تغيير تاريخي في موقف فنلندا والسويد، حينما قررتا الانضمام لحلف “الناتو” (شمال الأطلسي)، بعدما بقيت هلسنكي محايدة خلال الحرب الباردة، في مقابل تأكيدات من موسكو بأن القوات السوفياتية لن تغزو أراضيها.

في الأثناء، صادق يوم أمس الثلاثاء، الرئيس الأميركي جو بايدن، على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو“، في الوقت الذي تمضي فيه الدولتان الإسكندنافيتان للحصول على الموافقات التشريعية على طلبهما.

وقال بايدن، في كلمته قبيل المصادقة على طلب فنلندا والسويد، إن “الناتو تحالف لا غنى عنه لعالم اليوم والغد”، مضيفا، أنه “عندما انتهكت روسيا السلام والأمن في أوروبا، وعندما يتحدى المستبدون أسس نظام قائم على القواعد، فإن قوة التحالف الأطلسي، والتزام أميركا بحلف شمال الأطلسي يصبحان أكثر أهمية من أي وقت مضى“.

ضربة لروسيا؟

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والخبير في العلاقات الدولية، أيمن سلامة، يرى أن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو” بهذه السرعة، مثلت ضربة لروسيا، التي مثلت هي الأخرى سببا في بناء المشروع العسكري الأوروبي الجديد، نتيجة انتهاكاتها العسكرية.

ويقول سلامة، في حديث خاص لـ“الحل نت“: “أحدث الغزو الروسي لأوكرانيا دويا شديدا، قارع دوي المدافع، وأزيز الطائرات، في أروقة بروكسل، وصارت العبارة المجلجلة، أوروبا اليوم أكثر اتحادا من أي وقت مضى، وهو الشعار الجديد في أروقة بروكسل، ومثلت تعويذة تتكرر لدرء أشباح الأزمات الأخيرة، وتبرز في الخارج أن أوروبا لديها مرة أخرى مشروع سياسي مشترك“.

قد يهمك: أسلحة روسية منقولة من سوريا إلى أوكرانيا

ويعتقد سلامة، أن مشروع تكامل الاتحاد الأوروبي حول إعادة عسكرة أوروبا، هو عملية جارية منذ سنوات؛ غير أن الغزو الروسي لأوكرانيا سارع بتنفيذ هذا المشروع بشكل كبير ومنحه الشرعية الدائمة.

وحول ذلك يضيف:” المثال الذي يضرب في ذلك السياق هو الاستفتاء الأخير في الدنمارك الذي تخلت بموجبه الدولة الإسكندنافية بعد 30 عامًا عن بند الاستبعاد الطوعي لسياسات الدفاع في الاتحاد الأوروبي، حيث أيد معظم الناخبون في البلاد، اندماج الدنمارك في البرامج العسكرية للاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل أكبر انتصار لمقياس الاتحاد الأوروبي”

ويأتي توقيع بايدن، على بروتوكول موافقة بلاده على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، بعد موافقة مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة لصالح الخطوة بتصويت 95 عضوا مقابل واحد، لصالح انضمام الدولتين، ما يجعل واشنطن الدولة الـ23 من أصل 30 بلدا التي تقر الانضمام رسميا.

وتنتظر فنلندا والسويد موافقة رسمية من اليونان والتشيك والبرتغال والمجر وإسبانيا وسلوفاكيا، وتركيا.

وتُشير التقديرات، إلى أن تجري عملية الانضمام للناتو رسميا نهاية العام الجاري، ضمن استراتيجية جديدة للحلف تستهدف تعزيز التمركزات العسكرية في أوروبا لمواجهة أي تمدد روسي محتمل.

تغيير المعادلة

انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، يعني تغيرا ملحوظا في رقعة الشطرنج الجيوسياسية العالمية بحسب رأي سلامة، لا سيما بما يشكله ذلك التوسع من تداعيات مستقبلية، ففنلندا العدو السابق للاتحاد السوفيتي السابق، تتاخم روسيا في حدود 1300 كيلومتر، وبهذه الطريقة، إضافة إلى دول الشمال الأوروبي التي تتمتع بإمكانيات عسكرية ملحوظة“.

ويوضح سلامة، أنه: “في سياق أصداء الحرب في أوكرانيا، وافقت الدول الأعضاء على البوصلة الاستراتيجية في آذار/مارس 2022، وهي خطة عمل لتعزيز سياسة الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي من الآن وحتى عام 2030، وعلى الرغم من أن هذه البوصلة الاستراتيجية كانت قيد الإعداد منذ عامين، إلا أن محتواها تكيف بسرعة مع السياق الجديد الذي أحدثه الغزو الروسي لأوكرانيا“.

ويختم سلامة، حديثه بالقول: “خلع عباءة الحياد التي لطالما تدثرت بها كل من السويد وفنلندا لعقود طويلة، سيمثل لـ”لناتو” ليس فقط ذا أهمية مادية واستراتيجية، ولكنه يمثل أيضا انتصارا سياسيا بعيد المدى لمواجهة روسيا. لا يمكن التهوين من الرقم الجديد المضاف لحلف شمال الأطلسي بعد انضمام السويد وفنلندا للحلف، وعلي الأقل خاصة في ساحة القطب الشمالي، إحدى الساحات الواسعة التي لا يستبعد أن تكون ساحة كبرى بين العدوين اللدودين روسيا الفيدرالية والولايات المتحدة في قابل السنوات“.

وشكلت تركيا فقط تحديا للقرار، وطالبت فنلندا والسويد بتسليمها عشرات من معارضي حكومتها الموجودين على أراضي الدولتين والتي تصنفهم أنقرة “إرهابيين” مقابل إعطاء دعمها، إلا أن المعارضة التركية لا يبدو أنها ستكون عائقا في انضمام الدولتين إلى الحلف.

وسبق أن أعلن الكرملين، أن وزارة الدفاع الروسية تدرس خيارات الرد، إذا تم نشر البنية التحتية للناتو قرب الحدود الروسية، بعد ضم السويد وفنلندا إلى الحلف.

وكان بوتين، قد حذر من أن روسيا، ستضطر للرد بالمثل، إذا نُشرت في البلدين وحدات عسكرية وبنى تحتية عسكرية، واصفا “الناتو” بأنه أداة حرب باردة ويعبّر عن السياسة الخارجية الأميركية.

قد يهمك: أوروبا أمام “كارثة نووية”.. ما علاقة روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.