نظرا لعدم اعتراف أي بلد حتى الآن بحركة “طالبان” كحاكم شرعي لأفغانستان، فقد تلاشت ملايين الدولارات من المساعدات التي قُدّمت في دعم الحكومة السابقة، وتم تجميد المليارات من أصول الدولة، وأدت العقوبات الاقتصادية إلى انهيار شبه كامل لاقتصاد البلاد، ومن أجل ذلك تسعى إدارة “طالبان” ومن خلال بعض النشاطات إلى جذب الاستثمارات الصينية والدعم المالي.

في نيسان/أبريل من العام الماضي، سمحت الصين لـ”طالبان” بإعادة فتح السفارة الأفغانية في بكين، بينما التقى مسؤولون من السفارة الصينية في كابل والشركات المملوكة للدولة في الأشهر الأخيرة مع الحكومات الفيدرالية وحكومات المقاطعات لمناقشة الاستثمارات الصينية ومشاريع إعادة الإعمار، وقدمت الصين مساعدات قيمتها 8 ملايين دولار للأُسر المتضررة من الزلزال الأخير في أفغانستان.

بينما كشف وزير التعدين الأفغاني بالإنابة شهاب الدين ديلاوار، أن الإدارة التي تقودها حركة “طالبان” ستوقّع عقدا مع شركة صينية لاستخراج النفط من حوض أمو داريا بشمال البلاد، مبينا أن العقد سيتم توقيعه مع شركة شينجيانغ آسيا الوسطى للبترول والغاز “كابيك”.

الصين واستغلال فرصة طالبان

بناء على ذلك، ستكون هذه أول صفقة كبيرة لاستخراج موارد أولية توقعها “طالبان” مع شركة دولية منذ سيطرتها على السلطة في أفغانستان عام 2021 والتي ستستمر لمدة ربع قرن باستثمارات تبلغ 3.6 مليار دولار، كما تسلط الضوء على النشاط الاقتصادي للصين في المنطقة على الرغم من المخاطر الأمنية وعدم الاستقرار في البلاد التي مزقتها الحروب على مدار عقود.

في مقابل ذلك، وعد السفير الصيني وانغ يو، في المؤتمر الصحفي بالعاصمة كابل عقد النفط “أمو داريا” بالمشروع المهم بين الصين وأفغانستان، في الوقت الذي لم تعترف الصين رسميا بإدارة “طالبان” لحد الآن، على الرغم من المصالح الكبيرة في بلد يقع في وسط منطقة مهمة لمبادرة “الحزام والطريق” التي تتطلع بكين لتفعيلها.

اقرأ/ي أيضا: لقاء مكافآت باهظة.. هل تنجح اليابان بتحفيز الهجرة لفك زحام طوكيو؟

العزلة الشديدة لأفغانستان منذ عودة “طالبان” للحكم في أفغانستان قبل عام قد أتاحت للصين فرصة لتصبح لاعبا رئيسيا في البلاد، حيث انضمت بكين إلى المجتمع الدولي في حث حكام كابل الجدد على تنفيذ الإصلاحات، مثل تشكيل حكومة شاملة مع تمثيل لجميع الأعراق الأفغانية واحترام حقوق المرأة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتعليم والعمل.

لكن الصين وعدت أيضا بتقديم الدعم الاقتصادي والتنموي لنظام “طالبان” مقابل الاهتمام بالمخاوف الأمنية الصينية خصوصا في منع أي مجموعات من الإيغور المتشددة في أفغانستان من استهداف المصالح الصينية، وبالتحديد مشاريع مبادرة “الحزام والطريق” في المنطقة.

بحسب الدراسات المختصة في الشأن الصيني، فإن بكين قلقة من احتمال وقوع هجمات مخططة من قِبل جماعات متشددة مثل “الحزب الإسلامي التركستاني”، وهي جماعة مسلحة من الإيغور، تلقي بكين باللوم عليها في الاضطرابات في إقليمها الغربي شينجيانغ وتشير إليها باسمها السابق، تركستان الشرقية، بأن الحركة الإسلامية تسعى لتحرير شينجيانغ وشعب الإيغور من سيطرة الحكومة الصينية وتنفذ هجمات على المصالح الصينية.

يشار إلى أن “طالبان” سمحت لمجموعات الإيغور بالعمل في أفغانستان خلال فترة حكمها من عام 1996 إلى عام 2001، و”الحزب الإسلامي التركستاني” جزء من تحالف بقيادة “القاعدة” من الجماعات الجهادية العابرة للحدود التي ساعدت “طالبان” على الاستيلاء على معظم أفغانستان العام الماضي بعد انسحاب الولايات المتحدة، ويعتقد الخبراء أن بكين ربما تدرك أن حكام كابل الجدد لن يكون من السهل الضغط عليهم لطرد مقاتلي الإيغور.

بناء على ذلك، يرى المختص في السياسات العامة رعد الفياض، أن الصين تحاول استثمار الفرصة الحالية، وهي عزلة “طالبان” عن المجتمع الدولي وعدم تعامل العالم معها ما يتيح لها أن تكون لاعبا أساسيا هناك، لاسيما وأن أفغانستان تمتلك موقعا ومواردة متميزة.

الفياض قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن أفغانستان تتمتع بموقع جيوسياسي وجيوبولتكي مهم في قلب القارة الآسيوية كما أنها تُعد مفتاحا لعدة دول بما فيها باكستان والهند وإيران، وهي دول جميعها تقع ضمن خارطة مبادرة “الحزام والطريق” التي تسعى لها بكين، لذلك تحاول بكين حجز مكانها لدى حكومة “طالبان”.

قضية التعاون الصيني الأفغاني الذي تقوده “طالبان، من وجهة نظر الفياض، هو أشبه بالعملية الطردية التي تسعى من خلالها جميع الأطراف للاستفادة المادية والسياسية، إذ أن “طالبان” تعيش وقتا عصيبا إذا ما استمر، قد يدفع الشارع ليثور ضدها، وهو ما تحاول تداركه من خلال جذب الاستثمارات الصينية وتعزيز العلاقات مع بكين لتوفير متطلباتها المادية وتفعيل الاقتصاد الأفغاني، مقابل استثمار الصين في موقع أفغانستان ومواردها.

حذر صين من “طالبان”

المختص في السياسيات العامة، لفت إلى أن الصين تفعل ذلك مع التركيز على عدم الوقوع في المحظور وهو استفزاز المجتمع الدولي في دعم “طالبان” التي لا تزال في خانة الجماعات الشمولية، ما يتسبب بعقوبات على النظام الصيني في الوقت الذي يعاني فيه بسبب أزمات الاقتصاد العالمي، لذلك هي تعمل بحذر شديد حيال ذلك.

وسط ذلك، تركز الصين من خلال بناء علاقة مع أفغانستان على تأمين مصالحها الخاصة؛ أي الحماية المادية لاستثماراتها، بما في ذلك الأفراد العاملين وعمليات البناء، وتحويل حدودها إلى حاجز منيع.

فكما يُزعم، تستخدم الصين أنظمة مراقبة واسعة النطاق للحد من التسلل عبر الحدود على طول ممر “واخان”. فيما تتوقع الصين تعاون شركائها ودعمهم للمصالح الأمنية الصينية، مثل تسهيل الوصول الكامل لشركات الأمن الخاصة، فإنها تنشر أيضا جنودها في نقاط التفتيش التي قامت بتمويلها في طاجكستان المجاورة لمراقبة الحدود الطاجيكية-الأفغانية.

اقرأ/ي أيضا: بعد عامين على مغادرته.. ما احتمالات عودة بريطانيا لـ “لاتحاد الأوروبي”؟

بينما يأمل القادة والخبراء الصينيون في تعزيز موقف الصين من خلال إدارة النقاط الفعالة، تعلن الصين أيضا عن التزامها بـ “عدم التدخل” في “الشؤون الداخلية” للدول الأخرى. بما أن نهج الصين تجاه أفغانستان يتعمق في الواقع في الشؤون الداخلية لهذه الدولة، فقد اقترح الخبراء الصينيون نهجا أكثر مرونة يصفونه بأنه “مشاركة بناءة” لتبرير أعمال بكين.

التقديرات تشير إلى أن أفغانستان تمتلك موارد غير مستغلة تفوق قيمتها التريليون دولار، الأمر الذي جذب اهتمام بعض المستثمرين الأجانب، غير أن اضطرابات استمرت لعقود حالت دون أي استغلال معتبر لها.

أفغانستان تمتلك موارد غير مستغلة تفوق قيمتها التريليون دولار، الأمر الذي جذب اهتمام بعض المستثمرين الأجانب.

كما تجري شركة صينية مملوكة للدولة محادثات مع الإدارة التي تقودها “طالبان” بشأن تشغيل منجم نحاس في إقليم لوجار الشرقي، وهي صفقة أخرى كان قد تم توقيعها لأول مرة في عهد الحكومة السابقة.

وزارة الطاقة الأميركية، قدرت في عام 2006 أن أفغانستان لديها مليار برميل من احتياطيات النفط، بينما أشارت تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام نفسه إلى احتياطيات بنحو ملياري برميل.

الهيئة الأميركية تقدر متوسط الموارد غير المكتشفة في أفغانستان بنحو 15.7 تريليون قدم مكعبة من الغاز، و1.6 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى 562 مليون برميل من سوائل الغاز الطبيعي.

سياقات اقتصادية

حقل “أنغوت” المكتشف عام 1959، يُعد حقل النفط الوحيد الذي شهد إنتاجا مستداما للخام في أفغانستان حتى أُغلق عام 2006 مع الاحتياطيات المتبقية المقدرة بنحو ستة ملايين برميل، وفق وزارة التعدين الأفغانية.

في غضون ذلك كتب المتحدث باسم الإدارة التي تديرها “طالبان” ذبيح الله مجاهد، على “تويتر” أن “الشركة الصينية ستستثمر 150 مليون دولار سنويا في أفغانستان بموجب هذا العقد”.

مجاهد قال إن “استثماراتها ستزيد إلى 540 مليون دولار في ثلاث سنوات بموجب العقد الذي تبلغ مدته 25 عاما”. وأضاف أن “الإدارة التي تديرها طالبان “ستشارك في المشروع بنسبة 20 في المئة، يمكن زيادتها إلى 75 في المئة”.

أثناء ذلك، وقّعت “مؤسسة البترول الوطنية الصينية” المملوكة للدولة، ” عقدا مع الحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من الولايات المتحدة في 2012 لاستخراج النفط في حوض “أمو داريا” بإقليمي فارياب وسار إي بول الشماليين، وكانت التقديرات في ذلك الوقت تشير إلى 87 مليون برميل من النفط الخام في “أمو داريا”.

وتعليلا لذلك، قال نائب رئيس الوزراء بالإنابة لحكومة “طالبان” الملا بردار، إنه تم ابرام الصفقة مع “كابيك” لأن شركة صينية أخرى لم يذكرها بالاسم لم تستمر في استخراج الخام بعد سقوط الحكومة السابقة، مطالبا الشركة بالاستمرار في العملية وفقا للمعايير الدولية، والعمل على تحقيق مصالح أهالي سار إي بول. فيما أشار وزير التعدين الأفغاني، أن أحد شروط الاتفاق هو أن تتم معالجة النفط في أفغانستان.

في سياق ذي صلة، أعلن الممثل الصيني الخاص لأفغانستان، يوي شياويونغ، في مؤتمر دولي حول أفغانستان عقد في طشقند في 26 تموز/يوليو عام 2022، أن بكين ستدعم ماليا بناء خط سكة حديد عابر للحدود عبر أفغانستان من شأنه أن يربط أوزبكستان بالموانئ البحرية في باكستان.

بالتالي يروى خبراء، أن الصين مثل جيران أفغانستان الآخرين، تتعامل بحذر مع نظام “طالبان” دون أن تقدم لها اعترافا دبلوماسيا رسميا، في الوقت الذي تحاول فيه الشركات الصينية استكشاف الفُرص التجارية في أفغانستان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.