في الوقت الذي لاتزال أصوات المدافع تُسمع في الأرجاء السودانية، تلقى المبادرة السعودية التي ترنو إلى وقف الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، بين المكونات العسكرية، زخما دوليا وإقليميا، حيث تكثف الأطراف الدولية زخمها حول دفع المحادثات لطريق يجنّب السودانيين مغبة الاقتتال الذي يمكن أن يتطور إلى قَبلي داخلي، الأمر الذي يمكن أن يلقي بظلاله على الأطراف الإقليمية.

إذ رحّبت الآلية الثلاثية التي تضم “الاتحاد الإفريقي” و”الهيئة الحكومية الدولية” المعنية بالتنمية، و”الأمم المتحدة”، بالمبادرة السعودية، قائلة إنها تأمل أن تسفر المحادثات التقنية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع” في جدة عن تفاهمات تؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار، مما يتيح تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمدنيين الذين يجب أن تظل حمايتهم مسألة ذات أهمية قصوى.

الآلية الثلاثية جددت مناشدتها لكلا الطرفين أن يوقفا الأعمال العدائية على الفور، وأن يستعيدا الهدوء ويحميا السودان وشعبه من مزيد من العنف وسفك الدماء، فيما دعا الطرفان إلى حماية المدنيين والامتناع عن الهجمات على مرافق الرعاية الصحية والبنية التحتية المدنية الأخرى، معتبرة أن أي تصعيد آخر للعنف يمكن أن يكون مدمرا للبلد والمنطقة.

محادثات على وقع المدافع

ذلك يأتي في ظل استمرار المعارك بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” المعروفة سابقا باسم ميليشيا “الجنجويد” المتهمة بجرائم إنسانية، والتي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي”، وسط العاصمة السودانية الخرطوم.

في غضون ذلك، أعلنت الخارجية السعودية، اليوم الاثنين، بدء محادثات بين الفصائل العسكرية المتقاتلة في السودان، وقالت في بيان، إن ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع” بدؤوا السبت محادثات تمهيدية في مدينة جدة لوقف إطلاق النار، وتسهيل وصول مساعدات إنسانية طارئة إلى السودان.

المحادثات بدأت بين الأطراف السودانية منذ السبت الماضي واستمرت حتى أمس الأحد، بحسب الخارجية السعودية، التي أشارت إلى أن هذه المحادثات ستستمر إلى الأيام التالية على أمل الوصول إلى وقف فعّال ومؤقت لإطلاق النار، مبيّنة أن هذه المحادثات تهدف أيضا لوضع جدول زمني لمفاوضات موسعة للوصول إلى وقف دائم للأعمال العدائية.

السعودية، ووفقا للبيان، شددت على ضرورة احترام وقف إطلاق النار القائم حاليا، والامتناع عن أي أعمال استفزازية على الأرض للحفاظ على مناخ إيجابي للمحادثات التمهيدية الحالية بين طرفي النزاع، وذلك في الوقت الذي حثت فيه الرياض وواشنطن الطرفين على الانخراط في المحادثات بهدف تحقيق وقف فعّال وسريع لإطلاق النار، والعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الطارئة.

على هذا النحو، عرفت الجهود الجارية لتحقيق السلام في السودان زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية علاوة على ما تشهده في الوقت الحالي من تحركات دولية أممية إقليمية؛ كان من أبرز مظاهرها وصول كبير مسؤولي المساعدات في “الأمم المتحدة” إلى السعودية أمس الأحد، للمشاركة في محادثات وقف إطلاق النار بين الأطراف السودانية المتناحرة، وذلك بعد أقل من 24 ساعة من إعلان الأمين العام لـ “الجامعة العربية” أحمد أبو الغيط، تشكيل لجنة مشتركة تضم كلا من السعودية ومصر وعضويته للتواصل مع طرفي النزاع في السودان والمجتمع الدولي.

إلى ذلك، وفي الوقت الذي تُعدّ فيه هذه الاجتماعات الأولى من نوعها منذ اندلاع القتال في السودان قبل ما يزيد على ثلاثة أسابيع، برزت تساؤلات مهمة حول مدى نجاعة المبادرة السعودية، وما المسارات التي يمكن أن تسلكها لوقف القتال، لاسيما في ظل الحديث عن أن هذه المبادرة تركز بشكل أساسي على الجوانب الإنسانية.

عن تلك التساؤلات، يقول الباحث والصحفي السوداني حسن أبوعرفة، إن هذه الوساطة السعودية الأميركية المدعومة بشكل مباشر من قبل ” الأمم المتحدة” و”الاتحاد الإفريقي”، والآلية الثلاثية، تُعدّ مهمة للغاية، كما يمكن أن تمثل خارطة طريق لخروج السودان من الحالة التي يعيشها في الوقت الحالي.

