الارتفاع الأخير في أسعار خدمات الاتصالات والإنترنت في سوريا، أثار ضجة واستياءً لدى المواطنين، حيث قوبلت التعرفة الجديدة التي تباينت فيها الزيادات ما بين 35-50 بالمئة، بالنقد والرفض وسط أزمة معيشية خانقة مستمرة منذ سنوات، مما دفع العديد منهم إلى الاستغناء عن الهواتف المحمولة، أو استخدامها للرد على الاتصالات فقط.

كما انتُقد هذا القرار على نطاق واسع من قبل مسؤولي الحكومة السورية، بمن فيهم أعضاء من “مجلس الشعب” السوري، وكذلك بعض الخبراء والصحفيين، حيث اعتبروه مجحفا بحق المواطنين، باعتبار أن 90 بالمئة من الناس يعيشون تحت خط الفقر، وكان يُفترض أن يكون هذا الارتفاع على مراحل تحاكي جيوب كافة الفئات الشعب.

الاستغناء عن خدمات “الموبايل”

في السياق ذاته، أعرب عدد من السوريين عن استيائهم من رفع أسعار الاتصالات الخليوية والإنترنت، واصفين القرار بـ “غير المنطقي وغير المدروس”، حتى أن عددا منهم قرر الاستغناء عن الموبايل وجعله وسيلة للرد فقط وليست للاستخدام.

جناح الشركة السورية للاتصالات في أحد المعارض السورية- عام 2022 “السورية للاتصالات”

العديد من الموظفين اشتكى من رفع أسعار الاتصالات بشكل كبير واعتبروه غير منطقي مقارنةً بالأسعار السابقة، على الرغم من سوء خدمات الشبكة، موضحين أن الراتب لم يعد يكفي لسداد الفواتير الشهرية، حسبما نقله موقع “أثر برس” المحلي يوم أمس الإثنين.

فيما قالت مواطنة تعمل في محل ملابس، إنها ألغت كل الميزات التي سبق واشتركت بها من “رسائل أخبار وأبراج؛ وأغاني؛ ونصيحة الكوتش..”، مضيفة للموقع المحلي “الشركة بدأت منذ البارحة إرسال رسائل وإعلام المشتركين بأن قيمة الاشتراك بالميزة كذا ارتفع كذا وهذا صراحة لا يناسب راتبي الذي أتقاضاه فهو بالكاد يشتري لي خبزا ومواصلات من وإلى عملي”.

كما واعتبر موظفو بعض القطاعات والمِهن مثل مندوبي المبيعات، أن شراء دراجة هوائية أو حتى الاعتماد على المواصلات العامة، أوفر من إجراء الاتصالات لتسيير أعمالهم. حيث قال أحد مندوبي توزيع الأدوية أنه لا يستطيع أن يستخدم هاتفه لإجراء الاتصالات ويصف الذهاب إلى أي مكان بالأوفر من إجراء المكالمة؛ مضيفا “المربح الذي أحصل عليه من عملي بوصفي موزعا للأدوية سوف يذهب أجور اتصالات؛ لذلك وجدت أن الحل هو شراء دراجة هوائية والتجول عليها من صيدلية إلى أخرى من دون أن أدفع حتى أجرة مواصلات”.

قد يهمك: ارتفاع تسعيرة الاتصالات في سوريا والخدمات “تحت الصفر”

كما قالت إحدى السيدات والتي بدت مستاءة جدا من رفع أسعار الاتصالات، “عادة يتزامن أي ارتفاع بزيادة الرواتب، ولكن هذه المرة للأسف حصل خلاف ذلك، إذ بقيت الرواتب على حالها وارتفعت أجور الاتصالات وكل يوم هناك زيادة في الأسعار وصولا إلى الموبايل وأسعار المكالمات وخدمات الإنترنت”.

فيما بيّنت مواطنة أخرى وهي تعمل معلمة مدرسة، أن راتبها 100 ألف ليرة سورية وخط الإنترنت المنزلي لديها يتراوح بين 20 إلى 25 ألفا، مضيفة “يعني مع فاتورة الموبايل والكهرباء والهاتف الأرضي، الراتب باي باي”.

هذا وكانت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” التابعة لـ”وزارة الاتصالات والتقانة السورية”، قد أصدرت قرارا يقضي برفع أسعار خدمات الاتصالات الثابتة والخليوية، ابتداءً من الأول من شهر أيار/مايو الحالي.

بموجب القرار، طرأ زيادة قدرها 30- 35 بالمئة على التعرفة الأساسية لخدمات الاتصالات الخلوية، ونحو 35- 50 بالمئة على تعرفة خدمات الاتصالات الثابتة. وأشارت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” بحسب بيان صادر عنها أواخر نيسان/أبريل الماضي، وبررت القرار بالارتفاع الكبير لكلف المكوّنات الأساسية والمصاريف التشغيلية لشبكات الاتصالات الخلوية والثابتة، وبهدف ضمان استمرار خدمات الشركات العاملة في المجال.

المسؤولون مستاؤون أيضا

من ناحية أخرى، لم يفلت المسؤولون والصحفيون أيضا من الارتفاع وطالهم النصيب الأكبر من الخسارة، إذ قال صحافي رفض ذكر اسمه للموقع المحلي “عمل أغلبنا بوصفنا صحافيين بوساطة الهاتف أوفر بكثير من الذهاب والإياب وزحمة المواصلات؛ يكفي أن نتصل بالشخص المعني ونحصل منه على التصريح المطلوب؛ أما الآن الذهاب إلى أي مكان أوفر فربما نتمكن من إعداد تقارير عدة بمشوار واحد، بدلا من التكلفة على الجوال وصرف الوحدات”، مضيفا “يفترض قبل إصدار قرار برفع سعر المكالمات وخدمات الإنترنت التفكير بزيادة راتب الموظف الذي يصرفه بعد ساعة من استلامه”.

كذلك، انتقد عضو “مجلس الشعب” السوري، عبدالرحمن الخطيب، يوم الأربعاء الماضي، قرار “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”، برفع أسعار خدمات الاتصالات الثابتة والخلوية في سوريا، مضيفا في منشور على منصة “فيسبوك”، إن “الأجدر بالهيئة الناظمة للاتصالات الأخذ بعين الاعتبار أن 90 بالمئة من الشعب، يرزح تحت خط الفقر”.

عضو “مجلس الشعب” أردف أنه “إذا كان لابد من الزيادة  فكان يجب أن تكون على مراحل تحاكي جيوب كافة فئات الشعب”، متسائلا عن سبب عدم اعتماد “الهيئة” لـ “نظام الشرائح”، على أن  تكون الشريحة الأولى دقائق يومية وباقات إنترنت محددة بالأسعار السابقة، والشريحة الثانية والثالثة وصولا للشريحة العاشرة، وهذا ينطبق على كافة الاتصالات الأرضية والجوال سابق ولاحق الدفع والباقات.

الخطيب تابع مخاطبا “الهيئة” بالقول “على الأقل المواطن الذي أجبرتموه أن يحمل الجوال لينتظر رسائلكم من المواد التموينية، يبقى قادرا على الاستمرار بالحياة ليحصل على  مخصصاته، أم هي أيضا باب آخر للالتفاف على أبسط حقوقه وسرقتها.. ألم تفكروا بالطلاب الجامعيين والعسكريين”. ودعا الخطيب لإعادة النظر في هذا القرار “أعيدوا حساباتكم.. لأن الرجوع الى الحق، خيرٌ من التمادي في الباطل”.

المواطن الضحية الوحيدة!

كذلك، اتهمت الباحثة الاقتصادية، رشا سيروب، المؤسسات الحكومية، مؤخرا، بأنها تعامل المواطن كمتلقٍ للقرار وليس كشريك، متسائلة “ماذا تفعل شركات اﻻتصاﻻت بأرباحها”، معتبرة في منشور لها على صفحتها الشخصية على منصة “فيسبوك” أن “تبرير الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد قرارها.. هو ليس نصف الحقيقة بل ثلثها الأقل أهمية”.

سيروب تقول، إن الثلثين الأكثر أهمية والتي لم تتطرق “الهيئة” لهما أن شركات الاتصالات حققت في العام 2022 أرباحا صافية في العام 2022، وصلت إلى 45  مليار ليرة سورية لشركة “إم تي إن”، و 128 مليار لشركة “سيرياتيل”، موضحة أن الأرباح الصافية تعني تحقيق الشركات دخل أكبر من جميع النفقات التشغيلية والضريبية، وأنه لغاية اليوم لم تفصح شركة “سيرياتيل” عن نتائج البيانات المالية النهائية لعام 2022، والتي يُفترض أن تنشر خلال فترة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، من انتهاء السنة المالية كحد أقصى، حسب المادة رقم /7/ من نظام الإفصاح والشفافية.

سكرين شوت لمنشور الكاتب الصحفي نبيل صالح

كما طالب الكاتب الصحافي، والنائب السابق في “مجلس الشعب”، نبيل صالح، بمقاطعة الاتصالات، احتجاجا على رفع الأسعار، في منشور له على صفحته الشخصية، وقال صالح في منشوره على منصة “فيسبوك”، “أدعو سائر مواطني في الجمهورية العربية السورية إلى الإمساك عن استخدام هواتفهم المنقولة والثابتة، في اليوم الأول من شهر أيار/مايو، واعتباره يوم صيام وإيمان، وذلك احتجاجا على إقدام مؤسسة الاتصالات برفع أسعارها، رغم أن حكومتها العليا لم ترفع رواتب موظفيها منذ دهور!”.

صالح نشر منشور آخر منتقدا فيه غلاء أسعار الاتصالات والإنترنت، اليوم الثلاثاء، وقال “كانت تجربتنا يوم أمس في التخلي والامتناع عن استهلاك سلعة افتراضية تبيعها لنا مؤسسة الاتصالات وشركاتها خطوة أولى نحو إثارة انتباه المؤسسة وشركاتها الناهبة إلى أننا مواطنون ولسنا مجرد مستهلكين، بدليل نشرها توضيحات غير واضحة تبرر إقدامها على مضاعفة أسعارها”.

صالح دعا المواطنين إلى تقنين خدمات الاتصالات والإنترنت وأضاف “إدارة التقدم بعقلية التخلف هذا ما تفعله بعض إدارات مؤسساتنا الوطنية، لهذا لن ينتهي بؤسنا، لكن باستطاعتنا التوقف أو تقنين استهلاك بعض ما يسبب هذا البؤس ومن بينها خدمة الاتصالات التي قاطعها عدد كبير من السوريين يوم أمس”.

على إثر إصدار “الهيئة” قرارها برفع الأسعار، أعلنت شركتا الخلوي، “إم تي إن” و”سيريتل” عن قائمة الأسعار الجديدة، والتي سرت بها في أيار/مايو الجاري، ووفق شركة “سيريتل”، فإن سعر الدقيقة الخلوية للخطوط مسبقة الدفع تصبح بـ 35 ليرة سورية، وتصبح تعرفة الدقيقة للخطوط لاحقة الدفع 33 ليرة سورية، أما سعر الميغابايت خارج الباقة يصبح 22 ليرة.

بدورها، أعلنت “الشركة السورية للاتصالات” عن رفع تعرفة الاشتراك في بوابات الإنترنت “آي دي سي أل” وأصبحت كالتالي، 4200 ليرة سورية لسرعة 256 كيلوبايت، 4700 ليرة سورية لسرعة 512 كيلوبايت في الثانية، 6000 ليرة لسرعة 1 ميغابايت، 7500 ليرة سورية لسرعة 2 ميغابايت.

كما ونشرت “السورية للاتصالات” قائمة بالأسعار الجديدة لخدمات الهاتف الثابت وفق ما يلي، أجر الاشتراك الشهري للهاتف الثابت 1300 ليرة سورية، أجور الدقيقة القطرية من 9 صباحا حتى 5 مساء، 5 ليرات، أجور الدقيقة القطرية من 5 مساء حتى 9 صباحا، 3 ليرات، أجرة كل 3 دقائق محلية 2 ليرة سورية.

في العموم، رفع أسعار خدمات الاتصالات الثابتة والخلوية والإنترنت، دون زيادة مقابلة في رواتب وأجور المواطنين، يشكل بلا شك عبئا آخر على حياة معظم السوريين اليوم. ويبدو أن الموضوع برمته يدور حول تدني مستوى الرواتب والمداخيل، وليس ارتفاع الأسعار الذي يتزامن مع تراجع سعر الصرف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات