بعد تصاعد الدعوات الأممية والإغاثية من قبل منظمات المجتمع الدولي، بشأن 4.1 ملايين من السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدات في المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية مع اشتداد البرد وتفشي الكوليرا، وانتهاء فترة التفويض الأممي الخاص بنقل المساعدات إلى سوريا عبر معبر “باب الهوى” على الحدود مع تركيا، وافق أعضاء “مجلس الأمن الدولي” بالإجماع على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية لمدة 6 أشهر جديدة.

قرار “مجلس الأمن” جاء بعد تصاعد الدعوات للتحذير من “كارثة” إنسانية في حال عدم تمديد التفويض الأممي الخاص بنقل المساعدات إلى سوريا، وذلك بعد انتهاء فترة التفويض التي كان “مجلس الأمن” قد جدّدها في 12 تموز/يوليو الماضي لمدة 6 أشهر فقط في ظل ضغوط روسية معارضة، وخلافا للمرات السابقة التي كانت تمدد فيها الآلية لمدة سنة.

كما أن قرار “مجلس الأمن” المؤلف من 15 عضوا يأتي إلزاما في تقديم المساعدات الإنسانية بما يشمل الأغذية والأدوية والمأوى إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا منذ العام 2014، بعد أن رفضت السلطات السورية ذلك، بهدف تلافي كارثة إنسانية في حال فشل إعادة إيصال المساعدات عبر معبر “باب الهوى” الحدودي الذي يمثّل “شريان” الحياة لملايين السكان السوريين الذين استنزفتهم الحرب.

حدود الدعم الأممي للسوريين

القرار يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر “باب الهوى” من دون إذن من الحكومة السورية، وذلك لدعم ملايين المحتاجين إليها والذين تجاوز عددهم 15 مليون نسمة، بحسب ما أعلنته منظمة “منسقو الاستجابة” في سوريا، في حين لاقى التفويض الأممي ترحيبا أميركيا على الرغم من تشديد المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، على أن القرار كان يجب أن يكون لمدى عام كامل لا 6 أشهر فقط.

اقرأ/ي أيضا: دور للشركات الصينية في تنفيذ الأجندة الاقتصادية لـ “طالبان” الأفغانية؟

حسب الأمم المتحدة، فإن التفويض الأممي في تقديم المساعدات الإنسانية الذي سبق وتم تفعيله في تموز/يوليو الماضي، قد نجح في إيصال المساعدات إلى نحو 2.7 مليون شخص استفادوا شهريا منها خلال عام 2022، فيما لا يزال أكثر من أربعة ملايين يحتاجون إلى المساعدات، في وقت كانت روسيا قد عبّرت عن موقفها الرافض من استمرار آلية المساعدات، معتبرة ذلك محاولة غربية لعرقلة جهود تطبيع الأوضاع في البلاد وذلك لتقيد جهود الحكومة السورية المدعومة من موسكو وبكين.

بيد أنه وبالرغم من الاتهامات الروسية وتقيمها لآليات المساعدات الإنسانية الدولية، كان “مجلس الأمن الدولي” قد تبنى في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قرارا يهدف إلى السماح باستمرار المساعدات الإنسانية بدون عوائق في البلدان التي تستهدفها عقوبات الأمم المتحدة، ولا سيما تجميد الأصول، حيث صدر القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة وأيرلندا آنذاك بأغلبية 14 صوتا وامتناع الهند عن التصويت.

القرار ينص على أن المدفوعات أو الموارد الاقتصادية أو توفير السلع والخدمات اللازمة لتقديم المساعدة الإنسانية في الوقت المناسب أو الدعم للأنشطة الأخرى التي تخدم الحاجات البشرية الأساسية، مسموح بها ولا تشكل انتهاكا لتجميد الأصول المفروض من المجلس وأنظمة عقوباته، وينطبق ذلك على وكالات “الأمم المتحدة“، وكذلك المنظمات الإنسانية المشاركة في مختلف خطط العمل الإنسانية الأممية.

بالتالي فإن تمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود كان أمرا متوقعا خاصة وأن الأيام الأخيرة من عام 2022 أقر “مجلس الأمن” قرار الإعفاءات، كما يرى الباحث السياسي وائل علوان، ويشير إلى أن هذا القرار فتح المجال الواسع لقدرة الدور على دعم الحالة الإنسانية في سوريا دون النظر الى التحديات، مبينا أن هذا شكّل ضغطا على روسيا التي رضخت لسبب أن موسكو تقبلت ذلك لأنها لا تريد خسارة الورقة التفاوضية، ففي حال عطلت روسيا قرار إدخال المساعدات عبر الحدود فإن الغرب والمجموعة الدولية المناهضة لروسيا ستجد آليات بديلة.

المساعدات لا تلبي حاجة السوريين

علوان شرح ذلك بالقول “يمكن إتمام ذلك بالدرجة الأولى بالنظر إلى قانونية دخول المساعدات عبر الحدود دون الحاجة الى قرار مجلس الامن، وثانيا في إيجاد آلية دعم بدلية مختلفة أساسا عن آلية دخول المساعدات عبر الحدود وبذلك تخسر روسيا هذا الكارت التفاوضي الذي تناقش فيه الدول والذي تستطيع من خلاله تمرير كميات كبيرة أيضا من المساعدات لإنقاذ المناطق الخاضعة لسيطرة السلطات السورية”.

أما حول مدى جدوة التفويض الأممي لدخول المساعدات، بيّن الباحث السياسي أن قرار “مجلس الامن” في إدخال المساعدات عبر الحدود بقي على آليته السابقة من معبر واحد وهو “باب الهوا” الواقع شمال إدلب، كما أنه وعلى الرغم من محاسنه التي يمكن تحقيقها الآن، غير أن القرار بقي مؤطّرا بستة أشهر بمعنى أن بعد ذلك ستكون هناك جولة أخرى ومفاوضات جديدة يمكن أن تتيح لروسيا مكاسب جديدة تطمع في أن تحققها لصالح الحكومة السورية حليفتها.

اقرأ/ي أيضا: مخاطر فشل نمو الاقتصاد العالمي.. الرهانات والاستراتيجيات

وسط ذلك، لفت علوان إلى أن الاحتياجات الإنسانية في مناطق المعارضة السورية خاصة والمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية عموما تعيش حالة ازدياد كبير جدا، في حين أن المبالغ التي تقدمها “الأمم المتحدة” في آلية المساعدات عبر الحدود لا تغطي تلك الاحتياجات، الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال استمرار المعاناة في المخيمات والحاجة إلى دعم إنساني أكبر.

 كما أشار إلى أن قسم كبير جدا من أموال المساعدات الأممية تذهب إلى مناطق سيطرة السلطات السورية في وقت لا ينفّذ فيها أي إجراءات حقيقة لرفع المعاناة عن المدنيين الذين يعانون في عموم سوريا وفي مناطق سيطرة دمشق بشكل كبير جدا، مبيّنا أنه في مقابل ذلك تعمل الحكومة السورية على حملة مساعدات وهمية، في وقت تحقق فيه الحكومة السورية مكاسب كبيرة جدا من المساعدات.

وفقا للقرار رقم 2156 لعام 2014 اعتمدت إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر 4 معابر هي “باب السلام” و”باب الهوى” على الحدود السورية التركية، و”اليعربية” عند الحدود العراقية، و”الرمثا” على الحدود الأردنية.

حيثيات القرار

القرار رقم 2504 لعام 2020 قلّص المعابر إلى اثنين هما “باب الهوى” و“باب السلام” ولمدة 6 أشهر فقط، فيما أُغلق معبرا “اليعربية” في العراق و“الرمثا” في الأردن، وعقب ذلك قلّص القرار رقم 2533 لعام 2020 إلى معبر واحد هو معبر “باب الهوى”، وأضاف إدخال المساعدات عبر خطوط التماس من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة.

الجدير بالذكر أن سوريا تحتل المرتبة الأولى من بين دول العالم من حيث أعداد اللاجئين بـ 6.8 مليون لاجئ، بحسب أخر إعلان لمنظمة “الهجرة الدولية“، من بينهم مليونين، و80 ألف لاجئ في لبنان، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا 3 ملايين و 535 ألفا و 898، وفق إحصائيات إدارة الهجرة، فيما يقدر عدد السوريين في الأردن بنحو 1.3 مليون شخص، بينهم 676 ألفا و787 يحملون صفة لاجئ وطالب لجوء مسجلين في المفوضية، حتى أواخر العام الماضي، وفقا لإحصائيات رسمية.

بالمقابل، كان مبعوث الأمين العام لـ“لأمم المتحدة” إلى سورية غير بيدرسون، قد قال في الربع الأخير من الشهر الماضي، إن السوريين يواجهون أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة داخل وخارج البلاد، ووصف، خلال إحاطته الدورية أمام “مجلس الأمن الدولي” في نيويورك، الوضع في سورية بـ“الأكثر خطورة” في مخيمات النازحين، فيما أكد مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أن ستة ملايين سوري بحاجة إلى مساعدة عاجلة هذا الشتاء.

بحسب الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، فأن عدد الأشخاص السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ارتفع ليصل إلى 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، في ظل توقعات بأن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص خلال العام الحالي، وهو الرقم الذي لم يرد منذ بداية الأزمة السورية عام 2011.

يُشار إلى أن أكثر من نصف السوريين في البلاد؛ أي أكثر من 12 مليونا، يكافحون من أجل توفير الغذاء، في حين تتصاعد المخاوف من أن قرابة ثلاثة ملايين سوري يمكن أن ينزلقوا إلى انعدام الأمن الغذائي، بحسب “الأمم المتحدة“.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.