في أعقاب التضخم المهول والغلاء الجامح الذي اجتاح الأسواق السورية مؤخرا، باتت العائلات التي كانت قادرة على شراء نصف أو ربع كيلو من البُن في السابق، تشتري اليوم بالأوقية والغلوة، ويبدو أن السوريين سيلجأون إلى تقنين مشروبهم اليومي الأكثر شهرة، باعتبار أن كيلو القهوة وصل إلى نحو 100 ألف ليرة سورية، وسط غياب دور التموين والرقابة الحكومية.

سنة بعد أخرى، كان السوريون يتوقعون انفراجات عامة ستتحقق في أيامهم المقبلة، لكن الوضع كان يزداد سوءا مع مرور الوقت بالنسبة لهم. حيث أن جميع السلع الغذائية باتت تشكل عبئا عليهم نتيجة التضخم المتتالي لأسعارها وخاصةً في الآونة الأخيرة، لاسيما مع تدهور سعر الصرف، حيث وصل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في تداولات اليوم الثلاثاء، إلى نحو 8700 ليرة للدولار الواحد.

الأسعار تعكر مزاج “الشريبة”

في السياق، أثار تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، نُشر اليوم الثلاثاء، تساؤلا فيه، فقال “هل يُعقل أن يصل سعر الكيلوغرام من البُن إلى 100 ألف ليرة، أي ما يعادل راتب الموظف لشهر كامل، بينما يمكنك العثور على كيلوغرام من القهوة من ماركة أخرى مقابل 50 ألفا”.

بمعنى أن التناقض والفوضى في الأسعار بات حديث المواطنين اليوم أكثر من أي وقت مضى، إذ ليس من المعقول وجود كل هذا التخبط في الأسواق، دون تحرك الجهات الرقابية للحدّ من هذه المخالفات والتجاوزات.

رئيس “الجمعية الحرفية للمحامص والموالح والمكسرات” عمر حمود، أكد للصحيفة المحلية أنه لا يمكن ضبط  سعر كيلو القهوة بسبب وجود العديد من أصناف البُن المستخدم في القهوة، فهناك الهندي والبرازيلي والكولومبي ومن الصعب تحديد نوع  البُن المستخدم، فكل الماركات التي تبيع القهوة بسعر مرتفع تدّعي استخدام نوع ممتاز من البُن وإضافة غرامات أكثر من الهيل وبعض التحسينات والمسكة، فحتى الهيل هناك من يضع حباته وآخر يضيف قشره فقط.

حمود أشار إلى أن سعر كيلو البُن العادي يجب ألا يتجاوز الـ 90 ألفا وكل من يبيعه بأكثر من ذلك غير مقبول، فسعر القهوة يتوقف حاليا على أخلاق المصنّع وضميره ونسبة جشعه وطمعه، مؤكدا أن 50 بالمئة من محال البُن غير منتسبة للجمعية على الرغم من مطالبة “وزارة التجارة الداخلية” بإلزامهم بالانتساب إليها.

رئيس “جمعية المحامص” زعم أنهم لا يملكون صلاحية في المساءلة والرقابة على محال بيع البُن وبالتالي لا يمكنهم التفسير عن تباين أسعار القهوة، إلا على المحال المنتسبة للجمعية، أمّا مَن هو خارجها فلا سيطرة عليه بتخفيض أسعاره، فهو يبيع وفق مزاجه، مشيرا إلى أن أغلب ماركات البُن المعروفة منتسبة للجمعية وهي ملتزمة بسعر منطقي، على حدّ قوله.

قد يهمك: أسعار الأواني المنزلية لارتفاع 200 بالمئة.. ما هو بديل السوريين؟

رئيس “جمعية المحامص” طالب مراقبي التموين بضرورة إلزام أصحاب محال القهوة بوجود شهادة حرفية داخل محالهم أسوة بأي حرفة أخرى وتوجيه الإنذار بالانتساب فورا لها في حال عدم وجود تلك الشهادة في محله. بيد أن أصحاب محال البُن والمكسرات والسكاكر يقولون إن ارتفاع الأسعار ليس نتيجة استغلالهم، بل هو نتيجة تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، نظرا لأن البُن يتم استيراده وبالعملة الأجنبية، فضلا عن أن عموم السلع قد شهدت ارتفاعا، والغلاء ليس مقتصرا على القهوة فقط في سوريا.

قهوة مغشوشة!

في الإطار ذاته، كشف رئيس “جمعية المحامص” عن وجود سوق سوداء للبُن، فهناك أنواع من البُن الأخضر غير معروفة المصدر تصل بطرق غير شرعية لبعض المصنّعين الذين يقومون بتحميصه وطحنه ومن ثم خلطه ببعض الأنواع الأخرى الجيدة، وإضافة القليل من الهيل لتحسين نوعه وطعمه.

كما أشار المسؤول الحكومي إلى سهولة غش القهوة، فمن الممكن إضافة نواة التمر أو الحمّص وإضاعة طعم القهوة عبر إضافة الهيل، فغش القهوة لا يكشفه إلا ”صاحب المراء” فهي على الأغلب تُقدّم للضيف الذي يشربها من دون أن يدلي برأيه بطعمها.

نتيجة ارتفاع أسعار القهوة بمختلف أنواعها في الأسواق، لجأ بعض تجار البُن في سوريا إلى طرق ملتوية لتمرير بضاعتهم من جهة وتحقيق أرباح إضافية، وبالتالي بات بيع القهوة المغشوشة متداولة في الأسواق بشكل ملحوظ وبأساليب متعددة.

خبراء التغذية كشفوا في وقت سابق للصحف المحلية، أن المواد المستخدمة لغش البُن كثيرة جدا ومتنوعة، حيث يصعب اكتشافها بسهولة، منها تحميص الشعير أو البقوليات أو الخبز المحروق أو جذور الهندباء أو نواة التمر بعد طحنها، كما أن البعض يستخدم نشارة الخشب الناعمة لزيادة الوزن أثناء التحميص من ثم إضافة المنكهات لإعطاء مذاق القهوة.

الغش بات يلازم معظم السلع والمنتجات الغذائية والاستهلاكية في سوريا، نتيجة لارتفاع الأسعار من جهة، وطمع المنتجين والتجار بتحقيق إيرادات ربحية أكبر، فيما يبقى المواطن هو المتضرر الأكبر بكل ما يجري.

تقنين المشروب الأشهر

سنة 2021 وصفت بالنموذجية، حيث حققت أسهم القهوة أرباحا كبيرة قاربت 80 بالمئة وهي الأعلى منذ عشر سنوات. حيث كانت مبيعات الربع الأول عالية، وأظهرت مبيعات الربع الثاني والثالث بعض المكاسب. في حين ارتفعت المبيعات في الربع الأخير من عام 2021 حيث عزز الطقس البارد استهلاك المشروبات الساخنة.

هذا وارتفعت أسعار البُن بأنواعه بمعدل غير مسبوق في السوق السورية، حيث سجلت بعض “الماركات الشهيرة” معدلات كبير خلال العام الماضي أيضا حيث كان مستوى المبيعات جيدا مقارنة بباقي السلع، فهو المشروب الأكثر شعبية والأفضل لدى السوريين، حيث يشربونه في الصباح والمساء وأحيانا بعد الظهر، وهو أيضا المشروب الأكثر شهرة في المقاهي والمطاعم.

لكن بعد هذا الغلاء في أسعار القهوة، والتفلّت والتباين في عموم الأسعار على أهواء الباعة، يبدو أن العديد سيقنّون استهلاك القهوة قدر المستطاع، نظرا لتدني مستوى الأجور والرواتب مقارنة مع الواقع المعيشي الصعب في البلاد، فلم يعد المواطن يتحمّل كل هذه التكاليف اليومية الكبيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات