في عالم يغلّفه ظلام المستقبل تتسلل رعشات الرعب إلى أعماق كل فرد ينحني تحت وطأة الكابوس الاقتصادي، حيث أطلق التضخم عنان غضبه لكارثة لا مثيل لها، بعد أن اجتاحت سوريا عاصفة من الاضطرابات الاقتصادية. فوفقًا لـ”المكتب المركزي للإحصاء”، ارتفع معدل التضخم بنسبة تقشعر لها الأبدان وصلت إلى 3825 بالمئة بين عامي 2011 و2021، تاركا وراءه سلسلة من القلق واليأس بين المواطنين. 

هذه الزيادة التي لا يمكن تصورها تشير إلى أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير 40 مرة، مما ترك الناس العاديين يصارعون قبضة الضغوط المالية الخانقة.

وللتعمّق أكثر في هاوية الفوضى المالية، أصدرت وزارة المالية إعلانا ينذر بالخطر، مؤكدة أن التضخم قد خرج عن نطاق السيطرة، حيث ارتفع بنسبة 100 بالمئة في العام الماضي وحده، وهذا يعني أن الأسعار تضاعفت 161 مرة منذ عام 2011.

التداعيات على الحياة اليومية

مع استمرار حجم الكارثة الاقتصادية في الانهيار، لا يسع المرء في سوريا إلا أن يلهث مرتعبا من الآثار التي تحملها، إذ يتضح جليا أن الحد الأدنى للأجور، الذي كان شريان الحياة الهزيل للعمال، قد  تقلص إلى بقايا يرثى لها بسبب انخفاض سعر صرف الليرة، ففي عام 2011 بلغ الحد الأدنى للأجور 9000 فقط، أما اليوم فما يحتاجه الموظف هو 1.5 مليون.

ضعف القوة الشرائية في سوريا بسبب ارتفاع الأسعار - إنترنت
ضعف القوة الشرائية في سوريا بسبب ارتفاع الأسعار – إنترنت

بحسب حديث الخبير الاقتصادي، عامر شهدا، لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية أمس الاثنين، فإنه لا يتوقع تجاوز نسبة رفع الرواتب أكثر من 40 بالمئة، كما أنه لا جدوى من زيادة الرواتب دون سياسة نقدية قادرة أن تمتص هذه الأموال، وتثبت معدل التضخم، كيلا تتبخر مع الارتفاع بالأسعار.

هذه التصريحات المروعة عن الخراب الاقتصادي تقف بمثابة شهادة مؤلمة عن مستقبل المعدومين وذوي الدخل المحدود، حيث باتت الأسواق في المحافظات السورية يضربها حالة من الركود، وارتفاعا كبيرا بأسعار كافة السلع، إذ سجل سعر كيلو الرز القصير 9 آلاف ليرة، وسعر ليتر الزيت النباتي 19 ألف ليرة، وصحن البيض بسعر 30 ألف ليرة، وعلبة المتة زنة نصف كيلو تباع ما بين 19 إلى 20 ألف ليرة، ووصل كيلو غرام السكر إلى 9 آلاف.

أسعار الخضر والفواكه لم تكن بمنأى عن الغلاء، فقد سجل كيلو البندورة سعر 2500 ليرة ومثله الخيار، ووصل كيلو الملوخية الخضراء بحسب موقع “غلوبال نيوز” المحلي، إلى 13 ألف ليرة، والبامية 14 ألف ليرة، وكيلو التفاح النوع الجيد ما بين 6 إلى 7 آلاف ليرة.

أيضا في ظل زيادة الأسعار الفلكية، سجلت منتجات الألبان والأجبان أرقاما تثير الدهشة والرعب. فقد وصل سعر عبوة اللبن وزن 800 غرام إلى 4500 ليرة، بينما وصل سعر الجبنة إلى 38 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، وسجلت القريشة 18 ألف ليرة، أما اللبنة فوصل سعرها إلى 20 ألف ليرة للكيلوغرام.

تسعيرة جديدة للمأكولات الشعبية

مع استمرار ارتفاع الأسعار، فإن المأكولات الشعبية لم تعد متاحة بسهولة للطبقات الأكثر فقرا. فبحسب رئيس جمعية المطاعم، كمال النابلسي، فإن الجمعية أصدرت قرارا بتحديد الأسعار الجديدة للمطاعم الشعبية والمعجنات والمقاهي في دمشق.

ضعف القوة الشرائية في سوريا بسبب ارتفاع الأسعار - إنترنت
ضعف القوة الشرائية في سوريا بسبب ارتفاع الأسعار – إنترنت

النابلسي في حديثه للموقع المحلي، أفاد أنه تم بموجب القرار تحديد سعر كيلو المسبحة بقيمة 15 ألف ليرة، وقرص الفلافل بقيمة 175 ليرة. أما سندويشة الفلافل، فتتراوح أسعارها بين 2800 و4000 ليرة، بينما يبلغ سعر سندويشة البطاطا 4 آلاف ليرة. 

تم أيضًا تحديد سعر الفطائر بقيمة 800 ليرة لكل من قرص الجبنة والزعتر والمحمرة والسبانخ، و1500 ليرة لكل من جبنة القشقوان والمحمرة بالقشقوان والمرتديلا والبيتزا. كما أوضح النابلسي أن هذا القرار يحدد أيضا سعر كاسة الشاي وفنجان القهوة بقيمة 3 آلاف ليرة لكل منهما، وسعر الأركيلة بقيمة 7000 ليرة.

الجدير بالذكر أن العديد من أصحاب المطاعم الشعبية في دمشق قد رفعوا أسعارهم قبل صدور التعرفة الرسمية، وذلك بعد صدور قرار زيادة أسعار الغاز، حيث  أعلنت وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، في بداية حزيران/يونيو الجاري، رفع سعر أسطوانة الغاز الصناعي إلى 75 ألف ليرة سورية، وسعر البنزين “أوكتان 95” إلى 7600 ليرة، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم إلى 15000 ليرة.

أكذوبة “الأسعار تخضع للعرض والطلب“

رئيس دائرة “حماية المستهلك” في مديرية التجارة الداخلية بمحافظة اللاذقية رائد عجيب، أشار في تصريحات صحفية إلى تراجع ثقافة الشكوى واختفت على وسائل التواصل مع الإدارة بسبب قرارات الحكومة، ودعمها للتجار بدلا من توفير أرضية مشتركة بين المواطن والدولة.

ضعف القوة الشرائية في سوريا بسبب ارتفاع الأسعار - إنترنت
ضعف القوة الشرائية في سوريا بسبب ارتفاع الأسعار – إنترنت

رغم تكرارها، فإن معزوفة “ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية سببها تذبذب سعر الصرف” لا تزال تتردد على ألسنة التجار وأصحاب البقالات والبسطات المنتشرة في الأرصفة. ويبدو أن هذه الذريعة، التي وكأنها تلقي اللوم على تذبذب سعر الصرف، ولا علاقة للتجار بها.

إلى جانب ذلك، يبدو أن التجار لا يتعبون من تكرار مقولة أن الأسعار “تخضع للعرض والطلب”، معتبرين أن المنافسة والتنافس في السوق يجب أن تحكم سير السلع وتحدد الأسعار الحقيقية والمنصفة التي تضمن لهم ربحا معقولا.

السؤال الذي تتجنب الجهات الحكومية الإجابة عليه بشفافية طيلة الفترة السابقة، هل هناك فعليا منافسة حقيقية في الأسواق تمكّن من تطبيق مبدأ “العرض والطلب”، أم أن المواطن يواجه كذبة يروّجها التجار ولا تنفيها وزارات الاقتصاد والتجارة الداخلية والصناعة.

فوضوية تذبذب سعر الصرف، إلى جانب زيادة تكاليف الشحن والتكاليف غير المتوقعة والضرائب والرسوم وارتفاع نسب التضخم، تحولت كل هذه العوامل إلى أدوات يستخدمها التجار لرفع الأسعار. ويتبنى بعض التجار سياسة التحكم في تدفق المواد الغذائية الأساسية وتحديد الأسعار بشكل محصور بهم لتحقيق أرباح كبيرة، وبالتالي يصبح الوصول إلى هذه المواد بأسعار مرتفعة حكرا على الأثرياء فقط. وهذا يؤكد أن نظرية “الأسعار تخضع للعرض والطلب” ليست سوى كذبة يحاولون إقناع الناس بها.

لا شك أن زيادة أسعار السلع في سوريا أصبحت تشكل تحديا كبيرا لفئات الفقراء ومحدودي الدخل، فقد أدى رفع سعر الغاز الصناعي إلى ارتفاع التكاليف المرتبطة بإعداد وتحضير ونقل الأطعمة. ونتيجة لذلك، تحولت بعض أصناف الطعام الغالية في سوريا، خارج نطاق قدرة الفقراء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات