مع التدهور الأخير في قيمة الليرة السورية، حيث وصلت لنحو 13700 ليرة مقابل الدولار الواحد في أسواق الصرف المتداولة اليوم على منصات العملات، ارتفعت بموجب ذلك الأسعار من كل حدب وصوب، ما يزيد الأعباء المعيشية التي يبدو أنها وصلت إلى ذروتها في الوقت الحالي، حيث إن لجوء العائلات السورية إلى طرق جديدة للاحتيال والتعايش مع موجة الغلاء هذه، دليل على مدى تدهور الأحوال المعيشية.

مع تتالي الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وارتفاع الأسعار يوما بعد يوم، يبدو أن العائلات السورية ستمتنع رويدا رويدا عن الشراء، حيث قرر معظمهم تقليص احتياجاتهم إلى النصف أو الربع في ظل ارتفاع أسعار السلع التي تجاوزت قدرتهم على الشراء.

الأسعار مرتفعة والشراء “معدوم”

على إثر ارتفاع الأسعار بشكل كبير مؤخرا، باتت حركة الأسواق السورية شبه معدومة، ويرتادها من يرغب في شراء حاجاته الضرورية كالسلع الغذائية الضرورية والدواء وبعض المستلزمات الأخرى. حيث تقول إحدى المواطنات وهي ربة منزل، إنها اختصرت قائمة الشراء إلى الربع.

السيدة نفسها أردفت لصحيفة “تشرين” المحلية قبل يومين، أنه بعد أن كانت تشتري من كل صنف عبوتين اختصرتها إلى واحدة، وأحيانا تحجم عن شرائها في حال توافرت في المنزل، وتوضح “في كل شهر نشتري كيسين محارم، هذا الشهر اشتريت واحدا فقط فسعره تجاوز الـ١٦ ألف ليرة، والمتة والزيت كذلك الأمر لجهة ارتفاع أسعارها”.

كذلك، توافق سيدة أخرى الحال ذاته، حيث تفكر كيف ستشتري لأولادها ملابس المدارس التي بات موعد افتتاحها قاب قوسين أو أدنى، وفي نهاية المطاف قررت إعادة تدويرها لتناسب أحدهم وتشتري لواحد فقط. وهذا الحال يبدو أنه يشمل نسبة واسعة من السوريين في الداخل بعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني. وكذلك شراء الملابس في أوقات التصفيات بدلا من الاقتصار على شراء موديلات السنة نفسها.

راتب الموظف الحكومي في سوريا يبلغ اليوم نحو 11 دولارا، أي نحو 150 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يكفي المواطن لمدة يومين، بالنظر إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق. وتُعتبر الرواتب والأجور في سوريا بالعموم، وفي القطاع الحكومي خاصة، منخفضة جدا مقارنة بباقي الدول، لا سيما مع تراجع قيمة الليرة السورية.

حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير جدا، وما يُثير الدهشة هو أن تسعيرة المواد في تبدّل لحظي ومستمر نحو الصعود طبعا، في ظل غياب أي محاولات وتدخل الجهات المعنية لإطفاء نيران الغلاء المستعرة، وفق العديد من التقارير المحلية مؤخرا.

التقنين قدر المستطاع

في سياق تخفيض الأُسر السورية شراء السلع، أوضح الخبير الاقتصادي فاخر القربي للصحيفة المحلية، أنه في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية ما يجعل الفرد مرتبكا لجهة تأمين احتياجاته طوال الشهر ولاسيما أمام هذه الموجة التضخّمية التي تترافق مع ارتفاع العديد من السلع وعلى رأسها المواد الأساسية التي تعتمد عليها الأسرة، كالمنتجات الغذائية والاستهلاكية الضرورية للمواطن، والطاقة وغيرها.

كما أن ثمة عجز لدى أغلب الأُسر السورية عن كيفية إدارة ميزانية الأسرة لتحقيق التوازن بين الدخل وارتفاع الأسعار، والبدائل التي يمكن أن يستعينوا بها كالاستغناء عن بعض السلع الباهظة التكاليف بطرق منزلية سهلة وموفرة.

فمع غلاء الأسعار في الوقت الحالي يكون الحل المتوازن هو ترشيد الاستخدام والاستهلاك المنزلي؛ حيث يبدأ الترشيد من تنظيم عملية الشراء، على أن يتم التخطيط للوجبات اليومية أو الأسبوعية على حسب عدد أفراد الأسرة، ويتم الشراء وفق العدد، وتغير الأنظمة الغذائية واختيار الوجبات ذات القيمة الغذائية العالية وليس غالية الثمن، طبقا للخبير الاقتصادي.

فضلا عن التقليل من اللحوم الحمراء والابتعاد عن الأطعمة المصنّعة والمحفوظة والحلويات الجاهزة فهي باهظة الثمن، والتركيز على شراء الضروريات فقط وحذف الكماليات، وهذا، حسب القربي، يتطلب تقسيم المصاريف والقيام بتنظيم ميزانية شهرية مكتوبة و مقسمة لبنود عدة، تحدد من خلالها قائمة المشتريات وكل الاحتياجات وفقا للدخل الشهري الذي تتقاضاه الأسرة، والامتناع عن الوجبات السريعة وصناعتها في المنزل بتكاليف أقل.

إلى جانب تقسيمها لوجبات لحين الحاجة إليها، وكذلك تقليل شراء المنتجات التي تشهد ارتفاعا في سعرها، مثل الفواكه الصيفية، ونوّه القربي بالعودة إلى الصناعات المنزلية مثل تصنيع الصلصة والعصائر والمربى والحلاوة الطحينية، وكذلك الألبان والأجبان لتخفيف تكاليفها قدر المستطاع، والاكتفاء بتناول الوجبات عالية القيمة الغذائية ذات تكاليف قليلة، كالفول والأرز والعدس وغيرها.

تقنين السلع الغذائية في سوريا- “إنترنت”

بعد ارتفاع أسعار الفواكه وخاصة الصيفية، فإنها انضمت منذ سنوات عديدة وليس فقط الآن لقائمة الكماليات والرفاهيات لدى نسبة واسعة من المواطنين السوريين، إثر ارتفاع أسعارها الغالية مقارنة بمداخيل وأجور الأهالي، حيث صار شراء ولو كيلو غراما واحدا من أي نوع من أنواع الفواكه يحتاج إلى خطة وتوفير ومغامرة، لذا استغنى عنها الكثيرون وغادرت موائدهم تماما.

عجز بميزانية الأسر السورية

مع موجة الغلاء هذه وتراجع قيمة الليرة السورية مؤخرا، وقل عجز الميزانية للأُسر السورية لنسبة 3000 بالمئة، وهو رقم حقيقي وليس خطأ مطبعي. فانعدام الاستقرار الاقتصادي والنقدي، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور سعر صرف العملة المحلية، كل هذا أدى إلى تفاقم الأزمة المالية التي يواجهها الشعب السوري.

في زمن الاستقرار، كانت ميزانية الأُسرة تتمتع بالتوازن، حيث كانت النفقات محسوبة ومخطط لها بعناية. لكن مع أزمة قرارات الحكومة السورية منذ بداية عام 2020، أدت إلى تفاقم هذه المشكلة الاقتصادية. وأدت تلك القرارات إلى انخفاض قوة الشراء لدى المواطنين السوريين بشكل مدمّر. فما كان يمكن شراؤه بقيمة صغيرة من الأموال قبل عقد من الزمن، اليوم يتطلب مبالغ باهظة تفوق تصوّر الكثيرين.

ما يزال المواطن السوري يثير الدهشة في قدرته على مواءمة دخله مع متطلبات الحياة في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها. حيث تظل معادلة ميزانية الأسرة السورية العصيّة على الحل تتصدر المشهد الاقتصادي وسط تحديات جديدة ومعطيات معقّدة.

حاليا يصل متوسط احتياجات الأسرة السورية لضمان استمرارية الحياة وتحقيق الحد الكفافي إلى حوالي مليون و200 ألف ليرة سورية شهريا، مع تضمين وجبتي فلافل بمعدل سندويشة لكل فرد في الأسرة.

الفارق الهائل بين هذا المستوى وأعلى دخلٍ ممكن تحقيقه، والذي يُعد سقفا للفئة الأولى، يصل إلى نحو 700 بالمئة شهريا. ومع ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النسبة تمثّل مجرد فرضية للبقاء على قيد الحياة من خلال تأمين الاحتياجات الغذائية والمياه.

من جانب آخر، عزف الناس عن شراء العديد من السلع والأصناف الغذائية، فضلا عن إضافة العديد منها إلى قائمة المقنّنات، مثل اللحوم والحلويات والفواكه وحتى الوجبات السريعة، مثل “الكريسبي والشاورما” وغيرها.

لا شك أن أسباب هذا العزوف والتقنين يعود لضعف القدرة الشرائية للمواطن مقارنة بهذه الأسعار التي لا تتناسب إطلاقا مع قيمة الرواتب والأجور، وبالتالي يبدو أن السوريين سيضيفون تدريجيا عناصر جديدة إلى قائمة المقنّنات، ولا يُستبعد أن تظهر طرق وعادات جديدة لمواجهة هذا الغلاء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات