وسط الانهيار السريع لليرة السورية أمام النقد الأجنبي خلال الأيام الماضية، وللمرة الأولى تجاوز حاجز العشرة آلاف ليرة، ظهرت تحركات وتصريحات حكومية هامشية من أجل تحسين الوضع المعيشي، والتي قوبلت بموجة انتقادات ساخرة من قِبل الشارع السوري.

المسؤولون في الحكومة السورية، عقب التراجع التاريخي لسعر الصرف، قاموا بإجراءات واجتماعات طارئة، بهدف وضع خطط لوقف هذا التدهور، بحسب زعمهم. لكن يبدو أن هذه التحركات قد اعتاد عليها الشعب السوري في الداخل، ففي كل مرة تجتمع أو يتم تشكيل لجنة اقتصادية لتأخذ على عاتقها مسؤولية وقف نزيف تدهور الليرة وتحسّن اقتصاد البلاد، إلا أن ذلك لا يتجاوز النطاق النظري.

“ولله حفظناكون”

إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، نشرت خبرا على منصة “فيسبوك” يوم أمس الإثنين، مفاده أن الحكومة قامت بتشكيل لجنة مشتركة تضم عددا من أعضاء مجلس الشعب السوري واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء بهدف إعداد حزمة متكاملة من المقترحات العملية والفاعلة، للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي والمالي والنقدي وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين في سوريا، على أن تقدّم هذه اللجنة مقترحاتها لمناقشتها وإقرارها.

هذا الخبر سرعان ما أثار موجة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين. وكتب البعض، “إذا أردت أن تنجز أمرا مهمّا وبسرعة فشكل لجنة.. والدراسة الماضية يلي كنا ناطرينا إلها علاقة مع هاللجنة أو بتابع معها ما بدنا يطولوا أكتر من هيك يارب تهديهم وتصبرنا وترزقنا”، في إشارة واضحة إلى عدم جدوى هذه التحركات الحكومية وفشلها في استقرار الليرة السورية.

فيما علّق آخرون، مشيرين إلى أنه لا جدوى من تشكيل هذه اللجان، وتشكيلها في هذا التوقيت من قِبل الجهات الحكومية هو لحفظ ماء الوجه فقط في مواجهة الوضع الاقتصادي البائس في البلاد ، وأضافوا “ولله حفظناكون لدرجة منعرف إنو تشكيل اللجان هو اللي رح يطلع معكون، غير هيك مافي على أرض الواقع. مجلس الشعب يسن القوانين ويراقب عمل الحكومة ولايجوز تشكيل لجنة تحوله الى شريك تنفيذي مع الحكومة. هذه مخالف للدستور. عدا عن انه سنرجع الف سنة للوراء بعد هذه اللجنة التي اعتدنا على انها فاشلة قبل تشكيلها”.

أحد المتابعين انتقد الحكومة بقوله، إن الرواتب والأجور هزيلة ولا تكفي لأيام، ووجه سؤالا ساخرا للمسؤولين، قائلا “سؤال راتب الموظف بيكفي حدا من السادة المسؤولين لغاية الضهر الجواب اكيد لا.. الوضع ببلدنا سوريا مابينحل إلا بتشكيل محاكم ميدانية لكل شخص مسؤول وغير مسؤول ساهم وشارك بتدمير هالبلد ودمر البشر والحجر والاقتصاد وكل معاني الحياة”.

انتقادات للحكومة السورية

من جهة أخرى قال رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، إنه يجب التوجه نحو خيارات تهدف لإيصال الدعم إلى مستحقيه وتقييد الهدر والفساد، ودعا إلى ضرورة التوجه نحو خيار عملي وواقعي يخص أسعار بعض السلع الرئيسية المدعومة، بهدف تحقيق العدالة والكفاءة في تخصيص الدعم، مؤكدا أن ذلك يحتاج حوار متأنٍ وعاقل تحت قبة مجلس الشعب، وفق ما نقلته إذاعة “المدينة إف إم“.

عرنوس زعم خلال كلمة له ضمن الدورة الاستثنائية الخامسة التي عقدت اليوم في مجلس الشعب، أن الحكومة تولي عناية فائقة لدعم الإنتاج والعملية الإنتاجية، كما أنها حاولت التوفيق بين توفير مقومات النمو الاقتصادي ودعم العملية الإنتاجية من جهة، وضبط سوق الصرف من جهة أخرى.

الجدير ذكره أن مجلس الشعب خصّص هذه الدورة الاستثنائية لدراسة ومناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي وسعر صرف الليرة السورية، إلا أنه ليس هناك أيّة إجراءات وقرارات حقيقية طارئة صدرت وحققت نتائج ملموسة على أرض الواقع.

كما أثار تصريح عرنوس موجة من الانتقادات الساخرة على منصة “فيسبوك”. حيث قال أحد المتابعين “يارجل الزيت والسكر والغاز على بطاقتكم وماعم تتوزع بشكل صحيح شاطر تحكي على التجار نظم بطاقتكم قبل ما تنظم السوق، مافي نتيجة من قراراتكم وشغلكم”.

بينما علّق آخرون ساخرين من أداء الحكومة وفشل مؤسساتها في ضبط الأسعار أو حتى وضع خطط قد تفيد المواطنين ولو بشكل بسيط، وأضافوا “يقاس الأداء بالمنفعة والخدمة المقدمة للمواطن فشو قدمتو للوطن والمواطن بدون إنشاء حاج لف ودوران، حكومة ومسؤولين فاشلين وفاسدين ومو شاطرين غير بالتصريحات والتهويل الإعلامي، كل يلي عم بصير بالبلد من وراء فشل الحكومة، وأصل الفساد هنن المسؤولين وليس المواطن المعتر”.

أداء الحكومة السورية دائما ما يطالها موجة انتقادات واسعة من الشارع السوري ومن كافة الفئات، وهذه التصريحات الحكومية حول تهاوي الليرة والفوضى الموجودة في الأسواق وادعاء الحكومة بأنها تسعى لوضع حد للفساد وهدر المال العام ومبرراتها المعتادة حيال ذلك، غالبا ما تثير سخرية السوريين، الذين يواجهون أعباء اقتصادية جديدة بشكل شبه يومي بسبب الغلاء الفاحش الذي يعصف بالبلاد.

سوق الحميدية في دمشق- “سانا”

إزاء هذا التدهور المعيشي، أقرّ مجلس الشعب، بكارثية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، مع تسارع انهيار الليرة بقدر كبير لتتجاوز للمرة الأولى عتبة 12 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، ملقيا باللوم على الجهات الحكومية في إدارة الملف الاقتصادي، إلا أنه في الوقت نفسه اعترف بعجزه عن تغيير الواقع في البلاد.

هذا الاعتراف جاء خلال عقد مجلس الشعب، يوم أمس الإثنين، جلسة استثنائية حول الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي وانهيار سعر صرف الليرة السورية بهذا الشكل المتسارع.

تبريرات الحكومة واضحة

في سياق متّصل، يبدو أن السوريين في الداخل باتوا يعتمدون على معرفتهم لمعدلات ارتفاع الأسعار وأسبابه وحتى مبررات الجهات الحكومية إزاء ذلك، وما سيواجهونه في حياتهم اليومية من خلال التنبؤات وتوقعات المسؤولين الحكوميين حول زيادة الأسعار بشكل دوري، أو عبر توقعات الأبراج اليومية على صفحات المواقع المحلية، وبالتالي فإن التساؤل الأبرز هنا، هل بات المسؤولون منجمين أو متنبئين في معرفة الظروف المعيشية للبلاد.

في تصريح لرئيس لجنة مربي الدواجن في “اتحاد غرف الزراعة السورية”، نزار سعد الدين، فقد توقع زيادةً بأسعار الدواجن خلال الفترة القريبة، وهو ما أثار سخرية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.

موقع “صاحبة الجلالة” المحلي، نشر تصريحا لرئيس لجنة مربي الدواجن في “اتحاد غرف الزراعة” نقلا عن صحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا، وتوقع فيه سعد الدين، أن يرتفع سعر الفروج خلال فترة قريبة نتيجة انخفاض الإنتاج بسبب بدء خروج نسبة لا بأس بها من المربّين عن التربية.

هذا التصريح أثار جملة من الانتقادات الساخرة من قِبل المتابعين على منصة “فيسبوك”، فكتب أحدهم “أي ولاقو حلول بديله إنشاء الله، مو ترفعوا أسعار الفروج ويضل المواطن ياكل بس مجدرة ويضل محروم من اللحوم بسبب ارتفاع الأعلاف وغيره وغيراته”.

على إثر هذا الغلاء الجامح في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء معا، الأمر الذي جعل السوريين أمام تحدي ابتكار وسائل جديدة، لتأمين متطلباتهم المعيشية.

بعد أن لجأ السوريون إلى “الفطر” كبديل للحوم نتيجة هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، اتجه العديد من الأهالي إلى تربية الأرانب في منازلهم، أو شرائها من مربّيها في المدن والبلدات الريفية لتكون بديلا عن اللحوم.

أسعار كل شيء تقريبا بما فيها اللحوم بأنواعها، شهدت ارتفاعات متكررة منذ بداية العام الجاري، حتى وصل الأمر إلى استغناء الشريحة الأكبر من السوريين عن اللحوم واتجاههم لبدائل مختلفة، في وقت خرج فيه أحد المسؤولين متحدثا عن فوائد هذه البدائل، ملمّحا إلى أن رفع أسعار اللحم فيه مصلحة صحّية للسوريين.

في معرض تبريره لغلاء اللحوم أشار مدير “المؤسسة العامة للدواجن” سامي أبو دان، إلى أن المواطن السوري، “يتمتع بوعي ويلجأ للبيض لتأمين البروتين الحيواني لأفراد عائلته، كونه أرخص من سعر اللحم الأحمر ويؤمن وجبة كاملة” حسب قوله.

تصريحات أبو دان أثارت سخرية واسعة، حيث قال أحد المتابعين، تعليقا على تصريحات المسؤول الحكومي، “يعني منفهم من كلام المسؤول أنه الغلاء بصالحنا منشان نتوجه للبيض، ترا اللحم كمان مصدر منيح للبروتين”.

لا تتوقف موجة الانتقادات والسخرية هنا، بل انتقلت الانتقادات الساخرة لمؤسسات أخرى في الحكومة السورية، وهو تصريح أحد مهندسي النظم المعلوماتية حول زعمه بأن سوريا شهدت نقلة نوعية بسبب التحوّل الرقمي الذي أثّر على جميع جوانب الحياة اليومية، مثل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية” وإطلاق المنصة الإلكترونية الخاصة فيما يتعلق بالحصول على جوازات سفر، وهو ما أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرا.

أسعار كل شيء ارتفع- “إنترنت”

حيث اعتبر البعض أن هذه الإجراءات فاقمت الأزمات في البلاد وليس العكس، وكيف يمكن لحكومة لا تمتلك كهرباء أن تعمل على المنصات الإلكترونية المرتبطة بشكل أساسي بالكهرباء والإنترنت، وهما غير متاحتين بسهولة في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات