بعد انتهاء شهر رمضان وعيد الفطر، أمَلَ المواطنون في سوريا بخفض الأسعار، ولكن ما حدث كان العكس تماما، فالأسعار ارتفعت بدلا من أن تنخفض، وعزا مختصون سبب ذلك إلى انهيار الليرة السورية مرة أخرى أمام النقد الأجنبي، بالإضافة إلى استغلال التّجار للمناسبات والظروف، وهو ما ولّد فوضى وتباينات في الأسعار، في ظل غياب الرقابة والتموين عن الأسواق السورية.

هذه الفوضى في الأسعار غير منطقية ولا يتحملها عقل المواطن السوري الذي يعيش على كفّ عفريت في بلده المنكوب منذ أكثر من عقد، ولا يكاد يؤمّن رزقه بشق الأنفس، والارتفاع المستمر في الأسعار. لا تزال تبريرات الجهات الحكومية كالمعتاد، تتمحور حول تدهور سعر الصرف، إلى حقيقة أنها أزمات ومشاكل اقتصادية عالمية، وأنها ليست مقتصرة على دمشق فقط.

إلا أن وصول عدد الضبوط إلى 1250 ضبطا تموينيا خلال الربع الأول من العام الجاري في محافظة واحدة فقط في سوريا، وبغرامات تجاوزت 30.5 مليار ليرة سورية، يكشف مدى ضعف وغياب دور الحكومة الرقابي، وانفلات التجار بالتلاعب في رفع أسعار السلع على أهوائهم.

فوضى في الأسعار

نحو ذلك، اشتكى مواطنون في محافظة اللاذقية من تفاوت أسعار المواد الغذائية والأساسية في الأسواق، مطالبين بتشديد رقابي لضبط عمليات البيع والحد من عشوائية التسعير بين محلّ وآخر، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأربعاء.

أحد الأسواق السورية- صحيفة “الوطن”

كما وذكر مواطنون أن الأسعار تحلّق بين ساعة وأخرى لمعظم المواد من دون استثناء، مع وصول أسعار المواد الغذائية لأرقام فلكية بذريعة ارتفاع سعر الصرف من دون حسيب ولا رقيب، لتصل أوقية القهوة ذات جودة عادية إلى 17.500 ليرة ونحو 90 ألف ليرة للكيلو الواحد، وكيس الشعيرية بـ 6 آلاف ليرة، وكيلو اللبن 4500 ليرة، بينما وصل كيلو البندورة إلى 4.500 ليرة، والفاصولياء المبرومة 11 ألف ليرة للكيلو، والعيشة 8500 ليرة، والكوسا 3 آلاف ليرة، والباذنجان 4 آلاف ليرة، والبازلاء 3500 ليرة، أمّا الفول بألفي ليرة، والأكيدنيا 5 آلاف ليرة، وحمص الميلانة 4 آلاف ليرة، وجرزة البقدونس بـ 900 ليرة، ومثلها للنعناع، أمّا الخسّة بـ2-3 آلاف ليرة حسب حجمها.

أيضا، ارتفعت أسعار الدخان والمعسل بنسبة تصل إلى 10 بالمئة خلال الأيام القليلة الماضية، خاصة للأنواع الأجنبية، كما شهدت أسعار المحارم والمنظفات ارتفاعا كبيرا، فوصل سعر عبوة سائل الجلي الوسط إلى 18.500 ليرة، وعلبة المحارم القياس العادي 11 ألف ليرة، والصابونة الواحدة بـ 4 آلاف ليرة سورية، ومسحوق الغسيل من 25 ألفا وما فوق.

خلال الأيام الماضية، كانت الأسواق السورية تعيش تخبطا في أسعار التبغ والدخان المُصنّع محليا، إذ اشتكى المواطنون من الغلاء المستمر في أسعار علب السجائر، فضلا عن الغش الذي طال محتوياتها وسط غياب الرقابة الحكومية.

قد يهمك: “الكيلو بـ25 ألف ليرة سورية”.. افتتاح سوق الفاكهة الصيفية بأسعار “نارية”

هذا ويبدو أن انخفاض قيمة العملة المحلية، أثّر بشكل مباشر على الدخان المستورد، فضلا عن ارتفاع الدخان المُصنّع محليا نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، وقد وصل سعر “باكيت الحمراء الطويلة” إلى 4000 ليرة سورية، بعد أن كان سعره لا يتجاوز 3300 قبل أسابيع، وفق ما أفادت به تقارير محلية مؤخرا.

بالتالي في حال كان الموظف الحكومي يدخّن أرخص نوع دخان وفق التسعيرة الجديدة بمعدل علبة في اليوم سيكون بحاجة 66 ألف ليرة شهريا، ولن يبقى من راتبه أكثر من 50 ألف ليرة، أي أنه سيُنفق أكثر من نصف راتبه فقط على السجائر، بينما لو كان من مدخّني نوع الحمراء الطويلة وحصل عليها وفق النشرة الرسمية، سيكون بحاجة 90 ألف ليرة.

فساد مستشري في البلاد

في المقابل، قال مدير “التجارة الداخلية وحماية المستهلك باللاذقية” أحمد زاهر، إن المتابعة اليومية للأسواق وضبط المخالفين ومحاسبتهم وفق القانون مستمر، وأشار إلى تسجيل 1250 ضبطا تموينيا خلال الربع الأول من العام الجاري، بغرامات تجاوزت 30.5 مليار ليرة سورية.

زاهر أوضح أنه فيما يخص متابعة الأسواق، تمّ تنظيم 473 مخالفة لعدم الإعلان عن الأسعار، و8 ضبوط للبيع بسعر زائد، وعدم حيازة فواتير لمواد غذائية، وغير غذائية ومنها مجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية، لافتا إلى تسجيل مخالفات بحق الأفران وعمليات بيع الخبز، ومنها 73 ضبطا لإنتاج خبز سيئ ونقص وزن في ربطات الخبز، و9 ضبوط للاتجار بالخبز، و91 ضبطا للاتجار بالدقيق التمويني، مشددا على أهمية إنتاج خبز وفق المواصفات القياسية السورية.

مدير التموين ذكر أيضا أنه وخلال الأشهر الثلاثة من العام الجاري، تمت مصادرة كميات كبيرة من المواد المدعومة بغرض الاتجار بها، ومنها محروقات ودقيق، مبيّنا أن كميات المازوت المصادرة بلغت 13864 ليترا، مقابل 1417 ليترا من البنزين، و9 أسطوانات غاز، إضافة لـ 5245 كيلوغراما من الدقيق التمويني، وجميع هذه المواد المدعومة كانت معدّة للاتجار بالسوق السوداء بطريقة غير مشروعة.

علاوة على ذلك، في كل شكوى للمواطنين من الفوضى وارتفاع الأسعار، سواء للصحف المحلية أو للجهات الرقابية، فإن تصريحات المسؤولين تتركز إما على أنهم يؤدون واجباتهم بشكل صحيح وعلى أكمل وجه، كما يتضح من ارتفاع عدد الضبوط والمخالفات، أو أنهم يعتبرونها أزمة عالمية ولا تقتصر على سوريا فقط.

لكن بالنظر إلى أعداد الضبوط والغرامات، فإنه يكشف مدى تفلّت الأسواق عن سيطرة الحكومة، وتدهور الأسعار في البلاد على أهواء الباعة، وفي الواقع لا يوجد هكذا معادلة في أي دولة في العالم، وهذا يقود المرء إلى فهم أمر واحد، وهو إما أن ثمة عجز حكومي حقيقي يقف وراء كل هذه الفوضى أو أن الأجهزة الحكومية نفسها فاشلة في ضبط التجار والبائعين حول فوضى وتباين الأسعار، وبالتالي يصبح المواطن فقط هو من يدفع الضريبة مقابل كل ذلك، الذي يتأرجح بين غلاء المعيشة من جهة وانخفاض مستوى الرواتب والأجور من جهة أخرى.

أسعار أغلى بمرتين مقارنة بالدول المجاورة

في سياق متّصل، إذا ما تمت مقارنة الأسعار في سوريا مع أسعار الدول الأخرى، لا سيما دول الجوار، فإن الأسعار غير منطقية بسوريا، حيث أن أسعار العديد من السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية هي الأغلى في البلاد مقارنة بلبنان أو الأردن أو العراق. كما جاءت في العديد من التقارير المحلية وعلى لسان مسؤولين حكوميين بدمشق الذين أقرّوا بأن الأسعار في سوريا، مقارنة مع الدول العربية هي الأغلى، وأن الفروق تزيد عن النصف. وفي الواقع، هذا أمر مثير للاستغراب ويدعو للتساؤل.

ففي وقت سابق اعتبرت “جمعية حماية المستهلك السورية” أن أسعار المواد في الدول المجاورة أرخص من الأسواق السورية. وهذا يعود لوجود السوق السوداء الموازية لمؤسسات “السورية للتجارة”، والاحتكار الموجود وخاصة المواد الاستراتيجية من سكر وزيت وأرز.

الخبراء يرجعون ذلك إلى أنه نتيجة طبيعية لعدم فتح الحكومة لباب الاستيراد لمن يرغب وخصوصا المواد الأساسية والضرورية، ونسبة كبيرة من المواد المتوفرة في السوق أسعارها أغلى من دول الجوار، وبدون فتح باب الاستيراد أمام جميع التجار وعدم حصرها بأشخاص محددين، التابعين بشكل غير مباشر لمسؤولين كبار بالحكومة، لن يتراجع هذا الفارق الموجود بين سوريا والدول المجاورة.

هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج المحلي الذي لا يغطي حاجة السوق، ومن ثم اللجوء إلى الاستيراد، وهذا ما يتسبب برفع تسعيرة المنتج، فضلا عن أن تكاليف النقل المرتفعة جدا بسوريا مقارنة بالدول المجاورة التي لا تعاني من أزمة محروقات مثل سوريا، بجانب ضعف استقطاب التجار والمستثمرين، نظرا لعدم توافر البيئة الملائمة لهم.

بينما بالدول المجاورة فهناك إنتاج محلي للعديد من السلع الأساسية كاف لحاجة مواطنيها، ويتوفر فيها المحروقات والكهرباء والخدمات العامة ككل، التي من شأنها دعم وتعزيز المشاريع الزراعية والحيوانية المحلية بشكل كبير، بينما في سوريا فدعم الإنتاج المحلي لا يكاد يكون معدوما، بجانب المعضلة الأساسية، وهي تراجع الليرة السورية يوما بعد يوم أمام الدولار الأميركي وهو ما يؤثر على الأسعار.

في العموم، فإن تدهور وتفلّت الأسعار على أهواء الباعة، يبرهن مدى عجز الحكومة في دمشق عن السيطرة على الأزمات الاقتصادية المختلفة، ولو كان بيدها أدوات اقتصادية حقيقية، لكانت حاولت على الأقل الحفاظ على قيمة العملة المحلية من الانهيار، وبالتالي أوقفت الزيادات الخيالية في أسعار السلع والخدمات، التي لم يعد المواطن يتحمّلها، وكان هذا الخيار الأفضل من ترك الاقتصاد ينهار ومن ثم اللجوء إلى رفع الرواتب 20 و30 بالمئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات