يتزايد الحديث عن “العودة الطوعية للاجئين السوريين”، سواء في تركيا أو لبنان، رغم أن سوريا ما تزال ساحة للنزاع متعدد الأطراف، حتى بعد توقف معظم العمليات القتالية فيها، في ظل وجود عديد من الميليشيات والتنظيمات المتطرفة والطائفية. وذلك يجعلها غير آمنة، على الرغم من ادعاءات حكومة دمشق، وحلفائها الروس والإيرانيين، بعودة الاستقرار إلى معظم المناطق.

ومنذ مطلع العام الحالي زادت الدعوات في تركيا ولبنان لإعادة اللاجئين السوريين، خاصة من الأحزاب السياسية في البلدين، والتي اتخذت من وجود السوريين ورقة للمساومات السياسية، للوصول إلى مراكز الحكم، وترافق ذلك مع بروز خطط في الآونة الأخيرة، تتعلق بإعادة اللاجئين بشكل “طوعي” وآمن.

كثير من المراقبين والقانونيين يؤكدون أن ما يسمى “العودة الطوعية للاجئين السوريين” ليس في حقيقة الأمر سوى إعادة قسرية، من خلال التحايل على القوانين الدولية، واستغلال صمت المجتمع الدولي على مأساة السوريين.

ما العودة الطوعية للاجئين؟

تعتبر العودة الطوعية، أحد الحلول الثلاثة الدائمة بالنسبة للاجئين، وهي: إعادة التوطين في بلد ثالث، وتتم عندما يكون اللاجئون أو ملتمسو اللجوء في بلد يعطيهم الحماية المؤقتة، كما هو حال السوريين في تركيا، والأردن، ولبنان، حيث تم إعادة توطين عدد من السوريين في بلدان أخرى تمنح صفة اللجوء، وعادة ما يكون هذا بالتنسيق بين منظمة الهجرة العالمية ومفوضية اللاجئين.

أما العودة الطوعية، فهي الحل الذي يُعطى الأولوية بوصفه حلا دائما للاجئين؛ فيما يكون الحل الثالث هو الاندماج في المجتمع المضيف، بحيث يبقى اللاجئون في الدولة المضيفة وفق قوانينها.

من جهة ثانية، هناك نمطان من الإعادة الطوعية لللاجئين يتم العمل بهما: الأول العودة الطوعية بشكل جزئي، كما في الحالة السورية، ويعود اللاجئون بموجبه من دول اللجوء بأعداد محدودة، إثر طلب يتقدمون به إلى الدول المضيفة، بإشراف مفوضية شؤون اللاجئين، أو بموجب قوانين البلدان التي يقيمون فيها.

أما النمط الثاني، فهو العودة الطوعية الكاملة للاجئين، بموجب اتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين، وتتم عندما يتغير وضع اللاجئين قانونيا، نتيجة تغير الظروف في بلدانهم، كأن تتحسن أوضاعها، أو تنتهي الأسباب التي دعتهم للجوء. وعندها يحق للبلدان المضيفة إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، دون النظر إلى نيتهم في العودة، طالما أن ذلك يتم وفق قوانين حقوق الإنسان. ولكن يجب أن يكون التغيير في بلدان اللاجئين الأصلية جوهريا، بحيث يؤمّن لهم الحماية والأمن بشكل رئيسي.

تركيا ووهم “العودة الطوعية للاجئين السوريين”

تعتبر اتفاقية اللجوء لعام 1951، والبروتوكول اللاحق لها، الأساس في تنظيم أوضاع اللاجئين حول العالم، إذ حُددت فيه الأسباب، التي يمكن بسببها أن يلجأ شخص ما إلى دولة أخرى. وعرّفت اللاجئ بأنه “كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد على أساس عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية أو رأي سياسي”.

كما نظمت الاتفاقية الحقوق والواجبات الأساسية بالنسبة للاجئين، في الدول التي تمنحهم صفة اللجوء، وشددت على عدم الإعادة القسرية للاجئين، في المادة 33 منها.

ولكن هناك دول عديدة لم تصادق على الاتفاقية، كي لا تكون ملتزمة بتنفيذها، وهناك دول صادقت عليها بشكل جزئي، كما هو حال تركيا، التي قبلت الاتفاقية بشروط “زمنية وجغرافية”، تمنح بمقتضاها حق اللجوء للقادمين من الدول الأوروبية فقط، أما القادمون من غيرها فيتم منحهم الحماية المؤقتة، وهو ما انطبق على السوريين، وفق قرار أصدرته السلطة التشريعية في تركيا، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ الثاني والعشرين تشرين الأول/أكتوبر 2014.

ومن هنا لا ينطبق قانونيا وصف “اللاجئين” على السوريين الموجودين في تركيا، وإن كانت السلطات التركية تطلق عليها هذه الصفة، إذ لا تشملهم قوانين اللجوء، وإنما يتم منحهم صفة “الحماية المؤقتة”، وهي صفة وطنية وليست دولية، أي بإمكان تركيا سحب هذه الصفة في الوقت الذي تشاء، وهذا ما يبرر عمليات الإعادة القسرية للاجئين سوريين من تركيا إلى الشمال السوري، ولكن بصفة “طوعية” شكلا.

وشهدت تركيا عمليات إعادة قسرية (ترحيل قسري) للاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، بأعداد لافتة، وتحت ذرائع مختلفة.

فبحسب أرقام حديثة لوزارة الداخلية التركية، يتواجد في تركيا حاليا 3 ملايين و648 ألف و710 لاجئ سوري. وبحسب تصريحات أدلى بها مؤخرا إسماعيل جاتاكلي، نائب وزير الداخلية التركي، فإنه منذ مطلع العام الحالي، وحتى حزيران/يونيو الفائت، تم ترحيل 48233 لاجىء سوري إلى سوريا، من بينهم 16 ألف لاجىء في حزيران/يونيو فقط. وأشار إلى أنه من بين المُرحلين 4659 سورياً، قُبض عليهم في البحر.

أما بيانات معبر “السلامة” الحدودي مع تركيا، لشهر حزيران/يونيو الفائت، فتشير إلى أن عدد القادمين من تركيا إلى سوريا قد بلغ 8544 شخصا، بينهم 1729 شخصا تم ترحيلهم قسريا.

وبحسب معلومات “الحل نت” فإن السلطات التركية كثّفت، خلال حزيران/يونيو الماضي، نقل السوريين المخالفين، المقيمين على أراضيها، إلى مخيمات بولايات تركية مختلفة، تمهيدا لترحيلهم. وهذه الخطوة جاءت تطبيقا لقرار أعلنت عنه الحكومة التركية، في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، عبر وزارة الداخلية، يقضي بعدم منح إقامة سياحية، أو بطاقة حماية مؤقتة “كيمليك”، للسوريين الوافدين حديثا إلى تركيا.

ومؤخرا لجأت تركيا إلى ذريعة جديدة لترحيل سوريين، بحسب اطلاع “الحل نت”، فمنذ مطلع حزيران/يونيو الفائت، جمدت تركيا بطاقات الحماية المؤقتة، الخاصة بأشخاص أفادت بأنهم غيروا أماكن أقامتهم، التي مُنحوا البطاقات على أساسها، أو لم ينجزوا معاملات رسمية استنادا إلى تلك البطاقات، أو رُفعت دعاوى قضائية بحقهم، تحت ذريعة إزعاج الجوار. وبالتالي يُصار إلى ترحيل معظم الأشخاص المجمدة بطاقاتهم، بعد حجزهم احتياطيا، في انتظار صدور قرارات الترحيل.

ويبلغ عدد السوريين الذي عُطلت بطاقاتهم نحو 122 ألف سوري، موزعين على الولايات التركية، ونادرا ما يتمكن أحد السوريين، ممن صدر بحقه قرار الترحيل، من اللجوء إلى القضاء، لتعطيل الترحيل، وقد نجحت حالات قليلة بإبطال القرارات من هذا النوع.

محمد ع، سوري كان يقيم في اسطنبول، أشار، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن “دورية للشرطة التركية أوقفته بحجة عدم تحديثه لمكان إقامته في المدينة، وقامت بتسليمه لدائرة الهجرة التركية، التي قامت بترحيله إلى الشمال السوري، بعد اعتقال دام نحو أسبوعين، متنقلا بين اسطنبول وغازي عنتاب”.

ولفت محمد إلى أنه “شاهد عشرات السوريين في مراكز الاحتجاز المعدّة لترحيل السوريين”، مبينا أنه “أُجبر على توقيع أوراق تفيد بأن عودته إلى سوريا كانت طوعية، ولم يكن أمامه أي خيارات أخرى سوى التوقيع”.

لبنان وخطط الإعادة القسرية للاجئين السوريين

مؤخرا أعلنت الحكومة اللبنانية عن خطة تقضي بإعادة خمسة عشر ألف لاجئ شهريا إلى سوريا، حيث تتولاهم حكومة دمشق، وتقيم لهم مراكز إيواء، فيما يمكن تسميته “منطقة آمنة لبنانية”، ما يساهم بإعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين بيروت ودمشق. رغم أن العديد من السوريين في لبنان غادروا بلادهم بسبب الأعمال العسكرية، التي رعاها حزب الله اللبناني، بتوجيه ودعم من الحرس الثوري الإيراني. ولعل ما شهدته المناطق الحدودية السورية مع لبنان، لا سيما تلك التابعة لمحافظة حمص، خير دليل على طبيعة الممارسات التي أدت إلى لجوء السوريين إلى لبنان، وهوية الجهات التي قامت بها.

منذ بداية اللجوء السوري إلى لبنان، لم تمنح السلطات اللبنانية السوريين حقوقهم كلاجئين، على اعتبار أن لبنان ليس عضوا في اتفاقية 1951 الخاصة باللجوء، وهذا ما أدى إلى معاناة السوريين من العديد من الصعوبات على المستوى القانوني والمعيشي.

وحول خطة إعادة اللاجئين السوريين من لبنان، طرحت الحكومة اللبنانية خيارين أمام اللاجئين: إما التعهد للحكومة السورية بعدم الإضرار بالدولة السورية، أو الترحيل إلى دولة ثالثة بالنسبة للمعارضين.

ومن الناحية القانونية، لا يمكن اعتماد الخيار الأول لسببين: الأول أنه مبني على افتراض أن اللاجئين السوريين قد أخلّوا بالأمن العام، أو أضروا بالنظام السياسي، وبالتالي يجب أن يطلبوا العفو من حكومة دمشق؛ والثاني أن السجل الحقوقي للحكومتين السورية واللبنانية لا يمكن الوثوق به، أي أن الوعود بالعودة الآمنة والكريمة ليست سوى وعود خلّبية.

أما حول عمليات الترحيل من لبنان، فعلى الرغم من أن نحو 850 ألف سوري في لبنان مسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين، إلا أن السلطات اللبنانية تتجاوز القوانين والمعاهدات والأعراف بهذا الشأن، من خلال تفسير بعض القوانين لصالحها.

ومن أبرز الوسائل التي تستخدمها السلطات اللبنانية، اتهام اللاجىء بالإرهاب، والتذرّع بالحفاظ على الأمن الوطني، وهناك حالات تجبر فيها السلطات اللاجىء على توقيع أوراق تفيد برغبته في العودة إلى سوريا.

