في الوقت الذي تكثّف فيه الأطراف الدولية والإقليمية جهودها من أجل التوصل إلى اتفاق شامل لوقف الحرب في اليمن التي تعاني من انقسامات شديدة وتخوض حربا طاحنة منذ ثمانية أعوام بين جماعة “الحوثيين” المدعومين من إيران، والحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من “التحالف العربي” بقيادة السعودية، وقّع رؤساء وممثلو المكونات السياسية الجنوبية في اليمن، الإثنين، “ميثاقا وطنيا” بعد مشاورات دعا إليها “المجلس الانتقالي” الجنوبي يمهّد للانفصال عن شمال البلاد.

التوقيع جاء بعد أن انطلقت الخميس الماضي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن جنوب البلاد، فعاليات “مؤتمر الحوار الجنوبي” الذي أقيم بدعوة من “المجلس الانتقالي” الجنوبي الذي يسيطر على عدن وعدة محافظات، واختتمت الإثنين، وسط مقاطعة عدة مكونات جنوبية، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام.

المؤتمر الذي أقامه “المجلس الانتقالي” الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، بدعوى معاناة محافظات الجنوب من تهميش وإقصاء سياسي واقتصادي، وهو ما تنفيه الحكومات اليمنية المتعاقبة، يهدف إلى الوصول إلى توافق سياسي ورؤية موحدة داعمة لعودة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، والمشاركة في صناعة ملامح دولة الجنوب، وإدارة المرحلة القادمة.

مضامين المؤتمر

في المؤتمر وقّعت المكونات السياسية الجنوبية على ما وصفه “المجلس الانتقالي” بـ “الميثاق الوطني الجنوبي” الذي ينص على الوصول إلى رؤية موحدة بشأن المطالبة بانفصال الجنوب، حيث تم التوافق على الاتجاهات الرئيسية لإدارة المرحلة الراهنة والاتجاهات العامة الأساسية لمشروع دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة، وأسس ومبادئ وضوابط التفاوض والأسس والمبادئ العامة، كما أفاد المشاركون.

بيان المؤتمر الختامي الذي شهد قراءته وإقراره من قبل المندوبين، تضمن عددا من التوصيات المهمة، غير أنه لم يعلن عنها بعد، حيث تم التأكيد على أنها ستعلن لاحقا، وذلك بمشاركة تجاوزت عدد المشاركين في اللقاء التشاوري، 284 مندوبا من محافظات الجنوب الثمان، تتقدمها حضرموت بـ 66 مندوبا وعدن بـ 60 مندوبا، ثم أبين بـ 25 ولحج 22 مندوبا.

ذلك جاء بعد، أن دعا البيان الختامي الصادر عن اللقاء التشاوري، كافة القوى والمكونات الجنوبية اليمنية التي لم تشارك باللقاء، إلى أن تلتحق بركب الموقّعين على وثيقة “الميثاق الوطني الجنوبي”، والذي طالب الدول العربية والمجتمع الإقليمي والدولي، باحترام تطلعات شعب الجنوب اليمني وحقه في نيل حريته واستقلاله واستعادة دولته.

هذا وكان من أبرز الكيانات المشاركة بـ “مؤتمر الحوار الجنوبي”؛ “الحراك الثوري تصحيح المسار”، “تاج الجنوب العربي”، “حلف قبائل الجنوب العربي”، “الحراك الثوري”، “المجلس الثوري العسكري”، “الملتقى الوطني أبين”، “المجلس الأعلى للحراك السلمي”، في حين تقدم الكيانات المقاطعة، “الائتلاف الوطني الجنوبي”، و”المؤتمر الوطني لشعب الجنوب”، و”المؤتمر الشعبي الجنوبي”، لرفضها خيار الانفصال عن الشمال وتمسكها بالوحدة.

في ظل هذه المعادلة، أثار المؤتمر تساؤلات عدة حول مآلات ذلك، وإذا ما سيتحقق مشروع الانفصال فعلا باليمن، فضلا عن الجهات المستفيدة من ذلك، وإذا ما كان ذلك يمثل حلّا أمثلا للأزمة اليمنية، التي شهدت مؤخرا جهودا أميركية سعودية للتوصل لحل نهائي.

حول ذلك أوضح الخبير في الشأن اليمني محمد شجاع، أن كل التحركات في إطار القضية الجنوبية مهّدت لها معظم القوى السياسية المعارضة لنظام الرئيس الراحل علي عبد الله الصالح بصورتها الهشة، وذلك انتقاما من النظام أكثر منه بحثا عن حلول أو استقلال أو معالجة مظالم، ثم بعد ذلك تذبذبت تلك الوقفات، مثلما حدث الأمر مع قضية “الحوثيين” التي تحولت بعد ذلك إلى فخ ابتلع البلاد بالصورة التي عليها اليوم بعد أن كانوا يطمعوا في وزارة فقط ضمن حكومة الوفاق حينها ليس أكثر.

بالتالي على الرغم من أن القضية الجنوبية لها خصوصيتها؛ لكنها تعاني من انقسام بيني وإن بدا بالأمس تنويع الشخصيات ونواب رئيس “المجلس الانتقالي” عيدروس الزبيدي، كما يرى شجاع في حديثه لموقع “الحل نت”، ويشير إلى أنه حتى من يدعون اليوم حرصهم على استقلال الجنوب وشعبه؛ هم غير واعين تماما للمآلات  والمخرجات؛ بمعنى أنهم لا يمثلون أو لا يشكلون كافة القوى في الجنوب، مبينا أن القيادة الحالية ليست القيادة الناضجة التي يمكن الوثوق بها، لاسيما وأن هناك تعقيدات كثيرة، مشيرا إلى أنه إذا كان ذلك تأطيرا لمرحلة سياسية جديدة سيستعيد النظم السياسية ويخفف من أعباء المواطنين ويعيد صياغة المشروع الوطني فلا بأس.

مؤتمر ناقص التمثيل؟

بيد أن وجود قيادات من مناطق معينة فيما البقية مهمشة، فهذا يخلق فجوة كبيرة في مستقبل العملية السياسية التي ستنفجر في أي لحظة، يؤكد الخبير في الشأن اليمني، ويشير إلى أنه إذا ما لم تتفجر الأوضاع فسيظل الصراع الذي يمثل حالة تاريخية على الأقل منذ رحيل الاستعمار البريطاني في عام 1967 قائما، لافتا إلى أن هناك حسابات إقليمية تبدأ في إيران وتنتهي في عمان.

من مؤتمر “المجلس الانتقالي”/ إنترنت + وكالات

شجاع، أكد أن الدور الإيراني الذي كان حاضرا وضالعا منذ الطلقة الأولى في الاختلالات الحاصلة في اليمن بصورة سياسية، وفيما يتعلق بتهريب السلاح، والمخدرات، والدعم اللوجستي، واستقطاب قيادات كبيرة في الخارج، خاصة في بيروت وفي بعض العواصم، بشكل غير مباشر، وبتصديره لخرافة ولاية الفقيه التي يستغلها عن طريق آل البيت كشماعة، لا يزال حاضرا في المشهد الحالي.

وسط ذلك، لفت الخبير في الشأن اليمني، إلى دور جماعة “الإخوان المسلمين” بالقول، إن دورهم كان حاضرا منذ ما قبل “الربيع العربي”، وكان آنذاك هدفه إسقاط نظام الرئيس الراحل على عبدالله صالح لا أكثر، مستدركا في حديثه حول موقف “المجلس الانتقالي” الرامي للانفصال، بأن “الإخوان” في الحسابات الكبيرة لا يمكن أن يفرطوا في الجنوب، على اعتباره أحد مصادر ثروتهم المادية والبشرية التي يمتلكون فيها أنصارا وأملاكا منذ زمن طويل، لافتا إلى استفادتهم من حالة التزاوج القائمة ما بينهم وبين تنظيم “القاعدة” الذي لا يزال يتخذ من مناطق الجنوب وأبين بالذات مكانا له.

عطفا على ذلك، أشار شجاع إلى أنه في ضوء المشهد الحالي، وتقلبات “الإخوان”، الظاهرة، فهو نتيجة لحالتي الصراع في البيت الخليجي الذي بدأ في 2016 بين قطر وبقية الدول، قبل أن يعود بشكل تدريجي ليهدأ، حيث اصطف كل فريق مع طرف، ولعدم رغبتهم في عودة أسرة الرئيس الراحل صالح، أو حزب “المؤتمر الشعبي العام”، وهو ما يعكس رغبة قطر وتوجهها أكثر مما هو مصلحة وطنية، مشيرا إلى أن اليمن لم يستفاد من الحالتين وظل ضحية لذلك الانقسام وهذا التوجه، بالتالي إن ما يقوم به “الإخوان” أمر سيء للغاية على العملية السياسية وحتى على مستوى محاولة مواجهة المشروع “الحوثي”.

من جهته، قال الخبير اليمني في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية علي الذهب، إن هذا المؤتمر وميثاق الشرف الذي صدر بشأنه، يمثل إعادة بناء “المجلس الانتقال الجنوبي” الانفصالي، وذلك واضحا من خلال إضافته عناصر جديدة إلى عضوية هيئة المجلس على مستوى النواب والأعضاء، واستبعاده بطريقة غير مباشرة نائب رئيس المجلس هاني بن بريك الذي أصبح يحمل الجنسية الإماراتية.

الذهب وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن “المؤتمر” كان بين “المجلس الانتقالي” ومكونات أخرى لم يكن باسم الجنوب، أو معظم المحافظات الجنوبية، كما أنه يأتي في إطار التسوية السياسية التي تعمل عليها السعودية والإمارات التي ستكون مع “الحوثيين”، إذا أنه يمثل مقدمة لتلك المفاوضات المرتقبة مع “الحوثيين”، وذلك قد تجلى في تصريح “المجلس الانتقالي” بأن الجنوب سيكون فيدراليا، وهو ما يعني أنه قد حصل على ضمانات فيما يخص مصير الجنوب في سياق تلك التسوية.

بالتالي هذا يعني أن “المجلس الانتقالي” الجنوبي، موافق على أن يكون هناك فيدرالية من إقليمين في اليمن، لذلك أن المؤتمر يمثل تهيئة للتفاوض مع “الحوثيين” بحيث أنه يكون الصوت المعبّر عن الجنوب ككتلة واحدة تتقاسم مناصفة أي استحقاق بموجب أي تسوية مع الشمال، ويكون الشمال في أي تسوية يتقاسم مع “الحوثيين”، ما يعني أن القوى الشمالية تتقاسم مع “الحوثيين” الشمال، والجنوب يقاسم الشماليين بكافتهم هذه الاستحقاقات.

تمهيدا للانفصال

في المحصلة يرى الذهب، أن هذه التسوية التي جاء مؤتمر “المجلس الانتقالي” الجنوبي الداعي للانفصال بموجبها، إذا ما فشلت مع “الحوثيين” ستكون تمهيدا إلى الانفصال، بالتالي أن هذه المسارات بالمجمل تخدم إيران لأنها تخدم حلفائهم في الشمال، أي “الحوثيين” لأن هذا سيعزز من وجود “الحوثيين” كطرف يهيمن على الأرض ويمكن أن يمنحه هذا حججا، مثل أن الجنوب سينفصل وأن هناك تدخل خارجي ما يعزز موقفهم.

من مظاهر الحرب في اليمن/ إنترنت + وكالات

ذلك يأتي، بينما شهدت الأزمة اليمنية تطورا لافتا خلال الفترة الماضية، وهو زيارة وفد سعودي برئاسة السفير السعودي في اليمن، إلى عاصمة حكومة “الحوثيين” غير المعترف بها دوليا، ولقائه مسؤولين من جماعة “الحوثي” للتوصل إلى اتفاق يمهّد لاتفاق سلام شامل في اليمن، في الوقت الذي ترفض الجماعة الموالية لإيران تجديد هدنة وفق إطلاق النار المنتهية منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ما لم يتم تحقيق شروطها.

إلى ذلك، وعلى الرغم من أن التقارب السعودي الإيراني خلق دفعة قوية لإنهاء الحرب التي تسببت خلال السنوات الثماني الماضية بأسوأ أزمة إنسانية في اليمن والعالم، حسبما وصفتها “الأمم المتحدة”، وأسفرت عن سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى اليمنيين من المدنيين وأطراف النزاع في جبهات القتال، إلا أن هناك شكوك كبيرة تدور حول تحقق ذلك، بخاصة فيما يتعلق بالتزام “الحوثيين”.

الجدير بالذكر، أن ذلك جاء في الوقت الذي عُرفت فيه الجهود الجارية لتحقيق السلام في اليمن زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية، كان من أبرز مظاهرها إتمام صفقة تبادل كبرى للأسرى بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية، وذلك في الوقت الذي صرّح فيه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، خلال إحاطة له أمام “مجلس الأمن الدولي” قبل أسبوعين، أن اليمن أمام فرصة تاريخية لتحقيق السلام، محذرا من إمكانية ضياعها في حال لم تُقدم أطراف الصراع على المزيد من التنازلات.

كذلك يشار، إلى أن المبعوثان الأميركي والأممي إلى اليمن تيم ليندركينغ وهانس غروندبرغ، قد استئنفا الأسبوع الماضي، تحرّكاتهما وسط حديث عن “اتفاق جديد” يمهّد لتسوية سياسية يمكن التوصل من خلالها إلى اتفاق شامل لوقف الحرب.

هذا ويعاني اليمن منذ نحو تسع سنوات من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وقوات “الحوثيين”، المدعومين من إيران والمسيطرينَ على عدة محافظات منذ 2014.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة