بعد أن رفعت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية” سعر أسطوانات الغاز الصناعي إلى 75 ألف ليرة سورية، وارتفاع سعر البنزين في القطاعين العام والخاص ومن ثم بشكل عام، كانت ثمة مخاوف من تأثير هذا الارتفاع على أسعار المواد الغذائية التي يشكل الغاز أحد مستلزمات إنتاجها كالألبان والأجبان وعموم السلع في المطاعم الشعبية مثل الفلافل والحمص.

هذه التخوفات كانت في محلها، حيث ارتفعت أسعار بعض السلع بشكل طفيف كبداية، بينما هناك مطالب للإسراع بإصدار أسعار جديدة مقترحة للمطاعم الشعبية في دمشق، وذلك لتجنب أي فوضى محتملة في الأسواق من حيث ارتفاع أسعار السندويشات والأطعمة الأخرى بحجة تعديل السعر الرسمي. لذلك، فإن القرار الحكومي الأخير برفع أسعار الغاز يوفر بيئة خصبة لتفاقم أزمة الأسعار الجامحة في البلاد.

قرارات “غير صائبة”

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، نُشر اليوم الأربعاء، مفاده أن بعد رفع سعر الغاز الصناعي ومادة البنزين ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية التي يشكل الغاز أحد مستلزمات إنتاجها، وغير مستبعد أن ترتفع الأسعار بشكل عام في الفترة المقبلة.

المطاعم الشعبية- “إنترنت”

رئيس “جمعية المواد الغذائية” في اللاذقية رامز دبلو قال إن الجميع استفاق على رفع أسعار الغاز، ولكن السوق لم يستفق من الصدمة بعد، وسيكون هناك تأثير على أسعار الألبان والأجبان، ولكن بشكل طفيف خلال الفترة الحالية نظرا لقلة استعمال الغاز مقارنة بالفترة الماضية.

دبلو بيّن أن الحرفي لا يستهلك الغاز في فترة الربيع والصيف كما يستهلكها في فصل الشتاء، مبينا أن أسطوانة الغاز بالصيف تكفي لغلي 900 كيلو حليب، في حين إنها بالشتاء لا تكفي إلا لحوالي 600 – 700 كيلو حليب فقط، ما يعني أنه خلال الفترة الحالية سيقل استهلاك الغاز بشكل عام.

وفق دبلو فإن الحرفيين بشكل عام لا يعتمدون على الغاز الصناعي المدعوم من الحكومة، إذ لم يتم الترخيص للاتحاد بتوزيع المادة من “سادكوب” بالسعر المدعوم أو سعر التكلفة إنما يشتريه الحرفي من السوق السوداء بأسعار مضاعفة تتراوح بين 100 – 150 ألف ليرة للأسطوانة، وفي حال ارتفعت الأسعار السوق السوداء سيكون هناك تكاليف إضافية على الإنتاج.

بدون أدنى شك سترتفع أسعار الغاز في السوق السوداء قبل أي سوق آخر، لأن بضاعة هذا السوق من المخازن الحكومية حتما، وهي أي الحكومة المصدّر الرئيسي للغاز أولا ومن ثم عبوات الغاز يُستحال أن تأتي من دول الجوار.

دبلو لفت إلى أنه وخلال المؤتمر الماضي قبل أيام، طالبَ الحرفيون بمنحهم الغاز الصناعي المدعوم بموجب الشهادة الحرفية لكونهم لا يحق لهم الترخيص إذ معظم الحرفيين يعملون في مناطق عشوائية، وفي حال تزويدهم بالغاز المدعوم فإن هذا سيشكل قفزة نوعية في سوق الألبان والأجبان، وتنخفض الأسعار، قائلا “لدينا في الجمعية 300 حرفي لنفرض أن الاستهلاك اليومي من الغاز لهم بمجموع 100 جرة، وفرقها عن السوق السوداء 10 ملايين ليرة وهو المبلغ الذي سيضخ في السوق ويؤدي حكما لانخفاض الأسعار”، على حد زعمه.

كما وأردف رئيس الجمعية بأنه في حال تمت الموافقة على منح الحرفي الغاز الصناعي المدعوم الجديد 75 ألف ليرة، فإن سعر اللبن سينخفض 200 ليرة، ومنه باقي المشتقات واللبنة تنخفض 1000 ليرة، مبينا أن كل 3.5 كيلو لبن تُنتج كيلو لبنة، وهكذا ستنعكس على بقية مشتقات الألبان والأجبان.

غير أن الحكومة لا تملك الفائض من الغاز حتى تزوّده بفئات أخرى، فقبل نحو عام استبعدت قرابة نصف مليون سوري من الدعم لتخفيف العبء عليها، وبالتالي استحالة تزويدهم بالغاز المدعوم.

دبلو أوضح بأن سعر كيلو الحليب من المزارع محدّد منذ أيام بـ 3200 ليرة، وقبل نحو أسبوعين كان 3 آلاف ليرة، وكيلو الجبنة المسنرة بـ 34 ألف ليرة، وهناك محال شهيرة تبيعه بـ 38 ألفا، وكيلو اللبنة 16 ألف ليرة، واللبن 4500 ليرة للعبوة وزن 900 غرام، مشيرا إلى أن الأسعار ترتفع حسب العرض والطلب بشكل عام.

مطالب بتعديل الأسعار

في المقابل، طالبت جمعية المطاعم في محافظة دمشق بالإسراع بإصدار الأسعار الجديدة المقترحة خاصة بعد صدور قرار “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” القاضي برفع أسعار الغاز الصناعي والبنزين أيضا، علما أن الدراسة تشمل المعجنات و السندويتش والأراكيل والمشروبات في هذه المطاعم.

يأتي ذلك في الوقت الذي تؤّمن فيه العديد من المنشآت السياحية النسبة الأكبر من احتياجاتها من المحروقات بأسعار متزايدة عن الرسمية المعتمدة، علما أن الغاز يتم توفيره عبر لجان المحروقات في المحافظات لكن المعلومات تؤكد حصولها على 50 بالمئة من المادة وأقل من ذلك، وبالتالي يبقى الخيار هو تأمين المواد بأسعار أعلى غير رسمية لاستمرار عمل مختلف المنشآت، وفق تقرير آخر لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

الألبان والأجبان في سوريا- “إنترنت”

رئيس “الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمتنزهات” في دمشق كمال النابلسي، ذكر أن وجود أكثر من 1000 مطعم شعبي في العاصمة، وأن هناك تأثيرات حاصلة من قرار تعديل الأسعار لاسيما أن المطاعم الشعبية بدمشق تحصل على نصف احتياجاتها فقط من المحروقات بالأسعار الرسمية، والنصف الأخر تعمد إلى تأمينه من السوق السوداء بأسعار مضاعفة تصل إلى 300 ألف ليرة لاسطوانة الغاز الصناعي.

بالتالي فإن أسعار سلع هذه المطاعم من المعجنات والسندويتش “الفلافل والبطاطا والشاورما” والأراكيل والمشروبات سترتفع خلال الأيام القليلة المقبلة، نظرا لارتفاع الغاز من جهة ومادة البنزين من جهة أخرى، التي تؤثر على مفاصل الحركة الاقتصادية اليومية، مما يعني أن قرار الحكومة يوم أمس حول الغاز والبنزين غير صائب ويعزز من تفاقم أزمة الغلاء وليس العكس، وسط ثبات الرواتب والأجور على حاله.

عدم الالتزام بالأسعار الرسمية

العديد من المطاعم طرحت مؤخرا أسعارا تلائم كلف مستلزماتها ضاربة عرض الحائط أي تعرفة رسمية صدرت مؤخرا، علما أن الأمر شمل السندويتش باختلاف أنواعه والمعجنات والمشروبات والأراكيل، وبالتالي أصبح هناك تباين واضح بين مطعم وآخر في أحياء العاصمة، وهذا يعني أن مسألة إقرار التعرفة الجديدة من المحافظة والرقابة أمرٌ لا مفر منه، وإلا فلن يكون هناك تقيّد بالأسعار أو أن العديد من هذه المطاعم سوف تغلق أبوابها.