وبحسب “المرصد الأورومتوسطي”، رحّلت السلطات اللبنانية، بتاريخ السادس والعشرين من نيسان/أبريل 2019، ستة عشر سوريا، بعضهم مسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين، وأعربوا عن خوفهم من التعذيب والملاحقة في حال إعادتهم إلى سوريا، لكن السلطات اللبنانية حرمتهم حق الاعتراض أو الدفاع، وأجبرتهم على توقيع استمارات “عودة طوعية”.

وهذا ما يتعارض مع القرار الطوعي بالعودة، الذي يجب أن يتضمّن عنصرين: الأول الحرية في الاختيار، بغياب أي وسائل للضغط الجسدي أو النفسي؛ والثاني اتخاذه بشكل واعٍ، وبناء على معلومات موضوعية حول الظروف في سوريا.

وبحسب المرصد، فهناك أدلة تثبت تعرض بعض العائدين إلى سوريا، بين عامي 2017 و2021، لانتهاكات من قبل حكومة دمشق، شملت الخطف والاعتقال والتعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري والقتل.

 أوس ح، اعتقلته استخبارات الجيش اللبناني، في تشرين الأول/أكتوبر 2021 في بيروت، بحجة عدم حيازته إقامة رسمية في لبنان، وبقي محتجزا نحو أسبوع في أحد مراكزها، ثم سلمته للأمن العام اللبناني، الذي سلمه لدمشق، وهناك تم نقله إلى فرع التحقيق العسكري، ومنه إلى سجن صيدنايا، ما اضطر ذويه لدفع مبلغ عشرة آلاف دولار للإفراج عنه، على الرغم أنه مدني، ولم ينتسب يوما للمعارضة، أو لأي جهة أخرى.

وأوضح أوس لموقع “الحل نت” أنه “تعرّض، خلال احتجازه في مركز استخبارات الجيش اللبناني، إلى الإهانة والضغوط النفسية بشكل كبير، إضافة لرفض السلطات اللبنانية منحه فرصة للسفر لأي بلد آخر غير لبنان”.

مبدأ عدم الإعادة القسرية

على الرغم من أن مصادقة تركيا على اتفاقية اللجوء لعام 1951 جزئية فيما يتعلق بالسوريين، وعلى الرغم من أن لبنان غير مصادق على الاتفاقية، فإن هناك قواعد قانونية دولية لا بد من تطبيقها، تنص على عدم إعادة اللاجئين السوريين قسريا إلى سوريا.

فتركيا تخالف الفقرة الأولى من المادة 33 من اتفاقية 1951 للاجئين، والتي تنص على أنه “لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده، بأية صورة من الصور، إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية”.

وأما لبنان فإنه يخالف، ومعه تركيا أيضا، القانون الدولي العرفي، الذي ينص على عدم إعادة أي لاجئ، عندما يكون هناك احتمال تعرضه لأخطار، مثل التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لذلك تعتبر قاعدة عدم الإعادة القسرية ملزمة لكافة الدول، سواء كانت طرفا في اتفاقية 1951 أم لم تكن.

كما تخالف الدولتان اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1987، والتي تنص، في الفقرة الأولى من المادة الثالثة فيها، على أنه ” لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون تحت خطر التعرض للتعذيب”.

وقد نتج عن بعض عمليات الإعادة القسرية تعرض بعض المعادين إلى عمليات اعتقال من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق، خاصة المعادين قسرا من لبنان؛ وعمليات اختطاف وقتل، خاصة المعادين قسرا من تركيا. كما في حالة الشاب محسن خالد كليب، من بلدة “السفيرة” بريف حلب، الذي رحلته السلطات التركية قسرا من مدينة إسطنبول إلى الشمال السوري، وتم اعتقاله من قبل إحدى الفصائل المرتبطة بهيئة تحرير الشام، وأُعدم في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بتهمة انتمائه للمعارضة المسلحة. ليثبت فيما بعد أنه مدني، وأن الجهة التي اعتقلته طلبت فدية مقابل إطلاق سراحه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.