بينما لا يزال الحديث عن إنهاء الخلافات المستمرة منذ عدة أشهر بين الحزبين الكرديين الحاكمين، “الاتحاد الوطني” الكردستاني، و”الديمقراطي” الكردستاني، سابقا لآوانه، إلا أنه بات يمكن القول إن الاختراق الذي حققته الوساطة التي يُشاع عن أنها جاءت بتدخل من رئيس الحكومة العراقية ببغداد محمد شياع السوداني، وأسفرت عن لقاء مهم بين رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني ونائبه الممتنع مع وزراء حزبه منذ نحو ثلاثة أشهر من حضور جلسات “مجلس وزراء” حكومة كردستان، قوباد طالباني، تُعد خطوة مهمة في مسار إنهاء ذلك الخلاف.

اللقاء بين بارزاني وطالباني، بحسب ما أفادت به مصادر سياسية، بأنه حصيلة أيام من وساطة قادها عدد من أعضاء حكومة إقليم كردستان، ورئيس الحكومة العراقية، لإقناع طالباني، نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، ونجل رئيس الجمهورية العراقي الراحل جلال طالباني، بعودة فريقه الوزاري، وحلّ الخلافات السياسية ضمن أطر الحكومة.

حيث استقبل مسرور بارزاني الاثنين الماضي، نائبه قوباد طالباني في لقاء هو الأول من نوعه بين الطرفين منذ قرار “الاتحاد الوطني” الكردستاني تجميد عمله الحكومي ومقاطعة جلسات “مجلس الوزراء” في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على خلفية اتهام رئيس الحكومة المنتمي للحزب “الديمقراطي” الانفراد بالسلطة والقرارات، وتهميش محافظة السليمانية مركز ثقل “الاتحاد الوطني”.

سياق خلافات كردستان العراق

الخلافات بين “الاتحاد الوطني” و”الديمقراطي” ليست وليدة اللحظة، بل أن تاريخ الحزبين حافل بالخلافات السياسية والتي وصلت في مراحل معينة إلى حدّ الاقتتال، وطيلة العملية السياسية العراقية ما بعد العام 2003 بقيت الخلافات السياسية حاضرة بين الطرفين، إلا أن الحزبين طالما تمسّكا بمصلحة الإقليم التي كانا على أساسها يتجاوزان خلافتهما، قبل أن تعود لتتجدد ما بعد الانتخابات التشريعية التي عاشها العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2021.

في الانتخابات، حصل الحزب “الديمقراطي” على أكبر عدد من حصة مقاعد الأكراد في “البرلمان” العراقي، مقابل تراجع حظوظ غريمه “الاتحاد الوطني”، ليجدد ذلك سلسلة الخلافات بين الطرفين، فـ “الديمقراطي” تمسّك بعد الانتخابات بأن يكون منصب رئيس جمهورية العراق الذي يشغله الأكراد ضمن عرف سياسي يمنحهم ذلك، من نصيبهم بوصفهم الكتلة الكردية الأكبر، وذلك مقابل تمسّكهم بمناصب الإقليم.

الأمر الذي رفضه بشكل قاطع “الاتحاد الوطني” الخاسر أمام “الديمقراطي” في الانتخابات، فبشكل تقليدي سارت العملية السياسية ما بعد نظام صدام حسين، بأن يحصل “الاتحاد الوطني” على منصب رئاسة جمهورية البلاد، مقابل ترك المناصب الوزارية السيادية التي تكون من حصة الكرد في الحكومة الاتحادية إلى غريمهم “الديمقراطي”، وهو ما فتح جبهة خلافات واسعة بين الحزبين.

منذ ذلك الحين، توترت العلاقة بين الحزبين الكرديين، وبدأت تأخذ منحنيات معقدة في مجمل علاقتهما، لينسحب ذلك على مستوى إدارة الإقليم وانتخابات الإقليم وآليات إجرائها، لتتعطّل الانتخابات نتيجة لذلك عن موعدها لأكثر من عام ونصف، قبل أن يتم الاتفاق على تحديد 18 من تشرين الثاني/نوفمبر القادم موعدا لإجرائها، إثر تدخل أممي.

“الاتحاد الوطني” الكردستاني يتهم غريمه “الديمقراطي” بالسيطرة على موارد الإقليم والعائدات المالية المتأتية من النفط والغاز، والمنافذ الحدودية، على حساب محافظة السليمانية، ويرى قادة “الاتحاد الوطني” أن حكومة الإقليم تعاقب منطقة السليمانية وإدارتها، في الوقت الذي لا تسدد رواتب المواطنين هناك.

تقارب مدعوم أميركيا بمصلحة الجميع

على هذا النحو، استمرت الخلافات طيلة الأشهر الماضية إلى حدّ تبادل الاتهامات بقضايا اغتيالات وتصفية حسابات، علاوة عن السطوة على الموارد المالية للمنافذ الحدودية واستثمارها للمصلحة الحزبية والشخصية، قبل أن يأتي لقاء بارزاني وطالباني ليجدد الآمال في إنهاء الخلافات.

لقاء وفدي الحزب “الديمقراطي” الكردستاني و”الاتحاد الوطني” الكردستاني/ إنترنت + وكالات

بالتالي فإن هذا اللقاء، بحسب ما يراه رئيس “مركز التفكير السياسي” إحسان الشمري، هي حصيلة زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي، باربارا ليف، الأيام القليلة الماضية إلى كل من أربيل عاصمة إقليم كردستان، والسليمانية، لافتا إلى أن ذلك جاء بعد فشل رئيس الحكومة العراقية في تحقيق اختراق على مستوى الأزمة في زيارته إلى أربيل والسليمانية في منتصف آذار/مارس الماضي، الأمر الذي اضطر إلى أن يكون هناك تدخل من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

الشمري وفي حديث لموقع “الحل نت”، أوضح أن، هذا التقارب يُعد مهما وفي الوقت الحالي، بخاصة وأن الأزمة باتت مصدر قلق كبير لحكومة بغداد الاتحادية، وبالنسبة إلى مستقبل إقليم كردستان، بل حتى على مستوى المواطنين الأكراد في الإقليم، على اعتبار أن الأزمة وصلت إلى مراحل خطرة منها تبادل الاتهامات والاغتيالات، الأمر الذي قرّب فرصة الاحتكاك المسلح أكثر فأكثر. 

لذلك، يرى رئيس “مركز التفكير السياسي”، أن هذا التقارب بين مسرور بارزاني وقوباد طالباني، قد أربك الحسابات بشكل كبير، خصوصا وأن بغداد لا تجد من المصلحة أن تتفجر الأوضاع في كردستان، لاسيما وأن جزءا من هذا الصراع قد أثر بقضية تصدير النفط وإقرار الموازنة العامة، مؤكدا أن بغداد قد فقدت القدرة على التأثير فيما يرتبط بمحاولة جمع الحزبين، فزيارة السوداني لم تأتي بشيء، بل بالعكس تصاعدات الاتهامات بين الطرفين فيما بعد.

كما بيّن، أن حصيلة هذا التقارب المدعوم بضمانات أميركية، قد توصل إلى اتفاق لعودة إلى قوباد طالباني إلى حكومة كردستان ووزراء حزبه إلى الكابينة الحكومية، بالإضافة إلى قضية تقاسم القرار الأمني والبدء باتفاقات تتعلق بقضايا النفط والطاقة والثروة وإدارتها المشتركة.

ذلك يأتي بعد نحو عام من الخلافات السياسية والمفاوضات التي رعتها بعثة “الأمم المتحدة” ببغداد وأربيل، وبعد ضغوط دولية أميركية وأوروبية؛ نتجت عن توصل الأطراف السياسية في كردستان إلى اتفاق حول موعد الانتخابات التشريعية في الإقليم، وهو ما مثّل خطوة أولى لفك الخناق السياسي.

اختراق في مسار الأزمة 

حيث توصلت 7 أحزاب على رأسها الحزب “الديمقراطي” الكردستاني، و”الاتحاد الوطني”، وأحزاب أخرى تحظى بنفوذ واسع، لاتفاق على إجراء الانتخابات بعد أكثر من عام على الخلافات التي عصفت بالوضع السياسي، وكان على رأسها آلية توزيع الدوائر الانتخابية وسجل الناخبين في مختلف مناطق الإقليم.

رئيس حزب “الديمقراطي” الكردستاني مع نجله نيجرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان وابن أخيه مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان/ إنترنت + وكالات

فبعد الخلاف حول توزيع الدوائر الانتخابية في عموم الإقليم، واعتماد سجل الناخبين، قد تمخض الاتفاق عن إجراء الانتخابات وفق 4 دوائر انتخابية، بواقع دائرة لكل محافظة من محافظات الإقليم الأربع؛ وهي أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، مع الاعتماد على سجلات الناخبين لـ “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” في العراق، وبيانات وزارة التخطيط الاتحادية لتحديد نسبة مقاعد المحافظات، مع الاتفاق على مراقبة الانتخابات من قبل “الأمم المتحدة” والمنظمات الدولية ومفوضية الانتخابات الاتحادية.

الجدير بالذكر، أن هذا الخلاف قد اشتد بعد حادثة اغتيال العقيد هاوكار الجاف، أحد أبرز الضباط في مؤسسة مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بمدينة أربيل، ليتهم الحزب “الديمقراطي” قادة أمنيين في “الاتحاد الوطني” بالوقوف وراء عملية الاغتيال، الأمر الذي انتهى بمقاطعة الفريق الوزاري لـ “الاتحاد الوطني” جلسات “مجلس الوزراء” في حكومة الإقليم.

يشار إلى أن، الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان يتنافسان في الشارع منذ إنشاء “برلمان” الإقليم عام 1992، وأن حدة التنافس وصلت إلى الاحتراب عام 1993 وحتى 1997 عندما وقعت اتفاقية واشنطن التي أرست تحالفا استراتيجيا أنهى الخلافات، وشُكّلت على أساسه الحكومات اللاحقة.

بعد ذلك استمر التنافس بين الجانبين، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والعسكرية ومناطق النفوذ، على الرغم من أن الحزبين كانا شريكين في الحكومات ويحملان النجاح والإخفاق معا، لكن المشكلة توسعت مع إصرار “الاتحاد الوطني” الكردستاني بالفترة الأخيرة على أن يكون منصب رئيس جمهورية العراق حصرا لهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات