مع الارتفاع غير المسبوق في أسعار اللحوم بأنواعها في سوريا، صارت العديد من العائلات السورية تبحث عن بدائل لها، لتحل محل وجباتها الغذائية، بسبب عدم قدرتها على شراء لحوم الدجاج والأغنام والأبقار نتيجة لارتفاع أسعارها وعدم تناسبها مع ظروفهم الاقتصادية. ولجأ السوريون إلى شراء الأسماك كبديل في الصيف الماضي، خاصة وأن أسعار الأسماك خلال تلك الفترة كانت منخفضة مقارنة بغيرها، حيث بلغ سعر كيلو أسماك “البلميدا” نحو 3000 ليرة سورية، قرابة نصف دولار.

لكن رغم الركود النسبي السائد في الأسواق، خاصة أنواع اللحوم بالتزامن مع بداية شهر رمضان، سجلت الأسواق السورية أرقاما مهولة في الأسعار، وانضمت لحوم الأسماك إلى قائمة الغلاء هذه، حيث إن أقل نوع يُقدّر الكيلو الواحد منه بـ 40 ألف ليرة سورية، أي حوالي 6 دولارات، وأغلى جودة تقدر ما بين 150-200 ألف ليرة.

“أسعار كاوية” للأسماك

تراجعُ الطلب على لحوم الأسماك خلال شهر رمضان الحالي، يعود إلى ضعف القوة الشرائية وقلة السيولة لدى المواطنين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها كغيرها من السلع الغذائية والمنتجات بشكل عام، وبذلك أصبحت خارج حسابات الناس وهذا اعتراف من مسؤولين في حكومة دمشق، وليس مجرد رأي.

نقيب الصيادين في محافظة اللاذقية سمير حيدر، أكد لموقع “الوطن” المحلي يوم الأحد الماضي، تراجع الحركة في سوق السمك خلال شهر رمضان، ناسبا السبب إلى ارتفاع أسعار كافة أنواع الأسماك في ظل تراجع القدرة الشرائية وقلة الرواتب والأجور لدى الناس.

حيدر بيّن أن حركة سوق السمك في المحافظة ضعيفة جدا خلال الفترة الحالية وسط صعوبة الظروف المعيشية، قائلا “ما حدا معه مصاري يشتري سمك وأقل كيلو سعره 40 ألف ليرة!”، مضيفا أن سعر كيلو السمك الشعبي يصل إلى 40 ألف ليرة بعد أن كان يُباع بنحو 500 ليرة قبل سنوات من الآن، في حين أن الأسماك ذات النوعية الثقيلة تباع بين 150 – 200 ألف ليرة، ومنها القجاج واللقز وبعض أنواع القريدس، على حين أن العصيفري والغريبة، فيصل سعر الكيلو إلى 40 ألف وما فوق حسب جودة الحبة منها.

هذه الأرقام المذكورة لا تتناسب إطلاقا مع مستوى رواتب ومداخيل المواطنين، فمثلا راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 170 ألفا، بينما في القطاع الخاص تتراوح الرواتب بين 200-350 ألفا، وبالتالي المواطن هنا أمام أمرين، إمّا أن يمتنع عن شراء اللحوم نهائيا، أو أن يجازف ويشتري كيلوغراما أو اثنين حسب أفراد الأسرة، وقد يحرمه ذلك من باقي مستلزمات المعيشة اليومية، أو قد يصبح مديونا.

الحقيقة أن هذا الواقع وانخفاض مستوى الأجور معادلة صعبة، ولا يمكن حلّها بأبسط الأدوات. على سبيل المثال، بعض المواد الغذائية لا يمكن استبدالها على حساب البعض الآخر، وذلك لارتفاع الأسعار بشكل عام.

بالتالي المواطن السوري، إذا كان يكتفي بشراء الحاجات الضرورية فقط، فإن راتبه لم يكن يكفيه لأكثر من أسبوع واحد، فما بالبال إذا اشترى باقي الحاجات، ولا سيما اللحوم وغيرها من السلع التي باتوا يصفونها بـ”الرفاهيات والمكملات”، حسب الخبراء.

نتيجة لذلك، خرجت العديد من المواد الغذائية عن موائد السوريين في الداخل، بالإضافة إلى أنهم يعملون الآن في وظيفتين، حتى يتمكنوا من الاستمرار بحياتهم اليومية، بجانب المساعدات العائلية من التحويلات المالية الخارجية للمغتربين.

أسباب ارتفاع أسعار الأسماك

في المقابل، يعتبر حيدر أن الأسماك مثل باقي المواد الغذائية كالبصل مثلا الذي زاد سعره أضعافا مضاعفة، وكذلك الأسماك فقد زادت نحو ثلاثة أضعاف خلال الأعوام الأخيرة فقط، وكل ذلك يعود لارتفاع تكاليف الصيد بدءا من المحروقات إلى العِدّة من شباك وسنانير وغيرها من المعدات اللازمة للصيادين بشكل عام.

حيث إنه في حال توفر المازوت للمراكب الدولية أسوة بالمراكب الإقليمية فإنه سيتم تغذية السوق بكميات مضاعفة من الأسماك وبالتالي يتراجع السعر في حال زيادة الطلب عليها وتحسن القدرة الشرائية، وفق حيدر، مبينا أن المراكب الدولية لا تحصل على المازوت المدعوم إنما تضطر لشراء المادة من السوق السوداء بالسعر الحر ما يزيد الأعباء على الصيادين.

 علما أن المراكب الدولية قادرة على تغطية حاجة السوق من السمك بأطنان عدة على عكس المراكب الإقليمية التي تصيد كميات قليلة قرب الشواطئ وقد أصبحت المنطقة الشاطئية بحالة شبه تصحر لقلة الأسماك فيها، لتصبح الحاجة للمراكب الدولية بشكل أكبر وتكون الكميات السمكية بالسوق كافية.

أما حول سبب عدم تخصيص المراكب الدولية بالمازوت المدعوم، برر المسؤول الحكومي أنه يتم التعامل مع هذه المراكب على أنها تعمل بطريقة تجارية أو صناعية، في حين أنها مهنة صيد ويتم بيع الكميات في السوق المحلية كما باقي المراكب من دون أن تكون هناك حالات تجارية، ولهذا يطالبون بتخصيصهم بكميات من المازوت المدعوم وعددهم نحو 25 مركبا دوليا مقابل 2 ألف مركب إقليمي.

هذا ويشتكي الصيادون من ارتفاع تكاليف الصيد، فضلا عن عدم حصولهم على مخصصات كافية من المحروقات المدعومة حكوميا، يضاف إلى ذلك ضعف الإقبال على شراء الأسماك بسبب ارتفاع الأسعار، حيث أصبح السمك خارج القائمة الغذائية لمعظم العائلات السورية.

بحسب بعض الخبراء من الصيادين في الأسواق السورية للسمك، فإنه خلال فصل الصيف، تنخفض أسعار السمك نتيجة تكاثر الأنواع المحلية من الأسماك المستوطنة في المياه السورية وبالتالي يتم اصطياد كميات كبيرة خلال تلك الفترة.

إضافة إلى ذلك، فإن غياب الكهرباء يؤثر على الأسعار لعدم قدرة الصياد على الاحتفاظ بالأسماك وارتفاع سعر قوالب الثلج، بينما في فصل الشتاء يكون الاحتفاظ بالأسماك لأيام عديدة ممكنا وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في هذه الفترات، بجانب شهر رمضان، حيث يكون هناك إقبالا عليها، وهذا ما يعزز من غلائها.

وفق تقديرات “الهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية السورية”، بلغ إجمالي إنتاج المسطحات المائية من الأسماك على مستوى القطر إلى 2522 طن خلال عام 2022. وفي عام 2021 بلغ 36.4 طنا من سمك الكارب والمشط. بينما وصل إجمالي إنتاج سوريا إلى 10 آلاف و414 طنا، منها 2003 أطنان بحري و 8411 طن أسماك مياه عذبة بنهاية العام الماضي، وفق تقارير محلية سابقة.

الحكومة عاجزة عن الحلول؟

الحكومة من جانبها لا تحرك ساكنا إزاء هذه الحلول التي تعتبر معقولة، إلا إذا كان توفير الوقود لمثل هذه مراكب بات أمرا تعجز عليه الحكومة السورية، وهذا ما يدلل بمدى مأساوية الوضع الاقتصادي في البلاد.

من جهة ثانية، طالبَ نقيب الصيادين بإحداث ساحات سمك في الموانئ وخاصة ميناء “اليوغسلافية” باللاذقية، مبينا الحاجة الملحة لأن تكون الساحات السمكية قريبة من البحر ليصل السمك طازجا ويباع فوريا من دون أي أضرار جراء عمليات النقل إلى الأسواق، كما حدث في السابق كثيرا.

كما أن العديد من ساحات الأسماك في الساحل السوري ومنها منطقة الرمل الجنوبي باللاذقية لا تفي بالغرض وتحتاج لتأهيل فضلا عن أن أي ساحة ضمن المدينة مثل ساحة السمك بمدينة جبلة قد تحدث تلوثا بيئيا جراء الروائح التي تنتج عنها.

نقيب الصيادين يرى أن إحداث ساحات سمك بالميناء أسوة بجميع دول العالم، وتوجيه جهات رقابية عليها يسهمان بتنظيم العمل بشكل كبير ويلبّيان حاجة المواطن من السمك الطازج مباشرة من دون أي إشكاليات على الإطلاق. وهذا كله ضمن مسؤوليات الجهات الحكومية ويجب أن تقف أمام واجباتها تجاه كل ذلك.

في العموم، بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا يوما بعد يوم، بجانب عجز مؤسسات الحكومة في دمشق عن دعم وحلحلة هذه الأزمات ككل، الأمر الذي دفع بالعوائل السورية إلى تقنين استهلاكها للعديد من السلع الغذائية، ذلك لأن الحصول على كامل الاحتياجات والمستلزمات الغذائية يحتاج إلى أكثر من مليونين ليرة سورية شهريا لأسرة مكونة من أربعة أفراد فقط، بينما راتب الموظف لا يتجاوز الـ 170 ألف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات