ملوّحين بخيار الحرب؛ هكذا على ما يبدو أن “الحوثيين” يحاولون الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب من خلال الاستمرار في الضغط على الحكومة اليمنية وداعميها من دول الخليج العربي، مقابل محاولات سلطنة عُمان تداركه والحفاظ على حالة الـ “لا حرب” حتى وإن كانت لا تعني بالضرورة “لا سلم“؛ بقدر ما يجب استمرار حالة الهدوء الحالية والحفاظ على الاستقرار النسبي الذي تعيشه البلاد، وسط امتعاض “حوثي” كبير.

أمس الأربعاء، وصل وفد عُماني إلى صنعاء برفقة وفد التفاوض “الحوثي”، في زيارة جاءت نتيجة وصول المفاوضات غير المعلنة بين “التحالف العربي” والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من جهة و”الحوثيين” من جهة أخرى إلى طريق مسدود، في ظل إصرار الجماعة المدعومة من إيران على مطالبها، وتهديدها بانهيار الهدنة “غير المعلنة” التي انتهت رسميا في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد ما فشلت الجهود الأممية والإقليمية في تمديدها لمرة ثالثة، بعد سريانها لمدة 6 أشهر.

جهود الإقليم والعالم كانت قد فشلت في الخروج باتفاق جديد لتجديد الهدنة التي بدأت في الثاني من نيسان/أبريل الماضي، قبل انتهاءها في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، بعد عدم توصل الحكومة اليمنية والميليشيا “الحوثية” إلى اتفاق على تمديدها، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة حينها، ما يثير الخشية من استئناف المعارك في البلد الذي يشهد نزاعا داميا.

لماذا يصعّد الحوثيون من تهديداتهم؟

الهدنة سمحت حينذاك بوقف القتال واتخاذ تدابير تهدف إلى التخفيف من الظروف المعيشية الصعبة للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وعلى الرغم من عدم الالتزام بالهدنة حينها بشكل كامل، وخصوصا ما يتعلق برفع حصار المتمردين لمدينة تعز، لكنه نجح بالفعل في خفض مستويات العنف بشكل كبير، وهو ما يتخوف منه العالم والجوار الإقليمي من تجدده في ظل المرحلة الحالية.

خلال الفترة المرحلية، عمد “الحوثيون” إلى تصعيد تهديداتهم طيلة الأيام الماضية على وقع التعثر في المفاوضات واستمرار رفض مطالب الجماعة التي تسعى من خلالها إلى استغلال الرغبة العالمية بالحفاظ على الاستقرار، وعلى الرغم من أن حالة الـ “لا حرب” الحالية، هي نتيجة التزام التحالف العربي والحكومة الشرعية بأقصى درجات ضبط النفس في الصمود أمام وقف إطلاق النار، مقابل خروقات متعددة نفذها “الحوثيون”.

اقرأ/ي أيضا: تحالف الصين وباكستان ضد الهند.. فخ للإيقاع بإسلام آباد على غرار كولوبو؟

أثناء ذلك، من المفترض إجراء الوفد العُماني محادثات مع أعضاء رفيعي المستوى في حركة “الحوثي” حول تمديد وقف إطلاق النار، ضمن جهود الوساطة التي تبذلها السلطنة لتجديد الهدنة الأممية، والوصول لحل سياسي ينهي الصراع الدائر في اليمن.

حول جدوى الحراك العُماني، يقول المحلل السياسي هاني عاشور، إن جماعة “الحوثي” تستغل الضغط العالمي الدافع نحو تجديد الهدنة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وكلما لمسوا من الأطراف المعنية تجاوبا أضافوا مطالب جديدة، مبينا أن “الحوثيين” يعتقدون أنه قد تحدث استجابة لشروطهم وبالتالي لا يودون خلال هذه الفترة الذهاب نحو التصعيد.

عاشور أضاف أن التهديدات التي يطلقها “الحوثيون” الآن غالبا لا تتجاوز حدود الهجمات النوعية، وذلك لغرض إشعار خصومها بأنها مستعدة للحرب، مشيرا إلى أن الجماعة قد لا تركز في المرحلة الحالية على إعادة الحرب داخليا، بل أنها مستفيدة من الوضع وحالة الهدوء، لكنها ستركز على الجانب الإقليمي وتحديدا على الأهداف الحيوية في الإمارات والسعودية.

التركيز على المحيط الإقليمي يأتي في إطار تأكد “الحوثي” من أن العالم لا يرغب في تصعيد جديد خصوصا فيما يتعلق باتجاه مصادر الطاقة، لاسيما مع الأزمة التي تسببت بها الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وارتفاع أسعار الوقود وشح الغاز، لذلك أنها تعي جيدا عدم احتمال الوضع أي تهديدا آخر لهذه المصادر، خصوصا في منشآت “أرامكو” السعودية والتي تم استهدافها من قبل “الحوثيين” في وقت سابق، وفقا لعاشور.

فرص نجاح الحراك العماني

المحلل السياسي يعتقد أنه سيكون هناك ضغط من قبل الجانب الخليجي على الحكومة المعترف بها للموافقة على مطلب “الحوثيين” في صرف رواتب موظفي وزارتي الدفاع والداخلية اللتين لم يعد فيهما أحد سوى مقاتلي “الحوثي” ضمن مناطقها، لافتا إلى أن اللجوء إلى هذا الأمر جاء بعد ما عجزت الأطراف المفاوضة عن إقناع “الحوثيين” بالموافقة على تمديد الهدنة، مشيرا إلى إمكانية الحفاظ على حالة الاستقرار نسبيا في اليمن في ظل المشهد الحالي.

عاشور اختتم بالقول، إن “المنطقة والعالم لا يحتملان أي تهديدات جديدة للاستقرار، في وقت لمست فيه حركة الحوثيين مدى تأثير تهديداتها للإقليم، لذلك هي تعي جيدا أن توصلها إلى اتفاق في الوقت الحالي هو أقرب من أي وقت مضى، لذلك قد لا تدفع باتجاه عودة الحرب إلى الميدان بشكل فعلي”.

في الوقت ذاته، يواصل “الحوثيون” إطلاق التهديدات باستهداف السعودية والإمارات والشركات العاملة في مجال النفط في الداخل اليمني، وسفن المشتقات النفطية العابرة عبر البحر الأحمر، في محاولة لاستثمار الاحتياج العالمي للطاقة الذي خلفته الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لكن تهديدات “الحوثيين” لم تصل بعد إلى مستوى الفعل.

تقرأ/ي أيضا: من “صفر كوفيد” إلى بلا خطة.. ماذا عن مستقبل الرئيس الصيني؟

وسط ذلك، لم يتغير الواقع على الأرض فمقتضيات الهدنة ما زالت سارية ورحلات الطيران تتدفق إلى مطار صنعاء، وذلك في استمرار للرحلات التي جاءت كثمرة لاتفاق الهدنة المعلنة برعاية أممية في نيسان/أبريل الماضي.

في حين لم تشهد الجبهات أيضا تغيرات كبيرة سوى هجمات “الحوثيين” في الساعات الأولى عقب انتهاء الهدنة في 2 تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، وفي مأرب وتعز والضالع وجبهات الساحل الغربي للبلاد التابعة لمحافظة الحديدة، قبل أن تعود الجبهات المختلفة إلى حالها كهدنة تتخللها مناوشات هنا وهناك، مع اتهامات متبادلة بارتكاب تلك الخروقات.

تداعيات الحرب اليمنية

يُشار إلى أن “الحوثيين” اشترطوا في البداية صرف رواتب الموظفين المدنيين من دون ربطها بإيرادات النفط القادم عبر ميناء الحديدة، وبعدما وافق الجانب الحكومي والتحالف، رفعوا سقف مطالبهم، والآن يشترطون تمديد الهدنة مقابل صرف رواتب القوات العسكرية والأمنية التابعة لهم، بحجة صرف رواتب موظفي وزارتي الدفاع والداخلية في مناطق سيطرتهم.

بعد موافقة الحكومة وتكفل السعودية بصرف رواتب الموظفين المدنيين، فتح “الحوثيون” صفحة جديدة من الاشتراطات، من ضمنها صرف الرواتب بالعملة القديمة “المعترف بها من قبل سلطاتهم في صنعاء“، وألا تمر عبر الجانب الحكومي بل تسلم إليهم بشكل مباشر ليتصرفوا فيها على هواهم، مع عدم ممانعتهم أن يكون ذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

يُذكر أن “الحوثيين” سبق ونفذوا العديد من الهجمات بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة على السعودية والإمارات، وكان آخرها في آذار/مارس الماضي، مع استهداف منشآت لمجموعة “أرامكو” السعودية العملاقة ما تسبب بحريق هائل، وإيقاف تدفقات النفط، ما أثر على السعر العالمي.

خطر المجاعة يتهدد الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي تعرضت بنيته التحتية للتدمير. ويعتمد نحو 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للاستمرار.

النزاع في اليمن يدور منذ العام 2014 بين “الحوثيين” الذين يسيطرون على صنعاء ومناطق أخرى في شمال البلاد وغربها، وقوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسبّبت الحرب بمقتل مئات آلاف الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.