تدعيما لهذه التوقعات، فقد بيّن مدير “الجودة والرقابة السياحية” في “وزارة السياحة” زياد البلخي، أن اللجنة المركزية لتحديد أسعار الخدمات في المنشآت السياحية تعقد اجتماعاتها حاليا لدراسة إقرار أسعار جديدة للمطاعم والمنشآت السياحية، مضيفا، لا شك بأن أي زيادة في تكاليف المواد الأولية وتكاليف التشغيل سيتم النظر إليها ولاسيما التعديل الحاصل على أسعار الغاز الصناعي، وأي تكاليف في هذا السياق.

البلخي أردف “نتأمل لأن تكون الأسعار الجديدة المقرر إقرارها مطلع الشهر القادم منصفة لتتضمّن التكاليف الأولية وتكاليف التشغيل بنسبة أرباح تحقق التوازن بين العرض والطلب، لاسيما أننا على أعتاب موسم سياحي مرتقب”، وهو ما يعني أن أسعار المطاعم سترتفع أكثر فأكثر، وبالتالي سيكون ارتياد هذه الأماكن مقتصرا على الأغنياء وميسوري الحال، بينما سيمتنع نسبة كبيرة من المواطنين منها.

هذا وكانت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” قد رفعت سعر أسطوانة الغاز الصناعي إلى 75 ألف ليرة، وسعر البنزين “أوكتان 95” إلى 7600 ليرة، وسعر اسطوانة الغاز المنزلي المدعوم إلى 15000 ليرة، في حين تم تحديد سعر أسطوانة الغاز المنزلي بالسعر الحر سواء من داخل البطاقة أم خارجها بـ 50 ألف ليرة.

ارتفاعات سابقة

منذ مطلع شهر رمضان الماضي، وبعد تراجع الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي مؤخرا، ارتفعت أسعار جميع السلع الغذائية بشكل غير مسبوق، فضلا عن ارتفاع أسعار المطاعم والمقاهي بشكل عام وبنسب متفاوتة. علما أن سعر صرف الليرة مقابل الدولار الواحد في تداولات اليوم الأربعاء يساوي نحو 8750 ليرة.

نتيجة لذلك، انتشرت ظاهرة الغش في منتجات الألبان والأجبان وسط غياب الرقابة الحكومية التي عجزت عن ضبط الأسعار وتأمين مستلزمات الإنتاج للتجار والعاملين في قطاع الألبان والأجبان بما يسمح لهم البيع بأسعار تناسب دخل المواطن.

سعر الكيلوغرام الواحد من اللبن المصفى “بقري، كثافة خفيفة” والذي يتم تناوله على المائدة مباشرة يُباع بحوالي 14 إلى 15 ألفا، و”للدعبلة ، كثافة عالية” فوق 25 ألف ليرة. ما يعني أن الأسعار إما سترتفع في الفترة المقبلة أو أن زيادة الغش في المواد الغذائية ولا سيما الألبان والأجبان سترتفع، وهو ما يشكل خطورة على صحة المستهلكين، نظرا لأن البعض يستخدمون مواد مسرطنة للاحتفاظ قدر المستطاع بمنتجاتهم.

مقابل هذه القرارات القاضية برفع الأسعار، فإن الرواتب والأجور ما تزال كما هي، ووسط الضغوط التضخمية هذه، يؤكد المسؤولون الحكوميون أن الرواتب المتدنية يجب أن تصبح في مقدمة القضايا داخل أجندة الحكومة، وذلك من خلال رفض الأساليب التقليدية لفحص الوظائف والتركيز بدلا من ذلك على أشكال الدمج مع الثورة الحالية.

لذا فإن نظام الرواتب والأجور غير كافٍ لدعم الاحتياجات الأساسية ويديم الفقر. عدد العاملين في الدولة يبلغ 1.8 مليون عامل، وتبلغ كتلة الأجور، بعد زيادتي العامين الماضيين، نحو 1.5 تريليون ليرة سورية، بعد رفع الحد الأدنى للأجور من 47 ألف إلى 71.5 ألف ليرة سورية.

عموما، فإن قرارات الحكومة السورية حول رفع سعر الغاز الصناعي والمنزلي والبنزين مؤخرا، أدّى إلى تفاقم أزمة الغلاء الخانقة في البلاد، بالتالي فإنها تساهم في ارتفاع الأسعار وتزيد من معاناة السوريين أكثر مما هو عليه، وسط فشل مؤسساتها في تأمين الخدمات الأساسية اليومية للمواطنين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات