يُعتبر المكون السياسي السني من أبرز أركان المحاصصة السياسية في العراق، وتشمل حصته، إضافة الى رئاسة البرلمان العراقي، عددا من المناصب الوزارية المهمة.

وينقسم ممثلو المكون الى جبهتين رئيسيتين، يتزعّم الأولى رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، عبر تحالفه “تقدم”، الذي يحوز اثنين وأربعين مقعدا برلمانيا. ويأتي بعده تحالف “العزم”، بأربعة وثلاثين مقعدا، ويضم مجموعة من الوجوه السياسية المعروفة، مثل رئيس مجلس النواب السابق محمود المشهداني، ووزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي.

تَحالَف الحلبوسي منذ البداية مع الكتلة الصدرية، الفائزة بالأغلبية النيابية، ليشكلا، برفقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الركيزة الأولى لأول تحالف عابر للمكونات العرقية والطائفية في العراق، وهو ما يعتبر بمثابة انقلاب على مفهوم المحاصصة، بحسب تقرير موقع “ميدل إيست أي”، المنشور في الثاني من آب/أغسطس الحالي. إلا أن الوضع تغير فيما بعد، فما وضع المكون السياسي السني الآن؟ وما أبرز التحديات التي يواجهها؟

أين يتمركز الخلاف داخل المكون السياسي السني؟

نتيجة للصراع السياسي في العراق، وعدم توافق الكتل الشيعية، اتجه الحلبوسي، بدعم من الصدر، للتفاوض مع تحالف “العزم”. وأدت هذه المفاوضات إلى انشقاق بعض قيادات التحالف الأخير، وانضمامهم الى تكتل الصدر، مثل زعيم التحالف السابق خميس الخنجر، الذي أسس مع الحلبوسي تحالف “السيادة”، الذي بات أهم قوة في المكون السياسي السني.

وكرد فعل على ذلك، اتجه تحالف “العزم”، برئاسة مثنى السامرائي، إلى التحالف مع الإطار التنسيقي الموالي لطهران.

وبحسب تقرير”مؤسسة القرن الأمريكية”، المعنية بالبحوث السياسية، فإن هذا التحالف “يهدف الى كسر شوكة الحلبوسي، الذي استغل قوته السياسية لتعزيز شعبيته داخل محافظة الأنبار، من أجل الاستحواذ على المناصب المخصصة للمكون السياسي السني”.

ويشير التقرير، المنشور في الثامن من أيار/مايو، الى أنه “وضمن محاولات تحالف العزم لردع الحلبوسي، واستعادة شعبيته في الأنبار، اتجه للتوسط من أجل إلغاء تهم الإرهاب عن بعض السياسيين الأنباريين، مثل علي حاتم السليمان ورافع العيساوي”.

ولكن انسحاب الصدر من العملية السياسية، وتراجع قوة الحلبوسي، غيّر كثيرا من المعادلات السياسية، كما دفع عددا من حلفاء الصدر السنة للانسحاب من تحالفه، كما في حالة انسحاب أمين عام “حزب الجماهير الوطنية”، ومحافظ صلاح الدين الأسبق أحمد الجبوري من تحالف “السيادة”، وعودته الى تحالف “العزم”، في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي. وبرر الجبوري انسحابه بـ”رغبته في المشاركة السياسية الفاعلة، وهو ما لن يستطيع تحقيقه مع تحالف السيادة، بعد انسحاب الصدر من العملية السياسية”.

الموقف السياسي السني الحالي

أدت التطورات السياسية الأخيرة إلى تعطيل عمل البرلمان العراقي، الذي يعتبر مركز قوة المكون السياسي السني، ويشير مصدر في تحالف “تقدم” إلى أن “هذا الأمر دفع السُنة بشكل عام إلى تدارك الوضع، وفتح قنوات التواصل فيما بينهم، بغض النظر عن النتائج المتوقعة”.

المصدر، الذي فضّل عدم كشف هويته، أشار، في تصريحه لـ”الحل نت”، إلى أنه “حتى الآن لم يتوصل الطرفان الأساسيان في المكون السياسي السني إلى تفاهمات من شأنها ترقية العلاقات بينهما، ولكن المفاوضات مستمرة رغم ذلك”.

ويؤكد هذا مصدر في تحالف “العزم”، قائلا إن “الفترة القادمة قد تحمل توافقات معينة داخل المكون السياسي السني”. ولكنه يستدرك، في تصريحه لـ”الحل نت”، أن “هذه الآمال متعلقة بمسار الأزمة السياسية الحالية في العراق”.

وعن مستقبل العلاقات داخل البيت السني، يرى الباحث السياسي علي البيدر أن “تركيز السياسيين السنة محدود بالحفاظ على مصالحهم الخاصة، واستمرار نفوذهم داخل المنظومة السياسية، بغض النظر عن طبيعة تحالفاتهم”.

وينفي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “يمثل هؤلاء السياسيون مكوناتهم، بقدر تمثيلهم للاعتبارات الفئوية المحددة ضمن العشيرة والمنطقة، وهو ما أدى الى ضياع حقوق المكون السياسي السني بين نفوذ باقي المكونات ومناوراتها السياسية. وهو أيضا سبب تراجع شعبية سياسي السنة، وعدم قدرتهم على الصمود لعدة دورات نيابية، وسرعة غيابهم عن الواجهة السياسية”.

الدور الإقليمي ومستقبل المكون السياسي السني

وعن مدى تأثير القوى الإقليمية على قرار المكون السياسي السني، يقول مصدر سياسي عراقي لـ”الحل نت”، رفض كشف هويته، إن “إيران تسيطر بالفعل على عدد من الشخصيات السنية المؤثرة، وتحاول استغلال الخلاف الحاصل بينها، من خلال وعودها بتعزيز مكانة المتعاونين معها، مقابل توطيد وجودها داخل محافظاتهم”.

وعن الدور التركي، فقد أشارت صحيفة “ذا ناشيونال”، في تقريرها الصادر مطلع تشرين الأول/أكتوبر عام 2021، إلى “علاقة تركيا الوثيقة مع بعض الأحزاب السنية. وتُدرج هذه العلاقة ضمن محاولات أنقرة تعزيز دورها في العراق، بوصفها بديلا عن النفوذ الإيراني. وهو ما زاد من حدة الخلافات الحاصلة داخل المكون السياسي السني”.

هل نشهد احتجاجات شعبية سنية؟

وعن احتمالية أن يؤدي استمرار الأزمة السياسية العراقية إلى احتجاجات داخل المناطق السنية، يرى “معهد دول الخليج العربي” في واشنطن، المختص بدراسة العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، في تقريره الصادر في الثامن من آب/أغسطس الجاري، أن “استمرار السياسات الحكومية، المهملة للمناطق السنية، وتعاون السياسيين السنة مع توجهات الحكومة وأحزابها، يزيد من حدة السخط الشعبي السني ضدهم، وقد يؤدي مستقبلا الى إشعال فتيل أزمة جديدة”.

وبالمقابل يستبعد مصدر سياسي سني مثل هذه الترجيحات، وينوّه، في تصريحه لـ”الحل نت”، إلى أن “المحافظات السنية لم تشارك ضمن احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، أو الاحتجاجات الحالية، بسبب خوفها من تكرار سيناريو احتجاجات عام 2013، وما تلاها من احتلال تنظيم داعش لتلك المحافظات”.

وهو ما يتفق معه التقرير الذي أعده “المجلس الأطلسي” المختص بأبحاث السياسة العالمية، مطلع عام 2020، على خلفية تظاهرات تشرين، والذي يرى أن “سيطرة الميليشيات الولائية، المنضوية ضمن الحشد الشعبي، على المناطق السنية، وخضوع مؤسسات المكون السياسي السني للنفوذ الحكومي، يمنعان أي محاولة لتعبئة الجماهير”.

وكان سنة العراق قد خرجوا في احتجاجات شعبية واسعة عام 2013، ضد السياسات الحكومية، التي اعتبروا أنها قائمة على تهميشهم. وقادت الحكومة العراقية، برئاسة نوري المالكي آنذاك، حملة لقمع المتظاهرين، أدت لاضطرابات أمنية كبيرة، انتهت بسيطرة تنظيم داعش على المحافظات ذات الأغلبية السنية، وتهجير كثير من أهلها.

وفي حين يؤكد كثير من مواطني تلك المحافظات أن سياسات التهميش مستمرة، يتساءل مختصون بالشأن العراقي عن مصير المكون السياسي السني، ومصير قواه المشتتة، في حال أدت الأزمة السياسية العراقية إلى انفجار الأوضاع في الشارع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.