توجد دلائل على أن نتائج الجهود المبذولة لتحرير الصحفي الأميركي أوستن تايس، الذي اختفى في سوريا في العام 2012 والذي تعتقد الولايات المتحدة أن الحكومة السورية تحتجزه، بدأت تظهر. ومع ذلك، ترى عائلته بأن على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهود. فقد مضى عشرة أعوام على اختفاء هذا الصحفي. ويُعتقد أن حكومة دمشق قد اعتقلته منذ ذلك الحين، إلا أن تحريره لا يزال أمرا بعيد المنال.

وبينما يقول أحد أرباب عمله أن جهود توفير حريته تكتسب زخما، تبقى عائلة تايس غير مقتنعة بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تفعل ما يكفي لدفع الحكومة السورية لإطلاق سراحه. ويأتي ذلك بشكل جزئي نتيجة للتعقيدات الدبلوماسية الناجمة عن عدم وجود علاقات رسمية بين واشنطن ودمشق.

وفي هذا الأسبوع قالت شركة “McClatchy”، وهي شركة الصحيفة الأميركية التي كان يعمل لصالحها من بين الصحف الأخرى، أن الجهود متعددة الجنسيات التي بذلت لإطلاق سراح تايس أظهرت بوادر انتعاش، وأن اتصالات مباشرة بين الحكومتين الأميركية والسورية جرت من أجله.

وتقول متحدثة باسم “McClatchy” يوم الاثنين الماضي أن التقدم الذي تم إحرازه جاء تتويجا لنشاط مكثف من قبل إدارة بايدن وقادة صناعة الصحافة. وتتابع موضحة: “بالنسبة لـ McClatchy، كانت الذكرى العاشرة لاختفاء تايس فرصة لتسليط الضوء على محنته التي استمرت عقدا من الزمن. وبالترادف، لتسليط الضوء على تقاعس ثلاث إدارات أمريكية عن العمل لمدة عشرة أعوام”.

وقد كتب الأسبوع الماضي ديبرا ومارك تايس، والدا السيد تايس الذي اختفى في شهر آب/أغسطس من العام 2012 خارج مدينة دمشق، مقالا للرأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أشاروا فيه إلى أن حفلات الزفاف في العائلة وحفلات التخرج وغيرها من اللقاءات العائلية مع ابنهم قد غابت منذ عشرة أعوام من اعتقاله. وحثا الرئيس بايدن على تكثيف الجهود الدبلوماسية لإطلاق سراحه.

وبحسب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية القضية، فقد بذلت الولايات المتحدة جهودا على نطاق واسع لإعادة تايس إلى البلاد، بما في ذلك الاتصال المباشر بالمسؤولين السوريين والعمل من خلال أطراف ثالثة. وأضاف المسؤول أنه بالرغم من ذلك، لم توافق الحكومة السورية بعد على مناقشة قضية تايس.

وفي بيان الأسبوع الماضي قال بايدن أن إدارته طلبت من الحكومة السورية مرارا العمل معهم من أجل إعادة تايس إلى الوطن. وقد دعا في الذكرى السنوية العاشرة لاختطاف الصحفي سوريا إلى إنهاء هذا الأمر ومساعدة الولايات المتحدة لإعادته إلى الوطن، مضيفا أن الولايات المتحدة متأكدة من أن الصحفي كان محتجزا من قبل الحكومة السورية. وقد أكد بايدن بأنه ليس لدى إدارته أولوية أعلى من إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين والمعتقلين ظلما في الخارج.

وإذا كان لا يزال على قيد الحياة، كما تعتقد الولايات المتحدة، فسوف يكون تايس، ضابط المشاة السابق في البحرية الذي رافق الجيش في العراق وأفغانستان، قد قضى أطول فترة احتجاز بين الرهائن الأميركيين المحتجزين في الخارج، حيث امتد أسره عبر ثلاث إدارات أمريكية. وسيبلغ من العمر 41 عاما في الحادي عشر من شهر آب/أغسطس.

وعندما تم اختطافه، كان تايس يعمل في سوريا منذ شهور كـ “فري لانسر” لصحيفة “واشنطن بوست” و “McClatchy” وغيرها من الصحف الأخرى، حيث انخرط مع المعارضة المسلحة وكتب عنهم واصفا الحالة بالانتفاضة المناهضة للحكومة والتي تحولت إلى حرب أهلية.

أما الحكومة السورية، فلطالما أكدت عدم احتجازها لـ تايس وأن ليس لديها معلومات عنه. وقالت وزارة الخارجية السورية يوم الأربعاء الماضي إن تصريحات بايدن التي أدلى بها الأسبوع الماضي كانت مضللة وأنها وجهت اتهامات كاذبة ضد حكومة دمشق بخطف أو اعتقال مواطنين أمريكيين، بمن فيهم أوستن تايس.

لقد تعثرت جهود إطلاق سراحه بسبب حقيقة أن الولايات المتحدة علقت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا نتيجة القمع الوحشي الذي مارسته حكومة دمشق ضد المعارضة. وقد التقى والدا السيد تايس بجو بايدن في الثاني من شهر أيار/مايو الماضي في البيت الأبيض، حيث وجّه كبار مسؤولي الأمن القومي للتواصل بشكل مباشر مع الحكومة السورية، بحسب المقال الذي كتباه في صحيفة “واشنطن بوست”.

وبحسب نزار زكا، رئيس منظمة “Hostage Aid Worldwide”، جاء رئيس الأمن اللبناني عباس إبراهيم إلى واشنطن والتقى بمسؤولين من إدارة بايدن ووكالة المخابرات المركزية بعد أسابيع من ذلك اللقاء. كما أوضح زكا بأن منظمته تساعد إبراهيم والولايات المتحدة على الوصول إلى أدلة بشأن تايس على مدى العامين الماضيين. وأضاف بأن الهدف من الاجتماع كان إيجاد طريقة لإحراز تقدم مع السوريين الذين يراوغون باستمرار عندما يسألون عن السيد تايس.

ولـ إبراهيم الفضل في التفاوض على إطلاق سراح العديد من المحتجزين الغربيين في الشرق الأوسط، بما فيهم أميركي وكندي في سوريا. وكذلك السيد زكا، وهو مواطن لبناني احتجز في إيران لمدة أربعة سنوات واتهم بالتجسس لصالح الولايات المتحدة. وبعد لقائه في واشنطن، ذهب إبراهيم إلى دمشق والتقى بمسؤولين سوريين، إلا أن الاجتماع لم يثمر عنه شيء، بحسب زكا.

من جانبها لا تزال عائلة تايس تطالب بالاتصال المباشر بين إدارة بايدن والحكومة السورية، متجاهلة مخاوف وزارة الخارجية بشأن الاعتراف رفيع المستوى ببشار الأسد.

وفي العام 2014، أمضت والدة تايس ما يقارب ثلاثة أشهر في دمشق “تطرق الأبواب وتجري الاتصالات الهاتفية وتفعل كل ما في وسعها لمعرفة مكان أوستن”. وفي النهاية تلقت رسالة من مسؤول رفيع المستوى في الحكومة السورية يقول فيها: “لن أقابل الأم. أرسلوا مسؤول حكومي أميركي يحمل لقبا مناسبا”.

وعلى مر السنين الماضية، بذلت الحكومة الأميركية جهودا كثيرة لتأمين الإفراج عن تايس جاءت معظمها في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي جعل من أولويات إدارته إطلاق سراح السجناء والرهائن الأميركيين المحتجزين في جميع أنحاء العالم. ففي العام 2017، العام الأول من إدارة ترامب، انشأ البيت الأبيض قناة خلفية للتواصل مع الحكومة السورية. وفي شباط/فبراير من ذلك العام أجرى مايك بومبيو ومن ثم وكالة المخابرات المركزية اتصالا هاتفيا مع علي مملوك، رئيس جهاز المخابرات في مكتب الأمن القومي السوري الذي يخضع لعقوبات أميركية.

ومن ثم أرسلت الإدارة وسيطا للقاء مملوك وتسليم خطاب غير موقع من الحكومة الأميركية. إلا أن تلك الاتصالات تلاشت بعد أن نفذت الحكومة السورية هجوما بالغاز الكيميائي في شمال سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة، حيث جاء رد الولايات المتحدة بغارة صاروخية على قاعدة جوية سورية.

وفي آب/أغسطس من العام 2018، التقى أحد كبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية والخبير في شؤون الشرق الأوسط بـ مملوك في دمشق، وأثار قضية السيد تايس خلال اللقاء. وبعد ذلك بعامين، التقى مجددا مسؤولون أميركيون رفيعي المستوى، بمن فيهم روجر دي كارستينز، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون الرهائن، بـ مملوك في دمشق، في محاولة لتأمين الإفراج عن تايس ومواطن أمريكي آخر، وهو مجد كم الماز، معالج نفسي سوري المولد، تم اعتقاله عند نقطة تفتيش في العام 2017. لم تعترف كذلك الحكومة السورية باحتجاز كم الماز. وصرح مسؤول أميركي بعد أشهر من الاجتماع أن الجهود المبذولة لتأمين الإفراج عن الرجلين كانت في مراحلها الأولى.

غياب العلاقات الدبلوماسية الأميركية مع حكومة دمشق، جعل من جهود الاعتماد على هذه القنوات الخلفية والوسطاء عملية معقدة للغاية. فقد أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في دمشق في العام 2012، وأغلقت السفارة السورية في واشنطن في العام 2014 وعلقت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المسؤولين العسكريين والسياسيين السوريين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك على الشركات والبنوك السورية.

وقد وصف والدا السيد تايس في مقالهم المذكور العقبات التي ذكرتها الإدارة الأميركية بأنها “أعذار”. ورحبوا بكلمات بايدن التشجيعية إلا أنهم أشاروا إلى أن ابنهم يحتاج إلى أكثر من ذلك بعد 10 أعوام من الأسر. “إنه يحتاج أن تحول حكومتنا أقوال الرئيس إلى أفعال. يجب أن يعود إلى المنزل”، كتب والدا تايس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.