بعد انهيار العملة المحلية خلال الأيام الماضية، تداولت صفحات سورية مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تسخر من الظروف المعيشية المتردية التي وصلت إليها البلاد، وتعرضت الحكومة السورية لانتقادات لاذعة من قبل المتابعين، وتساءلوا عن كيفية تحمّل المواطن غلاء الأسعار في حين أن راتبه لا يشتري كيلو واحد من اللحم.

من ناحية أخرى، قال خبير اقتصادي من العاصمة دمشق، إن الأوضاع المعيشية التي وصل إليها المواطنون في البلاد سيئة جدا، واقتصاد البلاد في مرحلة خطيرة، نتيجة خسارة الليرة السورية لأكثر من 65 بالمئة من قيمتها خلال الأيام الماضية.

“أبطال الصمود بوجه الغلاء”

في السياق، نشرت إحدى الصفحات السورية المعروفة تدوينة تنتقد فيها ظروف المعيشة في سوريا بشكل ساخر، وكتبت “راتب الموظف الشهري.. الذي يُطلب منه الصمود والتصدي.. لا يشتري له كيلو لحمة”. وتفاعل المتابعون مع المنشور وعلقوا عليه بسخرية قائلين “نسينا اللحمة من زمان، الراتب ما عاد يجيب كيلو قهوة، يأكل من اللحمة الوطنية، في ناس ماعندها وظيفة ولاعندها دخل وحتى إذا في ناس بتشتغل باليوميات اغلب الناس ماعندها بيت كلو تعب وكلو موجوع”.

في منشور مواز آخر، سخرت الصفحة من تصريحات الحكومة التي تدعو المواطنين دائما إلى الصمود في مواجهة ارتفاع الأسعار حتى انتهاء الأزمة السورية، دون القيام بواجباتها تجاه المواطنين سواء برفع الرواتب أو بتحسين الوضع المعيشي قليلا، وسخرت الصفحة من شكل الصمود الحقيقي في البلاد “أبطااال الصمود والتصدي.. هذه بعض الصور من أسطول السيارات، بيئة مناسبة للصمود”.

تظهر في المنشور صور بعض الشبان الأغنياء في البلاد، ويبدو أنهم إما أبناء مسؤولين أو أحد أمراء الحرب، إذ يحمل أحدهم سلاحا بيده، وتفاعل المتابعون مع بعد ذلك مع التدوينة وانتقدوا الحكومة السورية بشدة فكتبوا ” بس ماحدا ساعدو هو ضب ايدو شوي و تعب ع حالو، الله حيوااا اهل الصمود، ساحب سلفه لا تظلموه عايش عالراتب، عنجد بيئة مناسبة للصمود”.

في سياق مواز، انتقد الفنان السوري بشار إسماعيل العام الماضي، من خلال تصريحات إعلامية، بعض الشخصيات النافذة في السلطة الحاكمة بسوريا، والذين يطلقون دوما عبارات “الصمود والصبر والتصدي”، ووجوب تحلي الشعب السوري بهم في مواجهة تداعيات الحرب والظروف المعيشية السيئة في البلاد.

منصة “يلا تريند” الفنية المحلية، أجرت لقاءا خلال الصيف الماضي مع بشار إسماعيل، الذي عبّر عن استنكاره لتغني البعض بعبارات الصمود والتصدي، موضحا أن “هذه العبارات لا تخرج من الطبقة الوسطى أو الفقيرة وإنما من الفئة الغنية، الذين يملكون ملايين الدولارات”.

إسماعيل هاجم لونا الشبل، مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد، دون أن يسمّيها، بسخريته من “حديث إحدى السيدات عن الصمود في الوقت الذي ترتدي فيه ملابس بقيمة 10 آلاف دولار وعقد من المجوهرات يُقدر بـ 15 ألف دولار، شو هدا الصمود يعني؟ ما فهمت!”.

راتب الموظف الحكومي في سوريا يبلغ اليوم نحو 11 دولارا، أي نحو 150 ألف ليرة سورية، وكيلو اللحمة الحمراء نحو 180 ألف ليرة سورية. لذلك، عندما تطلب الحكومة من المواطنين تحمل هذا الغلاء بالصمود والتصدي، فإنها ستقابل حتما موجة من الانتقادات والسخرية، بالإضافة إلى رغبة الجميع في مغادرة البلد واللجوء إلى إحدى الدول الأجنبية.

عقب وصول الليرة السورية لنحو 12 ألف ليرة سورية، ارتفعت أسعار كل شيء تقريبا بما فيها اللحوم بأنواعها، وشهدت ارتفاعات متكررة منذ بداية العام الجاري، حتى وصل الأمر إلى استغناء الشريحة الأكبر من السوريين عن اللحوم واتجاههم لبدائل مختلفة، في وقت خرج فيه أحد المسؤولين متحدثا عن فوائد هذه البدائل، ملمّحا إلى أن رفع أسعار اللحم فيه مصلحة صحّية للسوريين.

الدولرة في سوريا

في سياق مواز، قال الخبير الاقتصادي عمار يوسف لإذاعة “نينار إف إم” المحلية يوم أمس الإثنين، “نحن وصلنا إلى حالة سيئة جدا، وأصبحنا في مرحلة خطيرة. و الليرة السورية فقدت 60 – 70 بالمئة من قيمتها بمواجهة العملات الأجنبية خلال الـ 10 أيام الماضية”.

الخبير الاقتصادي يرى أن سوريا في مرحلة “الدولرة الاقتصادية” بشكل غير معلن وكل السلع ترتفع أسعارها يوميا لارتباطها بالدولار. وأشار إلى “نتحدث عن العقوبات الاقتصادية وشماعة الحرب بينما نرى في الأسواق كافة أنواع الكافيار وأجهزة الخليوي الحديثة والإلكترونيات وهناك مواد نراها في الأسواق السورية قبل دول أخرى”.

في ظل الانهيار السريع لليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وتجاوز الليرة للمرة الأولى حاجز العشرة آلاف ليرة، ظهرت تحركات وتصريحات حكومية هامشية من أجل تحسين الوضع المعيشي، والتي قوبلت بموجة انتقادات ساخرة من قِبل الشارع السوري.

المسؤولون في الحكومة السورية، عقب التراجع التاريخي لسعر الصرف، قاموا بإجراءات واجتماعات طارئة، بهدف وضع خطط لوقف هذا التدهور، بحسب زعمهم. لكن يبدو أن هذه التحركات قد اعتاد عليها الشعب السوري في الداخل، ففي كل مرة تجتمع أو يتم تشكيل لجنة اقتصادية لتأخذ على عاتقها مسؤولية وقف نزيف تدهور الليرة وتحسّن اقتصاد البلاد، إلا أن ذلك لا يتجاوز النطاق النظري.

إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، نشرت خبرا على منصة “فيسبوك” مؤخرا، مفاده أن الحكومة قامت بتشكيل لجنة مشتركة تضم عددا من أعضاء مجلس الشعب السوري واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء بهدف إعداد حزمة متكاملة من المقترحات العملية والفاعلة، للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي والمالي والنقدي وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين في سوريا، على أن تُقدّم هذه اللجنة مقترحاتها لمناقشتها وإقرارها.

إلا أن هذا الخبر سرعان ما أثار موجة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين. وكتب البعض في إشارة إلى عدم الجدوى من تشكيل هكذا لجان، وتشكيلها في هذا التوقيت من قِبل الجهات الحكومية هو لحفظ ماء الوجه فقط في مواجهة الوضع الاقتصادي البائس في البلاد، وأضافوا “ولله حفظناكون لدرجة منعرف إنو تشكيل اللجان هو اللي رح يطلع معكون، غير هيك مافي على أرض الواقع”.

أحد المتابعين انتقد الحكومة بقوله، إن الرواتب والأجور هزيلة ولا تكفي لأيام، ووجه سؤالا ساخرا للمسؤولين، قائلا “سؤال راتب الموظف بيكفي حدا من السادة المسؤولين لغاية الضهر الجواب اكيد لا.. الوضع ببلدنا سوريا مابينحل إلا بتشكيل محاكم ميدانية لكل شخص مسؤول وغير مسؤول ساهم وشارك بتدمير هالبلد ودمر البشر والحجر والاقتصاد وكل معاني الحياة”.

لا تتوقف موجة الانتقادات والسخرية هنا، بل انتقلت الانتقادات الساخرة لمؤسسات أخرى في الحكومة السورية، وهو تصريح أحد مهندسي النُّظم المعلوماتية حول زعمه بأن سوريا شهدت نقلة نوعية بسبب التحوّل الرقمي الذي أثّر على جميع جوانب الحياة اليومية، مثل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية” وإطلاق المنصة الإلكترونية الخاصة فيما يتعلق بالحصول على جوازات سفر، وهو ما أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرا.

“الأسعار ساعية”

في سياق متّصل، منذ تدهور سعر الصرف والأسعار ترتفع بشكل مستمر ودون توقف في جميع الأسواق السورية، وسط غياب أي خطط حكومية لتجنب هذا الارتفاع السريع والسيطرة على الأسعار وسعر الصرف، أو إيجاد أيّة حلول لتحسين الأوضاع المعيشية في البلاد.

اللافت أن الأسعار ساعية، فالسلعة التي تكلّف 5 آلاف، بعد ساعة واحدة فقط، تصبح أكثر من السعر المذكور، بالإضافة إلى أن أصحاب المحلات يخفون بعض البضائع حتى ترتفع الأسعار أكثر خلال الأيام المقبِلة، ثم يظهرونها مرة أخرى على الرفوف ولكن بأسعار جديدة ومرتفعة.

حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير جدا، وما يُثير الدهشة هو أن تسعيرة المواد في تبدّل لحظي ومستمر نحو الصعود طبعا، في ظل غياب أي محاولات وتدخل الجهات المعنية لإطفاء نيران الغلاء المستعرة، وفق تقرير لموقع “غلوبال نيوز” المحلي، مؤخرا.

أما حول أسباب عدم استقرار سعر القطع الأجنبي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، أكد عضو “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم في تصريح سابق للموقع المحلي، أن ما يشغل الناس هو سعر الصرف لأنه يرتبط بمعيشتهم بشكل مباشر، ما يزيد من صعوبة الحياة على المواطنين، لافتا إلى أن 85 بالمئة من المجتمع السوري أصبح دون خط الفقر، والراتب الذي يجب أن يكفي لتأمين مقومات الحياة من المفترض ألا يقل عن مليون ليرة وأكثر من ذلك.

نارُ الأسعار تتأجج تتابعا لجميع المواد، والمحروقات لم تتوفر بأفضل مما كانت عليه، لا كمية ولا سعرا، والسورية للتجارة متوقفة عن بيع المواد المدعومة، وبقي حال الكهرباء السيء على ما هو عليه، بل يزداد سوءا بين حين وآخر، وبالتالي الحياة في سوريا باتت أشبه بالجحيم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات