صراع محموم بين الذهب والدولار.. لماذا يزداد إقبال السوريين على الليرات الذهبية؟

مع غياب الثقة بالعملة المحلية في سوريا، يبحث السوريون عن أيّة أصول لتخزين مدّخراتهم، فكان الدولار الأميركي في كثير من الأوقات هو الملجأ الآمن لتخزين المدّخرات في البلاد، نتيجة الانهيار المتواصل لليرة السورية، إذ يؤكد كثير من الأشخاص أن الليرة السورية أصبحت فقط وسيلة للتداول وشراء السلع ودفع تكاليف الخدمات الدورية.

مؤخرا تشهد أسعار صرف العملات الأجنبية في سوريا وتحديدا الدولار تذبذبات عالية، الأمر الذي جعل فئة من السوريين يتجهون لشراء الذهب كونه أكثر استقرار من الدولار، كذلك فإن أسعار الذهب شهدت انخفاضا نسبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية مقارنة مع أسعار الدولار.

لكن التوجه إلى الذهب كان عبر شراء الليرات الذهبية، حيث لا يفضل الأهالي شراء المصوغات الذهبية، الأمر الذي أفضى إلى زيادة الإقبال على هذه الليرات، تزامنا مع انخفاض عدد الورشات الخاصة بتصنيعها، ما يطرح التساؤلات عن أسباب هذا التوجه بدلا من شراء المصوغات العادية المنتشرة في الأسواق.

تكاليف أقل؟

“لتخفيف مصاريف الصياغة” قال نور الدين المحمد، وهو صاحب متجر لبيع الألبان والأجبان، مبررا توجهه لتخزين بعض المدّخرات بالليرة الذهبية، مؤكدا أن الذهب أصبح خياره الأول، لا سيما في ظل التذبذب العالي في سعر الدولار في الأسواق السورية.

المحمد، أضاف في حديث لـ”الحل نت”، “في البداية كنت أظن أن الليرات الذهبية لا تحتاج لتكاليف الصياغة المعتادة في المصوغات الأخرى، لكن الصائغ طلب أجرة صياغة الليرة الذهبية فهي الأخرى بحاجة لجهود في التصنيع، ولكن تبقى الليرات الذهبية أسهل في التخزين من المصوغات الأخرى”.

من جهته اعتبر رئيس “جمعية الصياغة وصنع المجوهرات” بدمشق غسان جزماتي، أن بيع الذهب اليوم يقتصر فقط على شراء الليرات الذهبية، حيث شكّلت نسب شراء الليرات أكثر من 70 بالمئة من بقية عمليات الشراء، وبقية المصوغات كان الطلب عليها لا يُذكر، حيث يتجه كل من يمتلك مبلغا من المال لقاء بيع بيت أو سيارة إلى تخزين المبلغ بالليرات الذهبية.

جزماتي كشف في تصريحات نقلتها منصة “غلوبال نيوز” المحلية، عن وجود نحو 250 ورشة لصناعة المصوغات الذهبية، مقابل ورشة واحدة لصناعة الأونصات والليرات الذهبية، الأمر الذي سبّب ضغطا عليها “فهي لا تستطيع تغطية حاجة السوق منها، ويوجد نقص وشح بالكميات بالأسواق”.

جزماتي أكد أن الاعتقاد السائد عند البعض، بأن الليرات لا تخسر متل المصوغات الأخرى هو اعتقاد خاطئ، حيث أنها تحتاج لأجور مقابل تصنيعها بقدر تماثل المشغولات الأخرى.

أسعار الذهب في سوريا شهدت خلال الأشهر الماضية ارتفاعات متتالية، لكن عند مقارنة أسعار الذهاب بالدولار الأميركي نجدها أكثر استقرارا، وقد سجل الذهب من عيار 21 قيراط، 610 آلاف ليرة سورية، وعيار 18 قيراط 522 ألف و 857 ليرة سورية، في حين بلغ سعر الأونصة 22 مليون و635 ألف ليرة، بينما سجلت الليرة الذهبية سعر 5 ملايين و200 ألف ليرة، وذلك حسب نشرة الصاغة الصادرة اليوم بدمشق.

تذبذب أسعار الصرف

أما أسعار صرف العملات الأجنبية في سوريا، فتشهد تغيرا على مدار الساعة، مما يتسبب بفوضى كبيرة في الأسواق السورية، كذلك فإن الانهيار المتواصل في قيمة الأجور والرواتب للسوريين الناتج عن هذا التغير، يفاقم من الأزمة المعيشية التي يعيشها السوريون منذ سنوات.

قد يهمك: راتب لا يشتري الخبز.. ما هو متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية هذا العام؟

أمين سر “جمعية حماية المستهلك” عبد الرزاق حبزة، أشار قبل أيام إلى أن “هناك علامات استفهام حول ما يجري في سوق الصرف، وحول سلوك المركزي برفع السعر مع السوق السوداء لتثبيت السعر، وكأن السوق السوداء أصبحت حكومية”.

حبزة أكد في تصريحات نقلها موقع “بزنس تو بزنس” المحلي، أن الحكومة تعترف ضمنيا بسعر الصرف في السوق السوداء، “وعلى الحكومة تقديم تفسير للسوريين وإيضاح ما الذي يحدث؛ كونه لا توجد مبررات أمام هذا التغير في سعر الصرف”، ما يعني أن السوق السوداء تسير بإشراف حكومي غير مباشر بصرف النظر عن السعر الوارد من “البنك المركزي”.

وفقا لأرقام كشفها ”المكتب المركزي للإحصاء”، تجاوز معدل التضخم في سوريا 16 ألفا بالمئة خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2023. إذ إن معدل التضخم بلغ 3852.29 بالمئة بين عامي 2011 و2021.

البيانات الصادرة عن وزارة المالية، قدّرت معدلات التضخم لعام 2022 بنسبة 100.7 بالمئة، ولعام 2023 بنسبة 104.7 بالمئة، مما يجعل معدل التضخم بين عامي 2011 و 2023 يبلغ 16137.32 بالمئة.

الأسعار بدورها ارتفعت بمقدار 40 ضعفا بين عامي 2011 و 2021، وزادت بما يتجاوز 161 ضعفا في الفترة من عام 2011 إلى عام 2023، في حين أشارت الخبيرة رشا سيروب، إلى أن السلع الغذائية والمشروبات غير الكحولية، ونفقات السكن والكهرباء والمياه، تشهد أكبر ارتفاع في الأسعار، وتمثل حوالي 75 بالمئة من إنفاق الأُسر. مؤكدة في الوقت ذاته، أن دخل الموظف في سوريا ارتفع بمقدار 10 أضعاف منذ عام 2011، ولكنه لا يزال أقل بكثير مقارنة بارتفاع المستوى العام للأسعار.

.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات