمر، وكل ذلك يعود إلى ضعف دور هيئات الرقابة والتموين في ضبط الأسعار بالأسواق السورية وسياسة تسعير التوريد التي تتّبعها الجهات المعنية في “وزارة التجارة الداخلية السورية” التي لا تأخذ كل التكاليف بعين الاعتبار ولا سيما غير المرئية.

بالتزامن مع ارتفاع عموم الأسعار وتكلفة المعيشة في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن التفاوت في الأسعار مقارنة بأسعار التموين المسجلة والموثوقة، فإن منتجات الألبان والجبن واللحوم المنتهية الصلاحية والفاسدة، وليس فقط المواد الغذائية الرديئة كالمعتاد، تغزو الأسواق السورية اليوم بشكل غير مسبوق، لدرجة أن طبيب بيطري يعمل في المؤسسات الحكومية دق ناقوس الخطر على الصحة العامة في إحدى المحافظات السورية، بسبب استخدام البعض مواد مسرطنة في منتجاتهم لعدم إفسادها، وأرجع سبب ذلك إلى غياب الرقابة الصحية، فضلا عن الإشارة إلى غياب الرقابة التموينية عن المطاعم.

استخدام مواد مسرطنة!

الطبيب البيطري أحمد إبراهيم أوضح خلال مؤتمر نقابة الأطباء البيطريين بالقنيطرة، أن الطبيب البيطري كان يراقب عمليات الذبح خارج المسلخ ويشرف عليها في ريف المحافظة الجنوبي قبل الأزمة من خلال التنسيق مع الوحدات الإدارية وكان يمنح ختما خاصا لختم الذبائح الصالحة للاستهلاك بعد التأكد من سلامتها وخلّوها من الأمراض المُعدية.

أحد محال الألبان والأجبان في سوريا “غوغل”

إبراهيم اتهم جامعي الحليب بوضعهم الماء الأوكسجيني على الحليب وهي مادة مسرطنة، لكيلا يفسد الحليب وترتفع حموضته، مطالبا بضرورة شرعنة عمل المراقب البيطري وإخضاعه لدورات تحت إشراف النقابة إذ إنه قد يستخدم في علاج أعلى المضادات من دون معرفة خطورتها على الماشية وهذا الدواء يتبقى في الحليب ومشتقاته، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأربعاء.

من جانبه، رئيس “مكتب الشؤون الزراعية باتحاد فلاحي القنيطرة” عبد الحكيم الجناطي، أشار إلى ترميم مركز نبع الصخر لتجميع الحليب منذ سنتين وأنه تم تركيب أحدث الآلات والتجهيزات لكن لم يتم استثماره حتى تاريخه بسبب وجود ديون مستحقة للمربين على شركة ألبان دمشق قدرها 290 مليونا.

الجناطي قال إنه بعد اجتماعات عدة تم تسديد 200 مليون، فضلا عن عقد اجتماعات عدة مع ممثل الشركة لإيجاد طريقة أو آلية لدفع أجور الحليب للمربين الذين طالبوا بأن تكون أسبوعية لكن الشركة وافقت على الدفع كل 15 يوما بسبب التزاماتها مع الجهات المستجرة منها وأمام ذلك لم يتم التوصل إلى نتيجة، مضيفا إن المجلس البلدي في نبع الصخر تقدّم بطلب لاستثمار مركز تجميع الحليب لكن شركة دمشق لم توافق على الطلب ليبقى المركز من دون تفعيل رغم إعادة تأهيله منذ سنتين.

أسباب انتشار الغش

الضبوط التموينية في المحافظات السورية خبر شبه يومي، وحالات الغش بالعشرات من مختلف الأنواع، يصل بعضها إلى الكبائر كالغش الذي يصل إلى تقديم لحوما غير صالحة للاستهلاك، والغش في المواصفات والوزن والتسعيرة.

قد يهمك: “ظروف صعبة” تدفع سوريين للتخلي عن هواتفهم المحمولة

إزاء ذلك يتحدث المنتجون عن حلقة أساسية تفرض انتشار ظاهرة الغش وهي سياسة التسعير المتّبعة من قِبل “وزارة التجارة الداخلية”، التي لا تأخذ كل التكاليف خاصة غير المنظورة منها بالاعتبار، وبالتالي الأعباء والتكاليف الكبيرة هذه تدفع بالكثيرين إلى العمل على تغطيتها بوسائل مختلفة، منها تغيير المواصفات من أجل تحقيق بعض الوفر حيث يبحث صاحب المنشأة عن طرق أخرى لتسديد تلك التكاليف، إلى جانب غياب الكهرباء لساعات طويلة، وهو ما يؤدي لاتباع بعض المنتجين لاستخدام مواد مسرطنة للحفاظ على منتجاتهم لأطول فترة ممكنة.

كما أن بعض المسؤولين في “جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها”، أكدوا في وقت سابق أن المشكلة الأساسية تكمن في تسعيرة التموين، حيث أنها لا تأخذ جميع التكاليف بعين الاعتبار، وأنه عند تقديم أي صاحب منتج أسعاره لـ”وزارة التجارة الداخلية” يطلبون منه تعديلها، لذلك لا أحد يستطيع الالتزام بتسعيرة التموين، ولكن يتجنبون خرقها لتجنب المخالفات، وتكون النتيجة بتغيير المواصفات وجودة المواد لتحقيق الأرباح أو تغطية التكاليف.

محافظ القنيطرة مستغرب!

في مقابل ذلك، استغرب محافظ القنيطرة معتز أبو النصر جمران، التأخر في طرح قضية مركز تجميع الحليب وانتظار كل هذا الوقت، مبديا استعداد المحافظة للتواصل الفوري مع “وزارة الصناعة السورية” لحل كل المشكلات العالقة وشراء كامل إنتاج القنيطرة من الحليب، مؤكدا أن أجهزة التتبع “جي بي إس” جاهزة للتركيب على كل الآليات لضبط عملية هدر المحروقات، كما أن المحافظة ستقدم المحروقات اللازمة لعمل الأطباء البيطريين وفق أسس وضوابط محددة.

أما حول عمل المراقب البيطري، فقد قال جمران، إنه يوجد ضرر من عمل المراقب البيطري، وأنه سيتم إلغاء هذا الاختصاص، مطالبا بمذكرة تفصيلية حول ضرورة إحداث “مديرية للشؤون الصحية” بالمحافظة.

المحافظ بيّن أن الجهود تبذل للتعاون مع القطاع الخاص لإحداث مسالخ للفروج تحت إشراف الأطباء البيطريين، إضافة إلى التشجيع على عمليات استزراع الأسماك وتربية النحل، مشددا على دور الأطباء البيطريين في حماية الثروة الحيوانية والإنسان من الأمراض المشتركة ومن خلال الإشراف على قطعان الماشية والتخلص الآمن من الأدوية البيطرية، وتنمية الثروة الحيوانية والحفاظ عليها وتوفير المنتجات الحيوانية بأسعار مناسبة للمواطنين.

بدوره أوضح نقيب الأطباء البيطريين إياد سويدان، أن المراقب البيطري جزء مهم لمراقبة الثروة الحيوانية ولذلك يجب أن يكون هناك عقد بين الطبيب البيطري والمراقب للعمل تحت إشراف الطبيب، علما أن تنظيم المهنة محدد بقانون سواء للطبيب أم المراقب، وهو يأخذ حيزا كبيرا من المؤتمرات لكن هناك مناطق لا يوجد فيها أطباء بيطريون ما يستدعي اللجوء إلى المراقب البيطري، مدّعيا أن أغلب المسالخ تعرضت للضرر خلال الأزمة وبالتعاون مع القطاع الخاص تتم إعادة تأهيلها والعمل بها شريطة أن يقوم الطبيب البيطري بالإشراف عليها وعلى عمليات الذبح فيها.

بينما اكتفى نقيب فرع الأطباء البيطريين بالقنيطرة رشدي بهاء الدين، بالقول أنه تم رفع مذكرة للمحافظة حول المسلخ البلدي في خان أرنبة وعدم مطابقته للشروط المطلوبة، مؤكدا أن نقص المحروقات للآليات يزيد في أجرة الطبيب فبدل أن يتقاضى عشرة آلاف ليرة، يطلب 50 ألفا بسبب شراء المحروقات من السوق السوداء.

الخبراء يرون أن الجهات الرقابية والتموينية لا تفعل شيئا سوى الإدلاء بتصريحات رنانة وتكتفي بالقول إنها تعمل بكل ما في وسعها من أجل الحد من انتشار السلع الفاسدة، ولكن في الواقع، انتشار المواد الرديئة والفاسدة والتي تقتل البعض أحيانا منتشرة لسنوات عديدة وليست حديثة اليوم، وبالتالي الحد من الظاهرة لن تنتهي ما دامت الإجراءات الفعلية غائبة والحكومة تقدم وعودا نظرية فقط.

الغش يغزو الأسواق السورية

في خضم الغلاء الجامح والمستمر في الأسواق السورية، والتي أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على السوريين، تعيش الأسواق السورية حالة من الانفلات والفوضى وانتشار المواد المغشوشة والتي بها مواد مسرطنة خطيرة على صحة العامة، حيث يستغل بعض الباعة رغبة الأهالي في شراء المواد الرخيصة من أجل بيع مواد غير مطابقة للمواد القياسية.

كذلك، فإن انتشار البضائع الرديئة والفاسدة في سوريا ليس بأمر جديد. وقد نمت بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فضلا عن تباين الأسعار مقارنة بالسلع المسجلة والموثوقة. لذلك يعبّر المواطنون اليوم عن استغرابهم من المواد غير الفعّالة المنتشرة بكثرة في الأسواق المحلية، وخاصة المنظفات التي تُباع أجزاء منها في المحلات، والأخرى على الأكشاك والبسطات، بالكيلو، وبالأكياس وبالعبوات التي لا تحمل بيانات، وإن كانت تحمل، فإنها لا تحمل سوى اسم وتقليد للماركات المحلية الأصلية والمعروفة، وهي ليست رخيصة ولكنها مقبولة نسبيا، وربما هذا ما يجعل المواطنون يُقبِلون على شرائها، بينما يمتنع آخرون عن تكرار التجربة مرة أخرى.

مواطنون بعدة مناطق من محافظة حماة، أفادوا لصحف محلية مؤخرا، أن المنظفات التي تُباع على البسطات ضعيفة الفعّالية والتأثير، وبشكل خاص سوائل الجلي ومساحيق الغسيل والمعقّمات من أنواع الجيل العديدة. بينما أوضح بعضهم الآخر، أنهم يشترونها لكون أسعارها مناسبة لمداخيلهم المحدودة جدا.

حتى أنه انتشر مؤخرا حادثة التسمم بالمبيدات والمواد النباتية التي أدت إلى وفيات مأساوية في سوريا، وذلك على إثر انتشار التجارة الاحتيالية والغش المادي بنسبة هائلة. حيث لقيت أم سورية وبناتها خبرا مفزعا قبل نحو أيام معدودة، بوفاة ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات، بعد استخدام علاج للقمل اعتقدت عند استخدامه أنه مركّب غير ضار، لكن بعد الفحوص الطبية تم التأكد من أن الخليط يتكون من مواد غير آمنة.

في أحدث بيانات صادرة عن محافظة اللاذقية وحدها، بلغت قيمة الغرامات المالية للضبوط التموينية في المحافظة خلال الربع الأول من العام الحالي نحو 30.375 مليار ليرة سورية. المديرية ووفقا لما نشرته، نظّمت خلال هذه الفترة 290 ضبطا بحق بعض المستوردين لعدم إصدارهم الصكوك السعرية الخاصة بهم، وأصحاب المخابز لسوء نوعية الخبز ونقص الوزن وتهريب الدقيق التمويني.

كما طالت مخالفات متعلقة بالاتجار بالمشتقات النفطية في السوق السوداء، والغش والتدليس في صناعة المواد الغذائية وغير الغذائية، والاتجار بالمواد الإغاثية، وحيازة المواد منتهية الصلاحية، والبيع والإعلان بسعر زائد، والمواد مجهولة المصدر.

إجمالا، انتشار السلع المغشوشة والفاسدة في تصاعد مستمر وسببه الأساسي يعود لضعف الإجراءات الحكومة السورية ورقابتها التموينية المهترئة. لذلك، فإن المشكلة في تنامي هذه الظاهرة ليست مجرد شراء الناس لمواد فاسدة وضارة أو مغشوشة وبأسعار رخيصة؛ بل إن الجانب الآخر الذي لم يتطرق إليه أي مسؤول حكومي، هو أن المواطنين وصلوا إلى مرحلة تدهورت فيها ظروفهم المعيشية لحد أن صحتهم وسلامتهم باتت خارج قائمة الاهتمامات الرئيسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات