شهدت العلاقات الروسية الإيرانية تطورا مهما في الفترة الماضية، خاصة بعد استضافة العاصمة الإيرانية طهران، في التاسع عشر من تموز/ يوليو الفائت، القمة السابعة لقادة دول مسار “استانا”، الذي تأسس إثر توافق “روسي – تركي” عام 2017، وانضوت فيه إيران لاحقا.

ورغم أن الاجتماع كان مخصصا للمسألة السورية، فقد ناقش الزعماء الثلاثة أهم القضايا على الساحتين الإقليمية والدولية، مثل الحرب الأوكرانية، وأزمة الغذاء والطاقة، إضافة لقضايا ثنائية.

وسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال الزيارة، للاجتماع بالمسؤولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى علي خامنئي، بهدف ترسيخ التحالف الإيراني الروسي، بوصف ذلك ثقلا موازنا للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء الدولتين.

وبحسب ما أورده موقع “العربية نت”، تجاوز خامنئي، في دعمه الرؤية الروسية لغزو أوكرانيا، جميع الدول الأخرى الداعمة لروسيا. إذ جاء في بيان صادر عن مكتبه أن “الحرب مسعى عنيف وصعب، والجمهورية الإسلامية ليست سعيدة على الإطلاق بأن الناس محاصرون في الحرب، لكن في حالة أوكرانيا، لو لم تتولَ القيادة الروسية زمام المبادرة، لكان الطرف الآخر قد فعل ذلك، وبدأ الحرب”.

 وقامت وفود روسية، بزيارة إلى مطار “كاشان” جنوبي طهران، مرتين خلال شهر تموز/يوليو الماضي، للاطلاع على طائرات “شاهد -191″، و”شاهد 129″، وهي طائرتان من دون طيار، يمكن تجهيزهما بصواريخ دقيقة التوجيه، بحسب موقع “اندبندنت عربية“.

وفي مستهل زيارته إلى روسيا مطلع هذا العام، صرّح الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أن “المصالح المشتركة بين إيران وروسيا في المنطقة ستضمن الأمن، وتضع حدّا لنهج الأحادية. ويمكن للبلدین توظيف إمكانياتهما لتحسين الأوضاع في المنطقة”. كما صرّح سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن “صياغة وثيقة تعاون، تبلغ مدتها عشرين عاما مع روسيا، أوشكت أن تنتهي، وستكون مماثلة لوثيقة التعاون الإيرانية الصينية، التي تبلغ مدتها خمسة وعشرين عاما”.

فهل تتطور العلاقات الروسية الإيرانية باتجاه تشكيل شراكة استراتيجية طويلة الأمد في مواجهة الغرب؟ أم أنه ما يزال هناك كثير من التناقضات بين البلدين، ما يمنع نشوء مثل تلك الشراكة؟

العقوبات الغربية وتطوير العلاقات الروسية الإيرانية

 أشار بيان مكتب المرشد، المذكور أعلاه، أن “لقاءه ببوتين رسالة مفادها، أن العقوبات الغربية على روسيا، ومثيلاتها التي خنقت الاقتصاد الإيراني، ستؤدي بالعلاقة المشحونة بين موسكو وطهران إلى شراكة حقيقية”.
وكان اللافت في قمة طهران/استانا، إعادة تفعيل الدور الإيراني بعد تهميشه لسنوات، ما يدعو للتساؤل حول دور العقوبات الغربية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في تطوير العلاقات الروسية الإيرانية.

نصر اليوسف، الأكاديمي والمحلل السياسي الخبير بالشأن الروسي، يرى، أن “التفاهم بين موسكو وطهران في مراحل متقدمة، وقد تصل العلاقات الروسية الإيرانية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. فلطالما دافعت موسكو، عن إيران في مجلس الامن والمحافل الدولية، وكانت من الداعمين الرئيسيين لاتفاقية الملف النووي الايراني لعام 2015، إضافة لاستخدام موسكو للأراضي الايرانية نقطة لوجستية لتنفيذ عملياتها العسكرية في سوريا. ورغم تشعّب العلاقات، والخلافات بين الطرفين في عدة ملفات، إلا أن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما”.

 ويضيف في حديثه لموقع “الحل نت”: “تمخضّت القمة الثلاثية المعقودة في طهران عن تفاهمات ثنائية، للارتقاء بالعلاقات الروسية الإيرانية إلى شراكة استراتيجية. وذلك تتويجا لحالة التفاهم والتناغم بين البلدين في النظر لكثير من الأحداث والصراعات التي يشهدها العالم، ابتداء من سوريا، مرورا بأذربيجان وأرمينيا، وصولا إلى أوكرانيا. والعلاقات بين الشرق والغرب عموما”.

من جهته يعتبر مصطفى النعيمي، الباحث المشارك في “مركز تحليل السياسات الإيرانية”، أن “الغزو الروسي لأوكرانيا سيساهم في تشكيل تحالف استراتيجي بين إيران وروسيا، نظرا لحالة التخادم بين الطرفين في مواجهة العقوبات الأميركية، إلى جانب الشراكة العسكرية بينهما، ومساعي طهران لاستغلال نفوذ موسكو لتحقيق مآربها في كافة المجالات”.

وعليه، يفسّر النعيمي، في حديثه لموقع “الحل نت”، ترك الباب مفتوحا من قبل طهران أمام تزويد روسيا للصين بالنفط، في إطار “استراتيجية تخادم، مبنية على أولويات الأهداف للأطراف الثلاثة، إيران وروسيا والصين، في الابتعاد عن الأنظمة التجارية والمالية العالمية السائدة، مثل نظام سويفت. بالتزامن مع مساعي تلك الدول لإنشاء تحالف اقتصادي بديل، يقوم بإيصال المال عبر الحدود بين بنوك الدول الثلاث، مما يمنحها هامش القدرة على تجاوز العقوبات الغربية، بنسبة تتعدى الثلاثين بالمئة، ويساهم في تعافي اقتصاداتها، التي تتجه صوب حافة الانهيار”.

هل ستتجه موسكو وطهران نحو تعاون عسكري؟

لسنوات مضت كانت موسكو حريصة على عدم الاقتراب أكثر من اللازم من طهران، رغم العدائية المشتركة بينهما للولايات المتحدة الأميركية، وتعاون موسكو وطهران عسكريا في حرب سوريا. فقد ضيّقت محاولات بوتين بناء علاقات مع إسرائيل، والدول العربية من هامش مناوراته بإقامة تحالف كامل مع طهران، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا غيّر المعادلة، ودفع العلاقات الروسية الإيرانية خطوات إلى الأمام.

ورغم التعاون السابق في المجالين النووي والعسكري بين البلدين، إذ تُعتبر روسيا الشريك الأساسي لإيران في برنامجها النووي، ومصدر تزويدها بالتكنولوجيا النووية، إضافة إلى التعاون في الحفاظ على ما يسميه الطرفان “أمن المنطقة”، إلا أن موسكو امتنعت عن تزويد طهران بالأسلحة التقليدية المتطورة، ومنها منظومة الدفاع الصاروخي “إس 400”.

وبحسب نصير اليوسف، فإن “العقدة الروسية تكمن في تحقيق التوازن بين علاقتها بطهران، وعلاقتها بدول الخليج العربي، من خلال إقناع الطرفين أن العلاقة مع أحدهما ليست موجهة ضد الطرف الآخر”. مستدركا بالقول: “لكن هل ستتمكن موسكو من إقامة هذا التوازن؟ هنا السؤال”.

مضيفا، أن “إحجام الكرملين عن بيع أسلحة متطورة لطهران، في السنوات الماضية، ناتج عن خشية الشركات الروسية من الوقوع تحت مقصلة العقوبات الغربية. وعليه فإن العقوبات الأخيرة والشديدة على موسكو فتحت الباب على مصراعيه أمام تزويدها لطهران بتلك الأسلحة، بعد أن فرض الغرب كل ما باستطاعته من عقوبات على روسيا، ولم يعد أمام الكرملين والشركات الروسية ما يخشونه”.

ويخلص اليوسف، إلى أن “العلاقة القوية بين دولة عظمى عالمية ودولة عظمى إقليمية تفيد الطرفين، لذا فإن روسيا، التي تدّعي السعي لتشكيل عالم متعدد الأقطاب، ستستفيد من الوزن الإقليمي لإيران، في مقابل استفادة الأخيرة من وجود دولة عظمى، عسكريا وسياسيا على الأقل، تلعب دور المحامي عنها، نظرا لامتلاكها حق الفيتو في مجلس الامن”.

إشكالية العلاقات الروسية الإيرانية

مصطفى النعيمي، يخالف اليوسف بالرأي، على اعتبار أن “الحاجة الماسة لإيصال الإمدادات للقوات الروسية المساهمة في غزو أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على موسكو، تصعّب رجحان كفة على أخرى لدى موسكو، في علاقاتها مع إيران ودول الخليج العربي، ما يدفعها لمسك العصا من المنتصف، ضمن أولويات إدارة الأزمة لديها، الأمر الذي يخلق حالة من عدم الثقة مع الجانب الإيراني، الذي يخشى من انحياز موسكو لحلفائها الخليجيين في وقت ما، بعيدا عن أولويات طهران. لذا من المبكّر جدا الحديث عن صفقات عسكرية بين موسكو وطهران، وفقا للتكتيكات التي تتبعها روسيا مع حلفائها أو خصومها، لما قد تحدثه من أضرار على بنية المؤسسة العسكرية الروسية”.

ويتابع بالقول: “إلا أن موسكو قد تترك الباب مفتوحا تجاه تأمين عجزها في مجال الطائرات المسيرة، بعد تعثر تقدم قواتها في المعارك المختلفة التي تخوضها بأوكرانيا، مستعينةً بطهران لسد ذلك العجز”.

ومن المفارقات أن سوريا، التي ساهمت أحداثها بتطوير العلاقات الروسية الإيرانية، شكّلت في الوقت ذاته سببا للخلاف، الذي ظهر بحدة أحيانا. ما يشكك بإمكانية وفعالية قيام شراكة استراتيجية بين الطرفين.

وفيما يلخّص رجب سافاروف، أحد كبار الباحثين الروس المتخصصين في الشأن الإيراني، العلاقات الروسية الإيرانية بالقول: “إيران الموجّهة نحو الغرب ستكون أسوأ لروسيا من إيران المسلّحة نوويا، وستقود إلى انهيار روسيا”، يرى علي واعظ، عضو “مجموعة الأزمات الدولية”، أن “روسيا وإيران لا تثقان ببعضهما البعض، لكنهما الآن بحاجة إلى بعضهما أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد الشراكة بينهما اختيارا، بل تحالفا بدافع الضرورة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.