في ظل التدهور المستمر للأوضاع المعيشية في سوريا، إثر التراجع الكبير في سعر الصرف والزيادة الأخيرة في أسعار البنزين والغاز من قبل الحكومة السورية، مما يحمل في طياته أعباء اقتصادية تصل إلى ذروتها في الوقت الحاضر بسبب إضافة الناس أنواعا جديدة من المواد الغذائية إلى قائمة المقنّنات، خاصة تلك التي تُعتبر من أيقونات المأكولات السورية مثل الزعتر.

هذا بالإضافة إلى الاستبعاد الكامل للأسماك من موائد غالبية العائلات مقابل وجود شبه دائم على موائد الأغنياء، أو إن صح القول تسميتهم بالطبقة المخملية. ولا شك أن أسباب هذا العزوف والتقنين يعود لضعف القدرة الشرائية للمواطن مقارنة بهذه الأسعار التي لا تتناسب إطلاقا مع قيمة الرواتب والأجور، وبالتالي يبدو أن السوريين يضيفون تدريجيا عناصر جديدة إلى قائمة التقنين لديهم، ولا يُستبعد أن تُضاف أصناف أخرى في الفترة المقبلة.

تضاعف سعر الزعتر 5 مرات

الكثير من العائلات الحلبية أدرجت الزعتر الحلبي، الذي تشتهر المدينة بصناعته، على قائمة التقنين التي تتقيد بها لتقليل المصاريف بما يتماشى مع مداخيلهم، وسط الارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق للسلعة وللمواد الغذائية الأخرى، وفق ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

أسواق سوريا- “سانا”

محافظة حلب، ومنذ عقود خلت، اعتادت على تصدير الزعتر الحلبي إلى باقي المحافظات السورية وإلى الأسواق الخارجية التي راجت فيها السلعة الغذائية المميزة للشهباء بجودتها ومذاقها اللذيذ، مع توافر عشرات المصانع المختصة بصناعة المادة وانتشار أصناف تجارية رائجة لا يمكن أن تنافسها صناعات مماثلة.

هذا ودأب الحلبيون على استهلاك كميات كبيرة من الزعتر الحلبي في وجبات الفطور والعشاء، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه أبدا، كذلك في لف سندويشة الزعتر المفضلة لطلاب المدارس والرحلات القصيرة، قبل ارتفاع أسعاره في السوق الحلبية وترشيد استهلاكه إلى النصف تقريبا، بحسب شهادات بعض سكان المدينة للصحيفة المحلية.

لم يقتصر تناول الزعتر على محافظة حلب فقط، بل كانت السلعة مرغوبة من قبل جميع المحافظات السورية وبعض الدول المجاورة أيضا، وخاصة لبنان، حيث تُصنع منه أشهر المعجنات، ويتم استهلاكه كثيرا في الفطور عبر تقديمه مع الخبز الطازج وزيت الزيتون، كما اشتُهر بتحضيره كـ “مناقيش” في كل من لبنان وسوريا، ولعل أشهر أنواع الزعتر هو الحلبي نسبة إلى مدينة حلب.

صاحب محل لبيع الزعتر الحلبي في محلة باب جنين بمركز المدينة، حيث تختص العديد من المحال بعرض وبيع المادة لأبناء المدينة وزوارها، أوضح أن مبيعاته من المادة تراجعت بمقدار ٥٠ بالمئة خلال العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام المنصرم، بسبب ضعف إقبال المتسوقين على الشراء، بفعل ارتفاع أسعار أصنافه المختلفة.

أما عن أسباب زيادة أسعار الزعتر الحلبي، فإنه يعود لارتفاع المكونات الداخلة في صناعته من سماق وسمسم ويانسون وشمرة وكزبرة، وفق صاحب محال الزعتر، مشيرا إلى أن السعر الحالي يزيد بمقدار خمسة أضعاف نظيره قبل عام، بعدما ارتفع من 7 آلاف إلى 35 ألف ليرة، كسعر وسطي.

حيث وصل سعر كيلو السمسم إلى 30 ألف ليرة والزعتر الأخضر 25 ألف للكيلو والسّماق وصل إلى 25 ألف للكيلو، والشمرة واليانسون 20 ألف والكزبرة 16 ألف، والكمون بلغ 45 ألف والقضامة 15 ألف والبزر المحمص 30 ألف والحنطة المحمصة 5 آلاف، فضلا عن ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة وأجور العمال وغيرها.

تقنين مادة الزعتر!

في السياق، ذكرت أم عبد الرحمن وهي ربّة منزل، أنه لم يعد باستطاعتها تسوّق ما يلزم عائلتها من الزعتر الحلبي أو تخزين مؤونة كافية منه خلال أشهر دوام المدارس، وذلك على إثر ارتفاع أسعاره بشكل كبير مؤخرا.

في حين قاسمتها الرأي الموظفة الحكومية سهى، التي أوضحت أن سندويشة دبس البندورة، أو ما يسمى “مية إفرنجي” باتت منافسة لسندويشة الزعتر، إذ يبلغ سعر الكيلو من الأولى بين 10 و 12 ألف ليرة، إلا أن “زيادة سعر زيت الزيتون بشكل خيالي، واللازم للعملية، ضيّقت من خياراتنا لإعداد السندويش أو تجهيز موائد الإفطار”.

خلال الآونة الأخيرة، شهد سعر زيت الزيتون المحلي بورصة حقيقية ارتفعت مع كل ارتفاع في سعر الصرف، بحيث تجاوز سعر “التنكة” منه حوالي نصف مليون ليرة سورية، لاسيما وأن ارتفاع سعره لم يعد مرتبطا بسعر الصرف فقط وسط تهريبه على قدم وساق عبر الحدود من قبل شبكة تجار، دون حسيب أو رقيب.

الأهالي في سوريا اعتادوا على تخزين العديد من المواد الغذائية، دعما لمخزونهم الغذائي طوال فصلي الشتاء والربيع، بغية الإسهام في تخفيف النفقات والمصاريف المعيشية اليومية، ذلك لأن هذه الأصناف الغذائية غير متوفرة في فصل الشتاء وفي حال توافرت فستكون غالية الثمن وطعمها غير جيد مثل مواسمها الطبيعية.

بالتزامن مع هذا الغلاء لمادتي الزعتر وزيت الزيتون، يبدو أن نسبة كبيرة من السكان ستمتنع عن شرائهم والاكتفاء بالزيوت النباتية ذات الجودة المنخفضة، سواء في الطبخ أو في صنع “المونة”، وتقنين مادة الزعتر قدر المستطاع، وفي هذا الإطار، فقد امتنع أحد السكان عن إرسال أكياس الزعتر الحلبي كهدية لأقاربه المقيمين في طرطوس ودمشق، “كعادته خلال السنوات السابقة، وكتقليد يتّبعه الكثير من الحلبيين، بعد الارتفاع الجنوني الملحوظ الذي طرأ على أسعار المادة، التي لم نكن نتوقع أن تصبح خارج موائد عدد كبير من عائلات حلب”.

زيت الزيتون في كل بيت سوري- “إنترنت”

حلب تشتهر بصناعة الزعتر، لدرجة أن السياح من مختلف الأماكن وعند خروجهم من أسواق المدينة يصطحبون كميات كبيرة من الزعتر الحلبي، كونه لا يتوفر إلا داخل المدينة، والبعض يأخذه لتقديمه كهدايا للأقارب والأصدقاء، واشتهرت العديد من العائلات الحلبية منذ عشرات السنين بصناعة الزعتر أبرزها عائلة الناصر وكسحة وميسلون.

الأسمال للطبقة الغنية!

في سياق متّصل، صار السوريون يقومون بتقنين الأسماك أيضا، بل أن نسبة كبيرة منهم تمتنع تماما عن شرائها، ولا بد أن ثمة أسباب دفعت باتجاه إقصاء تام لوجبات السمك عن معظم موائد السوريين، وشبه تام لبعض الميسورين نسبيا، مقابل تواجد شبه مستمر لقلة من ذوي الملاءة المالية الكبيرة.

مما لا شك فيه أن ارتفاع أسعارها يتصدر هذه الأسباب والمتضمنة تكاليف النقل من المحافظات الساحلية إلى نظيراتها الداخلية، يضاف إليها بالدرجة الثانية تكاليف التبريد لاسيما في ظل ما تشهده البلاد من تقنين قاسٍ للكهرباء.

تقرير لصحيفة “البعث” المحلية يقول إن أسعار الأسماك في دمشق تتفاوت من يوم لآخر، إذ تلعب الأسباب آنفة الذكر دورا في ذلك وفقا لما أكده أمين حسن، وهو صاحب محال لبيع الأسماك، الذي أوضح أن ارتفاع أسعار الأعلاف المخصصة للأسماك المنتجة من المزارع السمكية يلعب دورا في هذا الشأن.

كما وأجمع عدد من تجار الأسماك في السوق الدمشقي أن أبرز أنواع السمك المتواجدة هنا هي “السمك نهري مشط بني ويبلغ سعر الكيلوغرام منه 20 ألف، والكارب النهري الغابي يتراوح بين 18 – 20 ألف، والبوري النهري 20 ألف، والسردين ما بين الـ25 – 30”.

أما سعر السمك البحري فقد تراوحت أسعاره لأنواع مثل الأجاج والزبيدي والملطية والسلطان إبراهيم واللقز الصغير ما بين الـ 40 – 60 ألف، فيما يبلغ سعر اللقز الكبير حوالى 100 ألف ليرة سورية، وهذه الأسعار تفوق قدرة الأهالي، نظرا لأنه يعادل نحو نصف راتب الموظف الحكومي.

تراجعُ الطلب على لحوم الأسماك ليس بأمر جديد، بل كان منذ شهر رمضان الحالي، ويعود ذلك إلى ضعف القوة الشرائية وقلة السيولة لدى المواطنين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها كغيرها من السلع الغذائية والمنتجات بشكل عام، وبذلك أصبحت خارج حسابات الناس وضمن قائمة المقننات وهذا اعتراف سابق من مسؤولين في حكومة دمشق، وليس مجرد رأي.

إذ صرح نقيب الصيادين في محافظة اللاذقية سمير حيدر، في تصريحات صحفية سابقة، بتراجع الحركة في سوق السمك خلال الفترة الماضية، ناسبا السبب إلى ارتفاع أسعار كافة أنواع الأسماك في ظل تراجع القدرة الشرائية وقلة الرواتب والأجور لدى الناس، وبالتالي باتت الأسماك ذات الجودة العالية من نصيب موائد الأغنياء والطبقة المخملية، والأسماك الشعبية “سمك الفقراء” وعلى وجه الخصوص السردين، والسكنبري، والبلميدا من نصيب المواطنين الميسوري الحال.

على إثر هذا الغلاء الجامح ووسط زيادة أسعار الغاز والبنزين مؤخرا من قبل الحكومة، فقد خرجت العديد من المواد الغذائية عن موائد السوريين في الداخل، بالإضافة إلى تقنين أصناف جديدة لقائمة تقليل الاستهلاك، بعد أن صارت اللحوم الحمراء والفروج وحتى أشهر المأكولات السورية، مثل “الشاورما” على قائمة المقننات، أو استبدال هذه المواد بمواد بديلة، مثل البقوليات والزيوت النباتية بدلا من الدهون، والمنتج الجديد “كفتة بديل اللحمة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات