في الوقت الذي لا تزال فيه العقوبات الأوروبية تحاصر سلطة دمشق، يجري مسؤولون في بعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا برفقة شخصيات من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، زيارة هي الأولى من نوعها إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، منذ عام 2011.

على رأس قائمة المسؤولين الأوروبيين، الذين حضروا إلى حلب السورية يوم أمس الإثنين، جاء دان ستوينيسكو رئيس البعثة، أما من طرف الأمم المتحدة، فرافقه منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، عمران رضا.

تساؤلات عدة تدور حول هذه الزيارة ومعانيها وأسبابها، فالاتحاد الأوروبي الذي يفرض منذ سنوات عقوبات على حكومة دمشق، والشخصيات والشركات المرتبطة بها، في ظل تأكيده على ضرورة الحل السياسي، بموجب قرار مجلس الأمن 2254، يحضر الآن مسؤولوه ليفتحوا الباب أمام تساؤل مهم حول طبيعة هذه الزيارة، فيما إذا كانت تنحصر بالمهام الإنسانية المتعلقة باستمرار إدخال المساعدات إلى سوريا من خلال حكومة دمشق، ما يعني بروز مخاوف جديدة من إغلاق نهائي قريب لمعبر باب الهوى (المعبر الوحيد الذي تدخل منه المساعدات في المناطق الخارجة عن سلطة دمشق). أم أن هذه الزيارة قد تتجاوز البعد الإنساني لتستغلها دمشق على الصعيد السياسي، وتساوم على إلغاء أو تخفيف العقوبات المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبي.

تطور الدور الأوروبي؟

ضمن تغريدة على منصة “تويتر”، نشر رضا، يوم أمس الإثنين، ظهر فيها إلى جانب ستوينيسكو وهما يستقلان طائرة، متوجهين إلى مدينة حلب.

وجاء في التغريدة: “نتوجه إلى حلب مع ستويتيسكو في زيارة مشتركة. بفضل برنامج الغذاء العالمي والجهات المانحة لتحسين وصول العاملين في المجال الإنساني إلى الشمال والشمال الشرقي من خلال الرحلات الجوية”.

وأضاف رضا: “هي أول زيارة مشتركة مع بعثة الاتحاد الأوروبي إلى حلب وحمص وحماة، منذ بدء الأزمة. مع ارتفاع الاحتياجات في سوريا من الضروري التركيز على التعافي المبكر والاستثمارات، لتجنب المزيد من التدهور”.

يأتي ذلك بعدما بحث نائب وزير الخارجية السوري، بشار الجعفري، مع رؤساء مكاتب وبعثات وكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا “آليات متابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2642 المتعلق بالوضع الإنساني في سوريا”.

كما بحث الطرفان، حسب وكالة “سانا” المحلية “خطط الأمم المتحدة لتنفيذ المشاريع المشمولة بمجال التعافي المبكر في سوريا، ولا سيما فيما يخص قطاعي الكهرباء والمياه”.

وتبع ذلك اتصال هاتفي نادر، بين وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يوم الأحد الماضي.

رغم محدودية الدور الأوروبي في الملف السوري خلال السنوات الماضية، في ظل عدم توفر أدوات التدخل العسكري، مقابل تدخل قوى أخرى غير أوروبية، لا سيما الإقليمية منها كإيران وتركيا، إلى جانب الحضور الروسي، إلا أن ذلك لا يعني غياب الدور الأوروبي مطلقا.

هناك مواقف أوروبية مختلفة، ذات حضور لها قيمته مهما كان حجم الحضور الأوروبي في الملف السوري، ساهمت تلك المواقف في الضغط على القوى المتدخلة أو حتى على دمشق في التأثير بالمشهد السوري خلال الفترة الماضية، إضافة إلى دور إنساني وتمويلي ملموس.

يبقى الحضور الأوروبي له أهميته في الملف السوري، فهل سيبقى هذا الحضور خلال الفترة المقبلة محصورا بالمجال الإنساني أم تعيد بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) حضورها على الصعيد السياسي مدفوعة بملفات داخلية مرتبطة بالملف السوري لا سيما ملفات اللجوء ومكافحة الإرهاب. فهل تملك بروكسل مفاتيح فعالة لإيجاد آليات مناسبة للضغط على دمشق من أجل تحريك الملف السياسي، أم أن دمشق ستستمر في مساومتها السياسية داخل الملفات الإنسانية من دون أن تستطيع تغيير رأي بروكسل، الرافض لأي تطبيع سياسي واقتصادي مع دمشق قبل الانتهاء من تفعيل آليات الحل السياسي في سوريا، وانصياع دمشق للقرارات الدولية.

قد يهمك: بنود حول سوريا في قمة بوتين-أردوغان.. ما احتمالات تنفيذها؟

الأسباب والمعاني

فيما يتعلق بأسباب وأهداف زيارة الاتحاد الأوروبي هذه، يرى الكاتب والمحلل السياسي عبد المسيح الشامي، أن زيارة الوفد الأوروبي إلى سوريا تأتي في إطار محاولات غربية، للدخول من جديد إلى الملف السوري، وربما إلى ملفات أخرى مرتبطة بروسيا بشكل أساسي، والهدف الرئيسي من هذه الزيارة وفق تقديره هو سحب البساط من تحت أقدام روسيا في الملفات الرئيسية في المنطقة، وخاصة الملف السوري، وهذا الأمر يحاولون فيه بطريقة أو بأخرى، بحسب تعبيره.

وأردف، في حديثه لـ”الحل نت”، “تتقاطع هذه الخطوة الأوروبية مع المصالح الإيرانية، فهناك محاولات من الجانب الإيراني تتوافق مع الموقف الغربي، وهو تقليص الدور الروسي في سوريا، كما يخططون الغرب بشكل تمهيدي لإخراج روسيا من سوريا، أو على الأقل لتقليص مستوى تأثير روسيا ووجودها في الملف السوري بشكل عام”.

ووفق تقدير الشامي، فإن الأوروبيون ربما يلعبون اليوم لعبة “العصا والجزرة” فيما يتعلق بمسألة الإغراءات في موضوع المساعدات، مع العلم أن هذه المساعدات كانت في السابق ممنوعة من قبل الاتحاد الأوروبي على حكومة دمشق. إذن هذه الخطوة عبارة عن تحول في المواقف إلى حد ما، لكنها تأتي في إطار ما تم ذكره أعلاه فقط.

بمعنى أن الأمر، هو الالتفاف على روسيا في ملفات مهمة، وتحديدا الملف السوري، الذي يعتبر محورا أساسيا في سياق ما يحدث في العالم بشكل أو بآخر، وأيضا في سياق إعادة تموضع روسيا في المنطقة مع العديد من الملفات الأخرى، مثل ملفات الطاقة وغيرها من الملفات الاقتصادية، بالإضافة إلى ملفات السياسة بشكل عام، وفق حديث الشامي.

ضبط المساعدات الأممية بسوريا

الاتحاد الأوروبي، يفرض منذ سنوات عقوبات على دمشق، والشخصيات والشركات المرتبطة بها، فيما يؤكد على ضرورة الحل السياسي، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

جدد الاتحاد الأوروبي هذا العام، من عقوباته على الحكومة السورية عاما إضافيا، لغاية 1 حزيران/يونيو 2023، وذلك بسبب استمرار دمشق في قمع السكان المدنيين بسوريا.

كذلك، حدّث الاتحاد قائمة الشخصيات والهيئات التي تشملها العقوبات، وأصبحت تضم 70 هيئة و289 شخصا فرض عليهم حظر السفر وتجميد الأصول.

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوباته على دمشق لأول مرة في آب/أغسطس من العام 2011، وذلك ردا على قمع حكومة دمشق للاحتجاجات المدنية، والانتهاكات التي ارتكبتها قواتها بحق السوريين.

وهذه العقوبات الأوروبية استهدفت شركات ورجال أعمال بارزين مستفيدين من اقتصاد الحرب عبر علاقاتهم مع الحكومة السورية، وبحسب بيان مجلس الاتحاد الأوروبي، فإن العقوبات على دمشق “تهدف إلى تجنّب أي تأثير على المساعدة الإنسانية، وعدم التأثير على توصيل الغذاء والأدوية والمعدات الطبية”.

وفي شباط/ فبراير الفائت، قرر مجلس الاتحاد الأوروبي إضافة خمس سيدات من عائلة محمد مخلوف، خال الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى قائمة الأشخاص والكيانات الخاضعة للعقوبات الأوروبية والإجراءات التقييدية.

وعليه، قد تكون هذه الخطوة الأوروبية، ما هي إلا لإحجام الدور الروسي في الملف السوري لا سيما التقليل من تأثيره في ملف المساعدات الإنسانية (آلية المساعدات الإنسانية في معبر باب الهوى)، إلى جانب ملف التعافي المبكر وإعادة الإعمار (إن تمت الموافقة على تطبيقه لاحقا)، كما قد يضع الاتحاد الأوروبي فيما بعد ملف المساعدات الإنسانية المقدمة للسوريين من خلال حكومة دمشق، نصب عينيه من أجل ضبط عملية توزيع تلك المساعدات وإيصالها للسوريين في الداخل بشكل عادل.

قد يهمك: اتصال يتبعه لقاء.. أردوغان بين أحضان الأسد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.