في ظل الخلافات المتصاعدة ما بين رئيس “البرلمان” العراقي، محمد الحلبوسي، ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الذي ينخرط من تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، باستثناء “التيار الصدري” المنسحب من العملية السياسية، يبدو أن عملية استمرار الحلبوسي في منصبة باتت أصعب مما يكن، لاسيما في ظل حديث أحد أبرز مكونات “الإطار” عن وجود إجماع سياسي على الإقالة.

حيث أكد تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، الذي يُعد واحدا من أبرز مكونات “الإطار التنسيقي”، اليوم الثلاثاء، وجود إجماع سياسي على اقالة رئيس “البرلمان” محمد الحلبوسي من منصبه بعد إقرار قانون الموازنة، قائلا إن هناك ملاحظات كثيرة على أداء رئيس “البرلمان”، فهناك إخفاقات وهناك مؤشرات على تورطه بقضايا فساد كبير في محافظة الأنبار وحتى صلاح الدين وديالى.

بالتالي بسبب إخفاق الحلبوسي وتورطه بقضايا فساد، أكد القيادي في التحالف “الفتح” علي الزبيدي، في تصريح صحفي لوكالة “شفق نيوز” المحلية، إن هناك توجه سياسي من أجل إقالته من منصب رئيس “البرلمان”، مشيرا إلى أن هذا الأمر الذي يحظى بإجماع سياسي سيتم بعد إقرار قانون الموازنة.

من يقف وراء مساعي إقالة الحلبوسي؟

ذلك يأتي في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن فشل الحلبوسي في التوصل إلى اتفاق ضامن مع رئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، صاحب الكتلة الأكبر في تحالف “الإطار التنسيقي” الحاكم، والأكثر فعالية داخله، خلال زيارة أجراها له قبل أيام.

الأمر الذي يبدو من خلاله الحلبوسي لم ينجح في تجنب مصير إقالته، من خلال محاولته الأخيرة تبديد الفتور بينه وبين زعيم “دولة القانون” نوري المالكي، واحتواء الخلافات مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تؤكد مصادر سياسية بأنه غير راضٍ عن أداء الحلبوسي الذي يحاول الخلط بين السلطات، من خلال تدخله في توزيع المناصب الإدارية والأمنية.

الخلاف بين الحلبوسي والسوداني، اشتعل منذ نحو شهر تقريبا، وتصاعد، بحسب تسريبات سياسية، نتيجة لعدد من القرارات الإدارية التي اتخذها رئيس الوزراء تتعلق بمناصب حكومية وإدارية وأمنية اعتبرها الحلبوسي استهدافا لحزبه “تقدم” الذي يتزعمه، وصولا لقضية إلقاء القبض على عدد من مديري دائرة التسجيل العقاري بمحافظة الأنبار مسقط رأس الحلبوسي، بتهمة التلاعب بأملاك الدولة، وتزوير عشرات الآلاف من سندات الأراضي في المحافظة، لقاء رشاوى بمبالغ كبيرة، بينهم شخصيات مقرّبة من الحلبوسي.

الحديث عن إقالة الحلبوسي المتهم بالتفرد بالقرار السّني وتمكين أعضاء حزبه من المناصب الإدارية والأمنية في المحافظات السّنية، واستعدائه الأطراف السياسية السنية الأخرى، يبدو هذه المرة أكثر جدية عن سابقاته، خصوصا وأنه يصدر من قبل التحالف الحاكم، الذي يملك أغلبية داخل “البرلمان”، ما يعني وجود النصاب الكافي لإقالته، على العكس مما كانت تتحدث عنه القوى السنية التي كانت تهدد بإقالة الحلبوسي دون أن تملك العدد الكافي من النواب لذلك.

في السياق، تسعى كتل نيابية سنّية مختلفة ضمن “الجبهة العراقية” لإقالة الحلبوسي من منصبه، متهمة إياه بالإخفاق في معالجة القضايا والمشاكل الرئيسية التي تواجه المكون السّني، ويتزامن ذلك مع مساعي عدد من الأعضاء المستقلين في “البرلمان” الذين بدأوا في السابع والعشرين من آذار/مارس الماضي، بإجراءات إقالة الحلبوسي، وذلك على خلفية أحداث جلسة التصويت على قانون الانتخابات.

على هذا النحو، يرى المهتم بالشأن السياسي على الشمري، أن الحديث عن إقالة الحلبوسي تجاوز حدود التهديدات هذه المرة، لأنه يصدر من قبل الجهة التي يمكنها بالفعل إقالته، خلافا لما كان يصدر من أطراف سياسية على الأغلب كانت سنية لا تمتلك النصاب الكافي أو التأثير الكافي لإقالة الحلبوسي، ولذلك هذه المرة قد تكون هي الأقرب بالفعل، ما لم يسارع الأخير لتقديم المزيد من التنازلات.

بالنسبة لـ “الإطار التنسيقي”، بحسب الشمري، فإن إقالة الحلبوسي هي ليست عملية انتقامية وإن كانت تحمل ذلك الطابع بالفعل بسبب انحياز الحلبوسي إلى جانب “التيار الصدري” في مشروع ما بعد الانتخابات الأخيرة التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2021 بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أو بعض أطراف “الإطار”، لكن هذه المرة هي لاعتقادهم بأن الحلبوسي قد يشكل خطرا على مشروعهم السياسي، وإن كان يتشارك معهم بالفساد.

“الإطار التنسيقي” ومصير الحلبوسي

إذ لا يهم “الإطار” إذا ما كان الحلبوسي فاسد أم لا، فبالأساس هم من جددوا له ولاية ثانية، لكن استئثاره بالسلطة ومحاولته اعتراض المشاريع التي يهدف “الإطار” إليها، هذا هو السبب الأساسي، خصوصا في المرحلة الحالية التي يستشعر فيها “الإطار” أنها مرحلة إثبات وجود بالنسبة لمشروعه ومستقبله السياسي، فهم يريدون فعل كل شيء دون أن يقف أحدا في طريقهم.

نوري المالكي ومحمد الحلبوسي/ إنترنت + وكالات

الشمري لفت إلى أن، الحلبوسي سيدفع الثمن عاجلا أم أجلا، مهما فعل، فهو أول من ذهب لنكاية بشركائه السياسيين من المكون السّني، وعمل على حرمان كل الأطراف السّنية من حقوقها مقابل التفرد بالسلطة، وهذا يشمل حتى عملية الدفاع عن مصالح السّنة في العراق بشكل عام، فهو اختزل المنصب وصلاحياته في خدمة أجنداته بمحافظة الأنبار وتمكين مَن ليس لهم علاقة بالعمل السياسي أو الإداري، وكل هذا بغض النظر عن إهماله حقوق باقي المحافظات السّنية.

الحلبوسي كما يرى الشمري، قد توهم بالعمل السياسي في العراق، وتوقع أنه قادر على لي جميع الأذرع، غير أنه لم يستفد من تجربة الذين سبقوه، ولم يلاحظ أن أكثر ما يحتاجه هو حشد الجماهير السّنية من حوله، فذهب إلى الاهتمام بطبقة معينة وإهمال الجزء الأكبر، كما أنه عمل على تكريس الطبقية والعشائرية، وحاول حتى مدّ نفوذه إلى المؤسسات الدينية السّنية، وهذا عمل من غير المعقول، ففي العراق العمل السياسي يتطلب الحنكة، وخفض سقف التوقعات، وعدم المجازفة بالرهان على الأطراف الأخرى، فالجميع يبحث عن مصلحته، وهو ما أخطأ الحلبوسي بتقديره واختار تهميش مكونه، فقط للاستمرار في المنصب.

يشار إلى أن المادة 12/ثانيا من النظـام الداخلي لـ “البرلمان” تنص على أن لـ “البرلمان” إقالة أي عضو من هيئة رئاسته وفق القانون، كما تنص المادة 62 من النظام الداخلي أن، يتم إعفاء أحد أعضاء مجلس الرئاسة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء “البرلمان”، بعد إدانة أحدهم من المحكمة الاتحادية العليا في إحدى الحالات الآتية؛ أولا الحنث في اليمين الدستورية. ثانيا؛ انتهاك الدستور. ثالثا؛ الخيانة العظمى.

هذا ويتولى السّنة رئاسة “البرلمان” العراقي بموجب عرف سياسي متّبع منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003، في حين يتولى الكرد رئاسة الجمهورية، والشيعة رئاسة الوزراء، وعملت القوى السياسية السّنية منذ ذلك الحين على أن يكون المنصب كل دورة انتخابية من نصيب محافظة معينة، من المحافظات السنية الستة.

في غضون ذلك، كان مصدر مسؤول في حكومة الأنبار المحلية كشف في وقت سابق عن اجتماعات ماراثونية للقوى المعارضة للحلبوسي من أجل تشكيل تحالفات ضمن المنافسة على مجالس المحافظات.

المصدر قال بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام محلية، إن شخصيات سياسية وعشائرية بارزة عقدت اجتماعات في الأنبار وبغداد والمحافظات الشمالية من أجل الترتيب لمرحلة جديدة تهدف إلى إزاحة رئيس “البرلمان” الحالي، وتكوين جبهة موحدة تضمن إنشاء تشكيل سياسي، بعيدا عن طموحات الحلبوسي وانفراده بالقرار في إدارة شؤون الأنبار.

ضربة قاسمة

الحلبوسي من مواليد يناير 1981، وبرز اسمه في السنوات الأخيرة، بعد تعرض زعماء السّنة للملاحقة بسبب قضايا بعضها لها علاقة بالإرهاب، فيما يؤكدون أن استهدافهم لا يخلو من خلفيات سياسية.

الحلبوسي من اجتماع ائتلاف “إدارة الدولة” الجامع لـ “الإطار التنسيقي”، والقوى السنية والكردية/ إنترنت + وكالات

الحلبوسي الذي سبق وأن تولى منصب محافظ الأنبار، نجح في نسج علاقات مع مختلف القوى السياسية في الداخل العراقي، وأيضا مع بعض القوى الإقليمية وفي مقدمتها تركيا وقطر، وجرى انتخابه لمنصب رئيسا لـ “البرلمان” في العام 2018، متفوقا بذلك على منافسيه خالد العبيدي وأسامة النجيفي ومحمد الخالدي.

في حين تم التجديد له في المنصب خلال كانون الثاني/يناير 2022، بدعم من “التيار الصدري” والحزب “الديمقراطي الكردستاني”، وأيضا قوى في “الإطار التنسيقي”.

إلى ذلك، يرى متابعون أن إقالة الحلبوسي من منصبه ستشكل ضربة قاسمة له في انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في الخريف المقبل، حيث أن هذه الإقالة ستدفع بالكثيرين إلى الانفضاض من حوله، والتوجه إلى قوى سياسية مثل تحالف “الأنبار الموحد”، على أمل تحصيل مكاسب أو بحثا عن نوع من الحصانة من تهمٍ قد يواجهونها.

إذ من المرجح أن يكون تحالف “الأنبار الموحد” الشريك السني البديل لـ “لإطار التنسيقي”، مستقبلا، خصوصا وأن قياداته قريبة جدا من زعيم ائتلاف “دولة القانون” وتحالف “الفتح”، ولاسيما زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” المصنّف على لوائح الإرهاب الأميركية، قيس الخزعلي.

 الحديث عن تلك التوقعات جاء بعد أن كشف تحالف “الأنبار الموحد” الاثنين الماضي، عن مفاوضات سياسية يجريها مع قوى أخرى لإعلان التحالفات الانتخابية المقبلة، متحدثا بقدر كبير من الثقة عن أن رئيس “البرلمان” الحالي سيبتعد عن المنافسة.

.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات