مع تخلي الرئيس الصيني شي جين بينغ، عن سياسة “صفر كوفيد” التي فُرضت على الصينيين منذ نحو ثلاثة أعوام مع ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس “كورونا” في مدينة ووهان وسط البلاد نهاية العام 2019، تواجه الصين مخاطر وفاة ما يصل إلى 2.1 مليون حالة في الأشهر المقبلة، إضافة لما يمكن أن يعكسه ذلك من تداعيات على مستوى مستقبل الرئيس على رأس نظام البلاد.

إذ أظهر تحليل جديد أن الصين تواجه سيناريو كارثي قد يجعل الزعيم الصيني يواجه عاصفة كبيرة من الصعوبات المتزايدة ولحظة ثورية قد تمثل نهاية لحكمه، وذلك لما يمكن أن يحدثه رفع سياسة “صفر كوفيد” التي أجبرت السكان على إجراء اختبارات مستمرة لفيروس “كورونا” واحتجاز لملايين من المواطنين، حيث بيّنت صور عديدة للمصابين الذين تم اقتيادهم إلى معسكرات الحجر الصحي، أو احتجازهم في منازلهم من قبل عناصر “بي بيج وايت“.

رفعُ الرئيس الصيني لقيود “كورونا” بعد مدة من تأكيدات الحزب “الشيوعي” الحاكم على ضرورة استمرارها، جاء نتيجة لاندلاع حريق تسبب بوفاة 10 أشخاص في أحد مراكز الاحتجاز، لتعقبه موجة من الاحتجاجات، وألقي فيه اللوم على الزعيم شي.

أرقام مرعبة تهدد مستقبل الرئيس الصيني

حاليا، وفي الوقت الذي تم التخلي عن سياسة “صفر كوفيد“، تشير التحليلات إلى أن الصين تستعد لانتشار الفيروس بين السكان الذين لديهم مستويات منخفضة من المناعة والتطعيم، حيث أشارت توقعات محللي البيانات الصحية إلى أن ما بين 1.3 و2.1 مليون حالة وفاة تواجه الصين من الآن وحتى نهاية شهر آذار/مارس.

التحليل بيّن أنه في حال شهدت الصين موجة مماثلة لموجة هونغ كونغ التي تفشت في شباط/فبراير، ربما سيدفع ذلك نظام الرعاية الصحية الخاص إلى أقصى طاقته، لاسيما وأن التوقعات تشير إلى أنه يمكن أن يكون هناك ما بين 167 و279 مليون حالة على الصعيد الوطني، في حين يمكن أن تصل الوفيات إلى ذروتها في أواخر كانون الأول/ديسمبر.

اقرأ/ي أيضا: ملف “سدّ النهضة”.. ما حدود التدخل الأميركي في الحل؟

أحداث جميعها وضعت الرئيس الصيني تحت ضغوط كبيرة، بخاصة وأنه حتى الآونة الأخيرة من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كان يروّج لسياسة “صفر كوفيد” على أنها “حرب شعبية” ضد الفيروس من شأنها أن تميز الصين عن بقية العالم، غير أنه مع الانتهاكات التي افرزتها تلك السياسة وما تسببت به على الصعيد الاقتصادي نتيجة لغلق المدن والمصانع دفعته للتراجع عن ذلك، وهو ما أثار التكهنات حول مصير الرئيس الصيني في حال ثبتت التحليلات.

بدوره موقع “الحل نت“، تحدث إلى المهتم في الشأن السياسي عادل العنزي، الذي بّين أن الصينيين يعانون من سياسات النظام التي تجري وفق أهواء الحزب “الشيوعي“ الحاكم، بالتالي أن الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد سواء كانت على خلفية إغلاق المدن التجارية وتسريح آلاف العمال، أو بسبب الحريق فكلّها تعبّر عن مدى امتعاض المواطنين من سياسية الحزب الحاكم، كما أن شعاراتهم كانت خير دليل على ذلك.

العنزي قال إن الصين دولة كبيرة ومهما قدمت الحكومة وعملت فأنها ستكون بحاجة إلى المزيد من التقدم والتطور، لاسيما في ظل الجانب التعليمي والصحي، إذ تشير تقديرات عملية إلى أن معظم الصينين لم يتلقوا تعليما كافيا، فيما كشفت أزمة “كورونا” مدى تداعي النظام الصحي الذي لم ينجح في احتواء المصابين، بالتالي أن هذه العوامل مع سياسيات تقيد حريات التعبير والرأي، وتصدع الوضع الاقتصادي فمن المرجح جدا أن تشهد البلاد موجة غضب غير مسبوقة ضد الرئيس في حال تسببت الإصابات بهذا الكم من الوفيات مستقبلا.

مشاكل النظام الصحي الصيني

رفض الصين الاندماج مع نظام الصحة العالمي، والأخذ بمساعداته وخبراته وما تم التوصل إليه من لقاحات للفايروس، وفرض النظام “الشيوعي” الحاكم لقاحا أثبت عدم فاعليته على المواطنين، سيكون له تأثير كبير على الاستقرار الصيني في الفترة المقبلة، مبيّنا أن النظام الصحي في الصين يعاني كثيرا أمام العدد السكاني الكبير وعدد الإصابات، بالتالي أن اعتماد الحزب “الشيوعي” الحاكم على لقاح غير مضمون، ومنع المواطنين من اللقاحات الموثوقة ومع رفع قيود الوباء سيؤدي إلى كارثة محتملة جدا.

وكانت الصين قد سجلت 5235 حالة وفاة و1.89 مليون حالة منذ ظهور الفيروس لأول مرة في مدينة ووهان في نهاية عام 2019، وفي كانون الأول/ديسمبر الجاري، رفعت بكين بعضا من أشد القيود التي فرضت لمكافحة الفيروس، في حين باتت الدولة الآسيوية تشهد الآن ارتفاعا في عدد الإصابات مع مخاوف من أن يصيب فيروس “كورونا” 1.4 مليار نسمة خلال عطلة العام القمري الجديد الشهر المقبل.

اقرأ/ي أيضا: تجدد المعارك في الكونغو الديمقراطية.. “نذير شؤم” على القارة السمراء؟

وسط ذلك، تؤكد مراكز مختصة أن الصين تعاني من نقص في أسرّة وحدات العناية المركزة حيث لا تمتلك أكثر من حوالي ثلاثة ملايين سرير، وهو ما يمثل أكبر مشكلة للصين في مواجهة الفيروس، الأمر الذي أثار خشية الكثيرين من أن تكون بكين غير مستعدة بشكل كاف لموجة إصابات مرتبطة بإعادة فتح البلاد، في حين لا يزال ملايين من المسنين والأشخاص الضعفاء غير ملقّحين.

في سياق ذلك، من المحتمل أن تواجه الصين الموجة الأولى من 3 موجات لانتشار “كورونا” في هذا الشتاء، حيث يمكن أن تستمر الموجة حتى منتصف كانون الثاني/يناير، لتطال المدن قبل أن تسبب التنقلات المرتبطة بعطلة نهاية السنة القمرية، في 22 من الشهر نفسه، موجة ثانية في شباط/فبراير 2023.

أما الموجة الثالثة فمتوقعة بين نهاية شباط/فبراير ومنتصف آذار/مارس، وذلك عندما يعود الأشخاص الذين أصيبوا خلال العطلة إلى مكان عملهم بحسب صحيفة “كايجينغ” الاقتصادية، وفيما يلتزم الكثير من الصينيين منازلهم خوفا من الإصابة بـ “كوفيد”، يحاول آخرون خلافا لذلك استعادة حياة طبيعية نوعا ما.

احتجاجات غير مسبوقة وضرر اقتصادي كبير

احتجاجات واسعة نظمها المواطنون، بعد الحريق الذي أدى إلى غضب واسع النطاق عبر الإنترنت، حيث اعتقد كثيرون أن القيود منعت الضحايا من الفرار، ونزل السكان الغاضبون إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الإغلاق المفروض، في اليوم التالي أعلنت الحكومة المحلية أنه سيتم رفع القيود على مراحل.

في مشهد لم تعتد عليه الصين، تجمّع الصينيون في أنحاء البلاد، لتنظيم وقفات احتجاجية ضد الضوابط الصارمة، كما شوهدت الاحتجاجات في حرم الجامعات في أمثال بكين وشيان ونانجينغ وتشونغتشينغ ووهان، ومع تخفيف الإجراءات، بدأت قطارات الأنفاق والحافلات في بكين وشانغهاي والمدن الكبرى الأخرى تمتلئ بالركاب العائدين إلى المكاتب.

تأتي هذه التغييرات بينما تعاني الصين من صعوبات اقتصادية تسببت بها سياسة “صفر كوفيد” والمشكلات المالية في سوق العقارات المحلي، والتداعيات العالمية لغزو روسيا لأوكرانيا، حيث أعاقت عمليات الإغلاق الجزئية سلاسل التوريد الصناعية، وتعرضت الميزانية الحكومية لضغوط شديدة جزئيا بسبب الإنفاق الإضافي على ضوابط الإغلاق، حيث بلغ عجز الميزانية في الأشهر العشرة الأولى من العام، ثلاثة أضعاف المبلغ في نفس الفترة من العام الماضي.

في حين نما الاقتصاد بنسبة 3.9 في المائة في الربع الثالث من العام الحالي، وهي نسبة متدنية للغاية من هدف الحكومة عند حوالي 5.5 بالمئة، وتعكس بيانات وزارة التجارة الصينية لشهر تشرين الأول/نوفمبر مدى الضغط المتزايد على اقتصاد الصين، إذ تشير إلى تراجع الصادرات والواردات بأكبر معدل منذ عدة سنوات في أعقاب ضعف الطلب العالمي على السلع الصينية.

بينما تراجعت صادرات البلاد إلى 8.7 بالمئة على أساس سنوي إلى 296 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض منذ بداية الوباء في كانون الثاني/يناير 2020، إذ انخفضت الواردات بنسبة 10.6 بالمئة إلى 226 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض في عامين ونصف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.