أزمة “سد النهضة”، التي تمثل إحدى أبرز القضايا الإقليمية في القارة الإفريقية، يبدو أن هناك محاولات مصرية حثيثة تجري لحل الأزمة المجمّدة منذ فترة طويلة نوعا ما، وسط غياب أي رد فعل من جانب الاتحاد الإفريقي، الوسيط الرسمي الوحيد بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعدم ظهور أي بوادر لاستئناف عملية التفاوض التي كانت آخر محطاتها في نيسان/أبريل 2021.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فتح مجددا ملف “سد النهضة” خلال مشاركته في القمة الأميركية الإفريقية، يوم الأربعاء الماضي، واعتبر قضية السّد، تهديدا وجوديا للقاهرة، داعيا الولايات المتحدة إلى العودة للضغط مرة أخرى على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن “سد النهضة”.

في حين أن الرد الأميركي من خلال عدة بيانات صحفية توحي باهتمام واشنطن بحل الأزمة، وتعكس أيضا، عزمها على بذل الجهود لتفعيل المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، إضافة إلى دعم الموقف المصري في هذا الشأن، كل هذا يثير عدة تساؤلات، ولعل أبرزها، هو رغبة مصر وأهدافها في طلب مساعدة أميركا في حل الأزمة، وما حدود التدخل الأميركي في نزاع السد هذا، وهل سيكون هناك استئناف لمفاوضات جديدة برغبة إثيوبية في المستقبل القريب، وأخيرا آثار التعثر المستمر لأزمة “سد النهضة” على إمدادات المياه في مصر، وبالتالي آثاره على المستوى الإقليمي.

واشنطن تريد الاستقرار بإفريقيا

في إطار تأمل القاهرة في كسر ما وصفته بـ”الجمود التفاوضي”، بشأن نزاع “سد النهضة” الإثيوبي، طلب الرئيس السيسي مساعدة الولايات المتحدة للضغط على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن “سد النهضة”، المشروع الكهرومائي الضخم على نهر النيل.

جانب من لقاء الرئيس السيسي بوزير الخارجية الأميركي على هامش القمة في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2022 “رويترز”

طلبُ الرئيس السيسي، جاء أثناء زيارته إلى واشنطن لحضور القمة الأميركية الإفريقية، فيما قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، “شدد على أهمية التوصل إلى تسوية دبلوماسية تحمي مصالح جميع الأطراف”. وأكد السيسي للوزير الأميركي، أن “هذه مسألة حيوية ووجودية للغاية بالنسبة لنا. ونشكر الولايات المتحدة على دعمها واهتمامها”، مضيفا أن “التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا يمكن أن يحقق شيئا جيدا وفقا للمعايير والأعراف الدولية. ولا نطلب أيّ شيء آخر غير ذلك”. وأردف، “نحتاج إلى دعمكم في هذا الشأن”، وفقا لـ”الشرق الأوسط“.

هذا وتجمّدت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، التي تجري برعاية الاتحاد الإفريقي، بعد فشلها في الحل، الأمر الذي دعا مصر للتوجه إلى مجلس الأمن الدولي للاحتجاج، والمطالبة بالضغط على إثيوبيا عبر الشركاء الدوليين للقبول باتفاق يرضي جميع الأطراف.

كما وتتنازع إثيوبيا مع كل من مصر والسودان “دولتي مصب النيل”، حول السد الذي يجري بناؤه منذ 2011، على الرافد الرئيسي لنهر النيل. وتقول القاهرة إنه يهدد حقوقها في مياه النهر الدولي، مطالبة بضرورة التوصل إلى “اتفاق قانوني مُلزم” بشأنه مسبقا. فيما تتحسب الخرطوم لأضرار بيئية واقتصادية جراء السد.

قد يهمك: ما علاقة لبنان بالطرق الجديدة لتهريب الأسلحة الإيرانية؟

ضمن هذا الإطار، قال حامد فتحي، الكاتب السياسي والمختص بالشؤون الإفريقية، إنه “أولا وقبل كل شيء يجب أن نكرر أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على التواصل مع جميع الدول، والتوسط، والضغط، وحتى فرض العقوبات من أجل الوصول إلى تسوية سلمية في المناطق التي تهمها مثل القارة الإفريقية، على الرغم من نفوذ الصين وروسيا في القارة، حيث تهتم واشنطن باستقرار القارة وتحديدا شرقها، إضافة إلى أنها وضعت خطة لبناء السدود في إثيوبيا منذ الستينيات، وهدفها إفادة دول المنطقة من الكهرباء المولّدة من نهر النيل، وبالتالي فإن الوجود الأميركي مهم جدا لحل أزمة سد النهضة”.

فتحي أشار أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أنه في حالة عودة علاقات واشنطن مع إثيوبيا بقوة، سيكون لها دور فاعل أكبر في الوساطة بين مصر وإثيوبيا، خاصة وأن أميركا تحاول بجهود كل من مصر والسعودية منذ وقت ليس ببعيد، لإرساء الاستقرار والسلام في السودان، لا سيما أن الأخيرة تعتمد إلى حدّ كبير على مياه نهر النيل، والتوصل إلى اتفاقية بشأن “سد النهضة”، سيعود بالفائدة بشكل كبير على الخرطوم.

هذا وقد أفاد “البيت الأبيض”، يوم الجمعة الفائت، أن مستشار الأمن القومي الأميركي يؤكد دعم واشنطن لأمن مصر المائي، وإن الإدارة الأميركية مع حل دبلوماسي سريع لقضية “سد النهضة”، يكفل حماية مصالح كل الأطراف.

في حين، قال السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، في بيان صحفي السبت، إن “مستشار الأمن القومي الأميركي ثمَّن دور مصر في تدعيم الأمن والاستقرار بمحيطها الإقليمي، مؤكدا حرص بلاده على تعزيز وتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تربط بين البلدين خلال المرحلة المقبلة في مختلف المجالات، لا سيما على صعيد التعاون الأمني والعسكري”.

السد المُقام على النيل الأزرق “الرافد الرئيسي لنهر النيل”، سيكون الأكبر في إفريقيا وتبلغ قيمته 4.2 مليار دولار. وتخشى مصر، التي تعتمد على النهر بنسبة 97 بالمئة في مياه الري والشرب، أن يقلل السد من إمداداتها المائية. وعادة ما تعوّل مصر على دور أميركي لإقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق يمنع الإضرار بدولتي المصب.

إثيوبيا لا تريد “الحل”؟

في المقابل، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، كان قد وعد بمواصلة المحادثات بشأن السد، لكنه مضى قُدما في خطة ملء بحيرة السد على ثلاث مراحل سنوية حتى الآن، كما أعلن عن تشغيل توربينَين لتوليد الكهرباء.

سد النهضة “إنترنت”

في سياق رغبة إثيوبيا في استئناف المفاوضات في المستقبل القريب، رأى فتحي، أنها لم تعلن بعد عن رفضها استئناف المفاوضات، بل على العكس، قد تعلن في أي لحظة أنها تدعم استئناف المفاوضات وتبادر بذلك. لكن المشكلة الرئيسية هي أن إثيوبيا “لا تريد التوصل إلى اتفاق”، لذا فهي تستفيد من المفاوضات لكسب الوقت.

هذا وقد أفادت إثيوبيا يوم الخميس الماضي، أنها ما تزال ملتزمة بالمفاوضات الثلاثية المتعلقة بسد النهضة الذي تبنيه على النيل الأزرق.

بينما قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة “القاهرة” الدكتور عباس شراقي، إن “جوهر الخلاف بين مصر وإثيوبيا هو عدم موافقة أي منهما على التوقيع على رقم محدد للحصة المصرية، حيث إن إثيوبيا ترفض الاعتراف بوجود حصة سنوية، حتى ولو أقل من 55.5 مليار م3، وفي المقابل ترفض مصر المساس بحصتها السنوية”.

حسبما نشره شراقي عبر صفحته الشخصية على منصة “فيسبوك“، فإن الموقف الآن في “سد النهضة” طبقا للأقمار الصناعية، هو عدم البدء في تحضير الممر الأوسط استعدادا للتخزين الرابع الذي سوف يزيد التوتر المصري السوداني مع إثيوبيا، في حال عدم الوصول إلى اتفاق.

قد يهمك: إلى أين تتجه إيران بعد 4 شهور من الاحتجاجات؟

شراقي أشار إلى أن المياه ما زالت تعبر أعلى الممر الأوسط بحوالي “50” مليون م3 يوميا، وأن التوربينَين لا يعملان بكفاءة بعد توقف دام أكثر من “100” يوم لأسباب فنية، بدليل استمرار عبور المياه القليلة نسبيا أعلى الممر الأوسط، رغم أنهما قادران على عبور هذه الكمية المحدودة من خلالهما في حالة التشغيل الكامل “50 ـ 100” مليون م3 يوميا، مبينا أن استمرار ضعف التشغيل سوف يدفع إثيوبيا إلى فتح إحدى بوابتي التصريف اللتين تم إغلاقهما أول أيلول/ سبتمبر الماضي.

التبعات الإقليمية

الكاتب المختص في الشأن الإفريقي، حامد فتحي، قال إن الآثار والتداعيات الإقليمية لاستمرار أزمة “سد النهضة” في غاية الخطورة رغم تحذيرات القاهرة لها، لأنه إذا حدثت أزمة عطش في السودان سيلجأون إلى مصر، وإذا حدث عطش في كليهما، ستلجأ القاهرة إلى الخيارات الصعبة، مثل “الخيار العسكري”، بالإضافة إلى تداعياته الداخلية، مثل النزاعات الأهلية بسبب شحّ المياه، لذا ستكون عواقب استمرار الأزمة سلبية على المنطقة ككل، رغم استبعاد هذه الفرضية بشكل كبير.

الجدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أقامت وساطة مباشرة لم تسفر عن اتفاق، كما قطعت المساعدات عن إثيوبيا بعدما اتهمت أديس أبابا بعدم التعامل بحسن نية في هذا الملف.

يبدو أن مصر تدرك جيدا مدى تأثير وقوة وأهمية دور الولايات المتحدة في حل أزمة “سد النهضة”، ويبدو أن واشنطن صادقة وترغب من جانبها على حل هذه الأزمة، ذلك لأن استقرار المنطقة والقارة الإفريقية ككل محط اهتمامها، لكن حل أزمة السد يظل مرهونا بمصداقية وجدية الأطراف المتصارعة، وتحديدا إثيوبيا، التي حاولت ولا تزال تحاول المراوغة داخل هذا الملف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.