تدهور مستمر للوضع المعيشي في سوريا، حيث يبلغ التضخم أعلى مستوياته ويزداد بشكل تدريجي ومتصاعد عاما تلو الآخر، ليحمل معه أعباء اقتصادية تصل إلى ذروتها في شهر رمضان على وجه الخصوص، نظرا لأن الناس يشترون الحاجات التي كانوا يغضون الطرف عنها في الأيام العادية، لتبدأ لعبة التجار واستغلالهم للأمر، ثم تصعد بورصة الأسعار إلى أرقام تفوق القوة الشرائية لنسبة كبيرة من السوريين بالداخل.

على إثر غلاء كل شيء في الأسواق السورية خلال الأسابيع الماضية، امتنعت نسبة كبيرة من الناس عن شراء أشهر المأكولات السورية؛ “الشاورما”، وكأنها أصبحت اليوم وجبة ترفيهية. ومن جانبهم اشتكى أصحاب محلات “الشاورما” في دمشق من الإقبال الضعيف للزبائن على محالهم خلال شهر رمضان الحالي، نتيجة لارتفاع الأسعار.

تراجع للضعف

في السياق، يقول بعض الأهالي في سوريا إنه نتيجة لارتفاع الأسعار يحتار الصائم في نوع الفطور الذي يجب أن يأكله. فمنهم بسبب مشقة الوضع يفطر على “طبخة” من مونة المنزل، وآخرون يأكلون خارج المنزل في مطعم أو في محل لـ “الشاورما”، ولكن هذا نادر جدا، ذلك لأن أسعار “الشاورما” باتت خارج حسابات المواطنين.

موقع “أثر برس” المحلي، نقل عن أحد أصحاب محال “الشاورما” بالعاصمة السورية دمشق، قوله ” حركة الإقبال في الأيام الأولى من شهر رمضان كانت جيدة نوعا ما، أما اليوم وبعد مضي عشرة أيام تضاءل الإقبال وخفت الطلبات”، مضيفا “سيخ الشاورما الذي كنا نطلبه كان يزن 120 كيلوغراما قبل دخول الشهر، اليوم وزن السيخ 50 كيلوغراما وبالكاد ينتهي أحيانا نبقى لساعات السحور حتى ينتهي”.

صاحب محال “الشاورما” يرى أن انخفاض أعداد الزبائن سببه الغلاء فسعر سندويشة الشاورما 8500 ليرة سورية، وهذا يرهق ميزانية أسرة تتألف من 4 أشخاص، حتى الشراء بات مقتصرا على فئة محدودة من الناس.

في حين برّر آخر الإقبال الضعيف إلى كون شهر رمضان له خصوصية في طبيعة الإفطار وتحضير الولائم فلم تعد سندويشة “الشاورما” كافية كوجبة رئيسة بعد صيام 14 ساعة؛ ولا يمكن التأكيد أن ذلك بسبب ارتفاع ثمنها أو لأنها لا تعد وجبة كاملة العناصر وحدها.

قد يهمك: المطاعم السورية تئن.. رواتب الموظفين تجبرهم على تجاهل وجبات الإفطار الجاهزة؟ – الحل نت 

مدير “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في دمشق تمام العقدة، يقول إن الوضع الحالي وخلال شهر رمضان تخف حركة الشراء نظرا لخصوصية الشهر، أما فيما يخص مادة “الشاورما” فإن طبيعة الشهر تؤدي دورا بالنسبة لاستهلاك أي مادة، وفعلا لا يوجد إقبال عليها؛ ذلك لأن المائدة الرمضانية معروفة للمواطن فقد بات يختار أصنافا معينة لتحضيرها وبكميات كبيرة تسمح له بتناولها في اليوم التالي، وفق زعمه للموقع المحلي. وحول ارتفاع الأسعار في فترة العيد أضاف “حسب الطلب إذا زاد الطلب على المادة يرتفع سعرها والعكس صحيح”.

نسبة كبيرة من الخبراء الاقتصاديين يُرجعون هذا العزوف إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، مقارنة بهذه الأسعار، ذلك لأنه في السنوات الماضية لم يكن ثمة إقبال ضعيف كهذه السنة. وتأكيدا على غلاء الأسعار وعدم قدرة المواطن لتحمل المزيد من الأعباء المعيشية، توجيه المواطنين لشراء مواد غذائية زهيدة الثمن من دون معرفة مصدرها أو حتى صلاحياتها، بجانب استبعاد الكثيرين للحوم من قائمة مشترياتهم بسبب ارتفاع سعرها، والبحث عن بدائل تُغنيهم عن شراء اللحوم، مثل منتج “كفتة بديل اللحمة” الذي اكتسح أسواق دمشق، وخلط السمنة بالزيوت، وشراء العظام كبديل للحوم.

أسعار تقارب رواتب الموظفين!

نحو ذلك، يشتكي المواطنون من الارتفاعات الكبيرة للأسعار خلال شهر رمضان، مؤكدين أن الأسعار في السوق تختلف كليا عن الموضوعة في نشرات التموين التي تُعتبر ووجودها بحسب البعض كعدمه.

في حين تتجدد باستمرار مبررات العديد من المحال برفعهم الأسعار نظرا للأعباء الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار حوامل الطاقة من بنزين ومازوت وغاز، وعدم انتظام حصولهم على المادة، ولجوئهم إلى السوق السوداء للحصول عليها بأسعار مرتفعة، وبالتالي تكبدهم تكاليف إضافية جدا، فضلا عن ارتفاع أسعار الأعلاف التي تُعد الأعلى مقارنة بدول الجوار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الدواجن.

المراقبون يرون أن ارتفاع أسعار الوجبات السريعة عموما و”الشاورما” على وجه الخصوص يعود لسوء الخدمات العامة والتي لا تستطيع الحكومة تأمينها للمطاعم والمحال التجارية. فعلى سبيل المثال، زيادة ساعات تقنين الكهرباء وارتفاع أسعار حوامل الطاقة والمحروقات والغاز والمواد الأولية من الفروج وزيوت القلي كلها أعباء إضافية يتحملها صاحب المطعم، وبالتالي هذا سينعكس سلبا على أسعار الوجبات السريعة كـ “الشاورما” و سندويش الفلافل والبطاطا وغيرهم.

كذلك، هذا الارتفاع منطقي وواقعي، فمثلا سعر سندويشة “الشاورما” تعادل قرابة دولار واحد وبعض السنتات، وهذا يُعتبر تسعيرة عادية جدا في عموم دول العالم، وبالتالي فإن مسألة عزوف الناس عن الشراء ليست مرتبطة بالأسعار وإنما بضعف الرواتب وقلة المداخل والأجور، فراتب الموظف لا يتعدى الـ 20 دولارا شهريا، وهذا أمرٌ غير منطقي في الواقع، مقارنة بمستوى المعيشة في البلاد، وفق بعض المحللين الاقتصاديين.

أما حول أشهر الأكلات السورية التي تُعتبر الأقرب إلى شهية السوريين، أي “الشاورما”، فإن السندويشة باتت بـ 8 آلاف ليرة والكيلو بـ 85 إلى 90 ألفا والوجبة بـ 17 ألفا، فيما يتراوح راتب الموظف الحكومي ما بين 160-200 ألف ليرة سورية، بمعنى أن المواطن إذا ما اشترى أربعة وجبات لعائلته فإنها ستكلّفه أكثر من ربع راتبه.

الفقر يأخذ مجراه

المسؤولون الحكوميون دائما ما يحمّلون ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير وغير المنطقي إلى أنه أمر عام ويحدث في كل بلدان العالم، وأنه يرجع إلى تدهور سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، متناسين عدم قيام الحكومة بواجباتها تجاه المواطنين أو الاعتراف بعجزها في رفع الرواتب بما يتناسب مع مستوى المعيشة في البلاد.

بحسب العديد من التقارير الدولية والحقوقية، بات معدل الفقر في أسوأ مستوياته بسوريا، ولا يستطيع الناس تأمين احتياجاتهم اليومية من المواد الغذائية والسلع الأساسية، خاصة في ظل الارتفاع الحاد وغير المسبوق في الأسعار. فالانكماش الاقتصادي الحاد والذي لا يتحسن وهو ما تعترف به الحكومة السورية أيضا، وانخفاض قيمة الليرة السورية، بالتزامن مع ضعف الرواتب أدى إلى إفقار السكان وزيادة أعبائهم المعيشية، إذ بات نحو 90 بالمئة منهم يعيش تحت خط الفقر، وسط ارتفاع قياسي في الأسعار تعدى 800 بالمئة خلال العامين الماضيين فقط.

المراقبون يقولون إن تدهور الوضع الاقتصادي لا يقتصر على محافظة أو منطقة محددة، بل يشمل معظم المحافظات السورية، ولكن مناطق الحكومة السورية هي الأكثر، نظرا لقلة الرواتب والأجور، بينما في المناطق الأخرى وتحديدا في مناطق “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، تعتبر الأفضل، فقيمة أدنى راتب يصل لقرابة 600 ألف ليرة سورية، أي نحو 90 دولارا وهذا يعتبر جيدا مقارنة برواتب حكومة دمشق.

بالتالي، ونظرا لارتفاع مستوى الفقر مقارنة بالغلاء الفاحش، فإن فئة الذين يرتادون المطاعم والمولات اليوم هم من الطبقة الغنية ومتوسطي الدخل القريبة من الغنية بقليل، الذين يعملون بأجور جيدة مقارنة بالرواتب الحكومية الهزيلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات