تزامنا مع تدهور الوضع المعيشي في سوريا، جرّاء تدهور سعر الصرف أمام النقد الأجنبي، فضلا عن ارتفاع عام في الأسعار، شهدت مناطق واسعة من المحافظات السورية إقبالا واسعا على شراء مواد التنظيف التي تُباع بـ”الفرط” من دون عبوات مختومة بسبب انخفاض أسعارها على الرغم من قلّة فعاليتها وآثارها السلبية.

المواطن السوري يبدو أنه لم يعد قادرا على تحمّل الغلاء الجامح في الأسواق، إذ بالكاد يستطيع أن يعيش ويؤمّن رزقه اليومي في بلده المنكوب منذ أكثر من عقد، وبالتالي بات يبحث عن بدائل للسلع والمنتجات اللازمة التي لا يستطيع الاستغناء عنها، حتى لو كانت ذات نوعية رديئة وتحمل مخاطر صحية التي قد تسبّبها استخدام هذه المواد مقابل الأسعار المخفضة، فقد صار السعر المنخفض هَمَّ المواطن.

لفارق السعر بينها وبين المختوم

في خضم تدهور الأوضاع الاقتصادية يبحث الناس عن بدائل صغيرة لاحتياجاتهم الأساسية؛ ومن هذه الأساسيات التي زاد الإقبال عليها في الآونة الأخيرة هي مواد التنظيف التي تُباع بـ”الفرط” نتيجة فوارق الأسعار على الرغم من معرفتهم المسبقة بقلة فعاليتها وخطورتها.

إحدى المواطنات تقول لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الأربعاء، إن المنظفات الشهرية تتجاوز 80 ألفا ما بين عبوة جلي ومسحوق غسيل وشامبو للاستحمام ومعطر وغير ذلك، مضيفة “كلها أشتريها بعبوات صغيرة لذلك لم أرَ خيارا أمامي سوى شراء مواد رخيصة بدلا من المواد المختومة”.

المواطنة تردف أن سعر علبة الشامبو من الحجم المتوسط والمختومة تبلغ 25 ألفا وتكفي لمدة عشرين يوما أمّا في حال تم شراؤها “فرطا” فإن سعر عبوة الشامبو المعبأة بطريقة يدوية وبحجم ليتر ونصف تبلغ 12 ألفا وتكفي لمدة شهرين.

أما سليمان صاحب محل صغير يبيع فيه المنظفات الشعبية أي “غير مختومة”، كما سمّاها، بيّن أنه يعمل في هذه المهنة منذ ثلاث سنوات لأنه رآها مربحة فقد نشطت تجارتها وازدهر بيعها، وأسعارها تناسب 70 بالمئة من الأشخاص الذين يواظبون على شرائها شراءً شهريا.

سليمان أردف أن سعر مسحوق الغسيل بوزن كيلوغرامين مختوم من الشركة الصانعة 35 ألفا بينما المسحوق الذي يُباع “فرطا” سعر الكيلو منه 9 آلاف ليرة، وكلما انتهت دفعة نحضر دفعة تكون قد ازدادت بمعدل ألف ليرة لكل كيلو، أما عبوة الجلي المعبأة بعبوات بلاستيكية فارغة فسعرها 3 آلاف ليرة بينما المختومة بـ 8500 ليرة، على حين المعطّر والكلور يباع معبأً بعبوات بلاستيكية أو يوضع بأكياس نايلون بحسب ما هو متوفر فسعر النصف ليتر منه 2000 ليرة، بينما المختومة فيباع المعطر بـ 8 آلاف ليرة والكلور بـ 6 آلاف ليرة.

هذا ويبيع سليمان إلى جانب المنظفات المناديل الورقية والكيلو منه 23 ألفا ولكنه يكفي لأكثر من شهر بينما كيس المحارم المختوم بـ11 ألفا بالكاد يكفي لأسبوع؛ علاوة على حفاضات الأطفال وجميعها تُباع بالكيلو من دون معرفة الجهة المصنّعة وتتفاوت في جودتها.

مما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار المنظفات المختومة، دفع الأهالي إلى شراء المنظفات بـ “الفرط” من البسطات غير الموثوقة بسبب انخفاض أسعارها، مقارنة بالأسعار في المحلات التجارية، علما أن بعض المواد المغشوشة تتسبب بالتلف للغسالات الآلية.

خطيرة ولا تخضع للمعايير!

في المقابل، حذر المتخصص في الأمراض الجلدية الدكتور أحمد أحمد، من استخدام مواد تنظيف لا تخضع لمعايير التصنيع العلمية لأنها مؤذية، لافتا إلى أنه استقبل كثيرا من الحالات التي تكون فيها السيدات مصابات بحساسية أو حروق لاستخدام تلك المواد.

في الإطار ذاته، أكد رئيس “جمعية حماية المستهلك” الدكتور عبد العزيز معقالي، أن بيع مواد التنظيف من مساحيق غسيل ومواد جلي وشامبو ومنظفات “فرطا” أو كما يسمى بالكيلو أمر خاطئ، مضيفا أنه عند وضعها في أكياس نايلون أو علب بلاستيكية ولا يوضع اسم المعمل المنتج فذلك كي لا يحاسب المعمل وحتى يتهرب من المسؤولية؛ فأي معمل يطرح مادة بمواصفات عالية يجب أن يضع اسمه على العبوة؛ ومواد التنظيف التي تُباع “فرطا” تكون رخيصة وذلك لرداءة المواد الداخلة في تصنيعها.

معقالي زعم أنه طلب من التموين سحب عينات وأن “جمعية حماية المستهلك” بانتظار النتائج؛ في حال صدرت النتائج مخالفة يتم محاسبة البائع الذي لا ذنب له في صنع المواد لأنه مجرد بائع ويبيع هذه المواد التي يُمنع بُيعها.

قد يهمك: “100 ألف للكيلو”.. أسعار كاوية للقهوة في سوريا

معقالي، نوّه وشدد على ضرورة وعي المستهلك وألا ينجر وراء المواد الرخيصة لأنها تتسبب بأضرار صحية لليدين أو في حال استنشاق روائحها وجميعها مغشوشة.

هذا وتنتشر المنظفات “الفرط” المغشوشة وذات الجودة الرديئة والمصنّعة محليا بشكل واسع في العديد من المتاجر والبسطات المنتشرة في الشوارع، وهناك إقبال عليها، فقد أكدت العديد من الصحف والمواقع المحلية في السابق أن هناك عشرات الورش المتخصصة في إنتاج مواد التنظيف، ويقبل الأهالي بهذه الأصناف بسبب أسعارها الأرخص مقارنة بالعلامات التجارية المعروفة، رغم خطورتها.

ففي محافظة طرطوس بلغ عدد المنشآت المرخّصة لمعامل وورشات صناعة المنظفات /146/ منشأة، منها /63/منشأة صابون سائل، و/31/ منشأة مساحيق بودرة، /18/ منشأة معقمات كلور وفلاش وملمّع زجاج، إضافة إلى /34/ منشأة سائل جلي.

مدير الصناعة في محافظة طرطوس المهندس عمار علي، قال في تصريح صحفي سابق إن مديرية الصناعة لا تعطي الترخيص النهائي للمنشأة إلا بعد سحب عينات وإرسالها لمديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك لبيان المواصفة ومطابقتها للمواصفات القياسية السورية. ولكن انتشار هذه المواد بهذه الكمية يؤكد مدى تقاعس الجهات الرقابية إزاء هذه المسألة.

البضائع الرديئة تغزو الأسواق

لا يقتصر هذا الأمر على المنظفات فقط، فخلال الفترة الماضية، ضُبطت كميات كبيرة من منتجات الألبان والجبن واللحوم المنتهية الصلاحية والفاسدة، لدرجة أن طبيب بيطري يعمل في المؤسسات الحكومية دق ناقوس الخطر على الصحة العامة في إحدى المحافظات السورية، بسبب استخدام البعض مواد مسرطنة في منتجاتهم لعدم إفسادها.

ألبان وأجبان في أحد المحال بسوريا- “إنترنت”

كما طال الغش مادة القهوة، حيث قام بعض تجار البُن في سوريا بغش القهوة بأساليب متعددة لزيادة أرباحهم، رغم ارتفاع أسعارها، وذلك من خلال استخدام مواد معينة لغش البُن، نتيجة ارتفاع أسعار القهوة بمختلف أنواعها في الأسواق، بالتالي بات بيع القهوة المغشوشة متداولة في الأسواق بشكل ملحوظ وبأساليب متعددة.

الخبراء يرجعون سبب انتشار المواد الرديئة إلى غياب الرقابة الصحية، فضلا عن غياب الرقابة التموينية بشكل عام في الأسواق. كما يتحدث المنتجون عن حلقة أساسية تفرض انتشار ظاهرة الغش وهي سياسة التسعير المتّبعة من قِبل “وزارة التجارة الداخلية”، التي لا تأخذ كل التكاليف خاصة غير المنظورة منها بالاعتبار، وبالتالي الأعباء والتكاليف الكبيرة هذه تدفع بالكثيرين إلى العمل على تغطيتها بوسائل مختلفة، منها تغيير المواصفات من أجل تحقيق بعض الوفر حيث يبحث صاحب المنشأة عن طرق أخرى لتسديد تلك التكاليف، إلى جانب غياب الكهرباء لساعات طويلة، وهو ما يؤدي لاتّباع بعض المنتجين لاستخدام مواد مسرطنة للحفاظ على منتجاتهم لأطول فترة ممكنة.

البضائع الرديئة والغش باتا يلازمان معظم السلع والمنتجات الغذائية والاستهلاكية في سوريا، نتيجة لارتفاع الأسعار من جهة، وطمع المنتجين والتجار بتحقيق إيرادات ربحية أكبر، فيما يبقى المواطن هو المتضرر الأكبر في كل ما يجري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات