بعد عضوية دامت نحو نصف قرن، خرجت مملكة بريطانيا المتحدة من “الاتحاد الأوروبي”، قبل أكثر من عامين، تحديدا في الأول من كانون الثاني/يناير 2020، لتعود الرغبة اليوم في الانضمام مجددا إلى تكتل القارة العجوز، وذلك تأثّرا بما يشهده العالم من أزمات وانعكاساتها على بريطانيا، سيما في الجانب الاقتصادي، الأمر الذي دفع البريطانيين لمراجعة مواقفهم من “الاتحاد الأوروبي“.

فبعد عامين على مغادرة عضوة “الاتحاد الأوروبي“، يظهر استطلاع حصري أجرته مؤسسة “سافانتا” لصالح صحيفة “اندبندنت” البريطانية، تأييد ما يقرب من ثلثي البريطانيين الآن إجراء استفتاء على الانضمام مجددا إلى الكتلة الأوروبية، إذ إن المعارضة لإجراء تصويت آخر قد انخفضت، حيث تراجع عدد الذين يرفضون ذلك بشكل قاطع إلى أقل من الربع.

رغبة البريطانيين في العودة إلى قائمة “الاتحاد الأوروبي” تنطلق من اعتقادهم بأنه منذ مغادرة الاتحاد قد تراجع اقتصاد بلادهم والنفوذ العالمي للمملكة المتحدة، ما أثر على قدرة المملكة بالسيطرة على حدودها، وعلى ما يبدو أن ذلك قد أسهم في زيادة أعداد الذين يريدون إجراء استفتاء في المستقبل على العضوية.

رغبات بريطانيا بالأرقام

نسب التصويت أظهرت أن عدد الذي يرغبون في إعادة إجراء تصويت آخر بشأن مصير بلادهم ضمن عضوية “الاتحاد الأوروبي” يبلغ في هذه الآونة 65 بالمئة، وهي نسبة تؤشر ارتفاعا من 55 بالمئة في المرحلة نفسها من العام الماضي، وذلك على الرغم من انقسامهم في الرأي حول التوقيت؛ أي موعد إجراء الاستفتاء، لكن نسبة المصوتين على عدم إجراء استفتاء ثان قد انخفضت من 32 إلى 24 بالمئة.

اقرأ/ي أيضا: حراك عُماني لمنع تجدد التوتر باليمن.. حفاظ على الهدنة “غير المعلنة“؟

كذلك تبيّن نسب الاستطلاع، أن 54 بالمئة باتوا يعتقدون أن “بريكست“، كان قرارا خاطئا؛ وهو الاتفاق المعروف باسمها الرسمي “اتفاقية انسحاب المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية من الاتحاد الأوروبي والمجموعة الأوروبية للطاقة الذرية“، القائمة بين “الاتحاد الأوروبي“، و“المجموعة الأوروبية للطاقة الذرية” والمملكة المتحدة، والتي وقّع عليها في 24 كانون الثاني/ يناير 2020، وتحدد شروط انسحاب المملكة المتحدة من “الاتحاد الأوروبي” و”المجموعة الأوروبية للطاقة الذرية”.

قناعة البريطانيين بـ “بريكست” تحولت بعد إن كانت مغايرة بنسبة 46 بالمئة العام الماضي، تحديدا في الذكرى السنوية الأولى لخروج بريطانيا من “الاتحاد الأوروبي“، وليس ذلك فحسب، بل أن نسبة البريطانيون حول مضار “بريكست” الذي جعل من الأمور أسوأ، قد زادت في عديد من المجالات خلال السنة الماضية، وذلك أن ما مجموعه 56 بالمئة يعتقدون الآن أن مغادرة “الاتحاد الأوروبي” أثرت سلبا على الاقتصاد، بعد أن كانت النسبة 44 بالمئة.

في حين أن نصف البريطانيين صاروا يعتقدون أن خطوة الانسحاب من “الاتحاد الأوروبي” جعلت قدرة المملكة المتحدة على السيطرة على الحدود أسوأ حالا، بزيادة من 43 بالمئة إلى 50 بالمئة، فيما بلغت نسبة الذين يعتقدون أنها أضعفت نفوذ بريطانيا العالمي 50 بالمئة، بارتفاع من 39 بالمئة.

ما العائق أمام عودة بريطانيا لـ “لاتحاد الأوروبي“؟

على الرغم من ذلك، استبعد المحلل السياسي أمير الموسوي عودة انضمام بريطانيا إلى “الاتحاد الأوروبي” بهذه السرعة، قائلا في حديث لموقع “الحل نت“، إن القرار سيادي وسياسي فمن غير الممكن العودة لعضوية “الاتحاد” في ظل هذا الوضع، مشيرا إلى أن القرار الذي اتُخذ في عهد رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، يُعد خيارا يمينيا، بالتالي أنه حتى الوقت الحالي لا تزال مجريات الأمور في بريطانيا في صالح المحافظين اليمنيين لذلك خيار الانضمام مجددا إلى “الاتحاد الأوروبي” سيمثل ضربة لسياساتهم التي قد توصف بعد ذلك بالفاشلة، ما يعني بقاء بريطانيا في الوقت الحالي خارج “الاتحاد”.

الموسوي بيّن أنه بالرغم من تنفيذ جونسن لقرار بـ “بريكست” كان مستندا على استفتاء عام 2016، وقد يعبر عن رغبة البريطانيين حينها، غير أن وجود المحافظين على رأس السلطة كان له أثر كبير حتى في قناعات المواطنين، إذ إن الأحزاب الحاكمة عادة ما تمتلك مؤثرات عدة من حيث الإعلام وجماعات الضغط فضلا عن تأثير أنصارهم في المشهد، لذلك أن استمرار اليمين في السلطة وفي مراكز القرار له دور كبير في توجهات المملكة المتحدة من حيث العودة إلى “الاتحاد الأوروبي” أو البقاء خارجه.

اقرأ/ي أيضا: مع حلول عام 2023.. ما سيناريوهات الغزو الروسي لأوكرانيا؟

عن تأثير الوضع الاقتصادي وقضية تأمين الحدود في ذلك، شرح المحلل السياسي في حديثه أن أوروبا تمثل مركز التجارة العالمي، فضلا عن أن وحدة “الاتحاد” كجامع لمجموعة من الدول المتقدمة والصناعية والتي منها تمتلك ثروات غنية لا شك له تأثير كبير على أن تكون جزء من هذا الكيان أو عدمه، بمعنى عندما تكون طرفا في هذا “الاتحاد” ستكون متمتع بمزاياه ومحميا بقوانينه النفاذة، على العكس من أن تكون طرفا لوحدك يتطلب من الأمر القيام بكل الواجبات التي يقوم بها “الاتحاد الأوروبي” مجتمعا.

 لذلك من وجهة نظر الموسوي، أن خروج بريطانيا أفقدها بعض المزايا والتي منها التعاون المشترك في تحمل الأزمات، في وقت يعاني فيه العالم من مجموعة أزمات اقتصادية مثل الطاقة والغذاء ما تركها أمام تحديات صعبة من الطبيعي أن يكون لها آثار يشعر بها المواطنون، وهي التي قد تكون ما عبروا عنه في الاستطلاع، بما في ذلك مسألة الحدود التي تخضع ضمن “الاتحاد الأوروبي” لمراقبة ومسؤولية الجميع، على العكس من بريطانيا التي تحتاج لمجهود أكبر في هذا الجانب.

إن “قضية الحدود حساسة خصوصا في الوقت الحالي الذي تشهد فيه الأسواق ارتفاع للأسعار، والذي يحتاج فيه المواطنون إلى مجهودات وفرص عمل أكبر؛ بالتالي عندما لا يتم تأمين الحدود بالشكل المطلوب هذا يعني هناك زيادة في أعداد المهاجرين ومزاحمة على فرص العمل ما يعزز السخط الشعبي من الموقف الحكومي، خصوصا أن مسألة الحدود كانت بندا رئيسا في اتفاق بريكست الذي يؤشر فشل الحكومة البريطانية الالتزام به، وكل ذلك بغض النظر عن الجانب العنصري في هذا الموضوع“، بحسب تعبير الموسوي.

وجهات نظر حول “بريكست”

في سياق ذي صلة، قال كريس هوبكنز، من “سافانتا“، إن السبب في رغبة المواطنين قد يكون أن الكثيرين قد بالغوا في تقدير المنافع المحتملة لـ“بريكست”، ومن الصعب تخيل أن عضوية “الاتحاد الأوروبي” ستحل أيا من المسائل الاقتصادية الحالية للبلاد، لكن الانطباعات مهمة، مضيفا أن التصور بأن “بريكست” جعل السيطرة على حدودنا أكثر صعوبة يعني عدم تحقيق استعادة السيطرة التي وعد بها جميع الذين صوتوا للمغادرة.

على الجانب الآخر، كانت غرف التجارة البريطانية قد دعت الأسبوع الماضي الحكومة إلى النظر مرة أخرى في كيفية تحسين التجارة مع أوروبا، في حين وجد باحثون في كلية لندن للاقتصاد أيضا أن “بريكست” زاد 210 جنيهات استرلينية ما يعادل 254 دولارا، إلى متوسط فاتورة طعام الأسرة، كما أن هناك مؤشرات إلى أن بعض مؤيدي “بريكست” أصبحوا محبطين، فقد تصدر الوزير السابق جورج يوستيس أخيرا العناوين الرئيسة عندما انتقد اتفاقا تجاريا أبرم مع أستراليا بعد “بريكست“، قائلا إنه قدم الكثير في مقابل القليل جدا.

أثناء ذلك، علق الحزب “الديمقراطي الليبرالي” حول الاستطلاع الأخير على لسان الناطقة باسم الحزب للشؤون الخارجية ليلى موران، بالقول إنه “لا عجب أن يشعر الرأي العام البريطاني بهذه الطريقة، عندما يبذل المحافظون قصارى جهدهم لجعل التجارة مع جيراننا أكثر صعوبة على الشركات الصغيرة، وبيع المنتجات إلى الخارج أكثر صعوبة على المزارعين، والتعاون مع النظراء أكثر صعوبة“، مؤكدا أن قرار حكومة المحافظين بإقامة حواجز أمام التجارة مع أكبر شريك تجاري لنا هو آخر شيء نحتاج إليه، خصوصا في خضم أزمة كلفة المعيشة هذه.

أما الحكومة البريطانية من جهتها، قالت حول ذلك، تقطف بريطانيا ثمرات “بريكست” كاملة، إذ إن المنافع المترتبة على “بريكست” عديدة، كما نستعيد وضع المملكة المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة تحدد مستقبلها الخاص، مؤكدة استعادة السيطرة على الحدود، والإمساك بمقاليد السيطرة المحلية على تشريعاتنا، وألغينا الكثير من الروتين الإداري البيروقراطي، مما وفّر أموالا على الشركات والمستهلكين في أنحاء البلاد كلها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.