السودان ومسارات إنهاء الحرب

المبادرة يمكنها أن تضع أسس وقف إطلاق النار الدائم، والبحث في آليات المراقبة والتوجه نحو الحل السياسي الذي يمهّد لحُكم مدني ديمقراطي متفق عليه من كافة القوى السياسية، كما يرى أبو عرفة، ويشير إلى أنها ستبعد الجيش من الانخراط في الشأن السياسي.

صورة من المعارك الدائرة في السودان/ إنترنت + وكالات

أما عن المسارات التي يمكن أن تسلكها المبادرة السعودية الأميركية، وإذا ما كانت ستلجأ إلى خيار حل قوات “الدعم السريع”، لفت الباحث والصحفي السوداني في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن هناك اتفاق سابق بين الجيش والقوى السياسية في السودان، على دمج قوات “الدعم السريع”، في القوات المسلحة وفق آلية متّفق عليها كما هو جاري الآن للقوات التابعة للحركات المسلحة الموقعة لاتفاق “جوبا”.

“جوبا للسلام”، هو اتفاق من بنود عدة، وقّع في الربع الأخير من عام 2020، بين حكومة الخرطوم وحركات مسلحة، لإنهاء الحرب الأهلية التي شهدتها السودان طيلة 17 عاما، ومغادرة عقود من الصراعات التي شهدها السودان منذ العام 1955، وجاء ذلك بعد أشهر من المفاوضات.

الاتفاق اقتضى حينها، على مشاركة قادة الحركة الشعبية في السلطة وتنسيب مقاتلين الحركات الأربعة الموقّعة على الاتفاق إلى قوات الجيش النظامية، وبدأ ذلك بالفعل مع مطلع العام الحالي، حيث أعلن الجيش السوداني إكمال دمج أولى دفعات مقاتلي “الحركة الشعبية – شمال”.

على غرار ذلك، كان طرفا القتال الدائر حاليا في السودان، قد توصلا إلى اتفاق على دمج قوات “الدعم السريع” في الجيش السوداني، وذلك في سياق “الاتفاق الإطاري” النهائي مع “المجلس المركزي” لقوى الحرية والتغيير في 5 كانون الأول/ديسمبر 2022، وهو الاتفاق الذي جرى التوصل إليه برعاية دولية من الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، إضافة إلى “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الإفريقي” و”الإيغاد”.

لكن ربط قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، تنفيذ الاتفاق بمسألة دمج قوات “الدعم السريع” التي أيدت تنفيذ الاتفاق النهائي الذي ينص على أن تخضع القوات المسلحة السودانية لرئيس الدولة المدني خلال المرحلة الانتقالية، ويرأس رئيس الوزراء “مجلس الأمن والدفاع”، الذي تشارك فيه الهيئات المعنية، وأن لا تتولى وزارة الدفاع شخصية عسكرية، في بنية الجيش، الأمر قد أجج القتال بين الطرفين.

القتال اندلع على خلفية تباين بين القائدين العسكريين على طريقة دمج قوات “الدعم السريع” في القوات المسلحة، حيث أراد البرهان أن تتم عملية الدمج خلال عامين، وتعتمد فيها معايير التجنيد في الجيش، بينما دفع دقلو في اتجاه امتدادها لعشرة أعوام، على أن يحتفظ المقاتلون برتبهم بعد الدمج.

كل ذلك، جاء بعد أن أعلن “المجلس المركزي” لقوى الحرية والتغيير السودانية، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، التوصل الى “الاتفاق الإطاري“، مع المؤسسة العسكرية يضع ضمانات لنقل السلطة بالكامل إلى المدنيين، بعد أكثر من عام من الانقلاب الذي نفّذاه القائدان العسكريان البرهان، و”حميدتي”، على مجلسي السيادة والوزراء، وعزل الحكومة المدنية الانتقالية، ورئيسها عبدالله حمدوك، والاستئثار بالسلطة، وسط استمرار التوترات والتظاهرات الشعبية المطالبة بإنهاء حكم العسكر.

تدخلات عسكرية أجنبية في السودان

وسط هذا المشهد المعقد، وفي ظل المبادة السعودية الأميركية الرامية لإنهاء الصراع السوداني، يرى الباحث والصحفي أبوعرفة، أن الحل لما تعيشه السودان في الوقت الحالي يجب أن يكون سودانيا سودانيا، بدعم أممي وإقليمي ودولي، مشيرا إلى أن محادثات جدة تمثل فرصة هامة للوصول إلى اتفاق يمكن أن يجنّب السودان والمنطقة الذهاب نحو بؤرة صراع إقليمي ودولي قد يتسبب بتفكك الدولة السودانية.

فيما استبعد أبوعرفة، إمكانية دخول قوات عربية أو إفريقية إلى السودان بحجة إنهاء الصراع، قائلا إن السودانيين لا يقبلون ذلك، مشيرا في الوقت ذاته إلى إمكانية مشاركة قوى إقليمية ودولية في تثبيت وقف إطلاق النار وتسهيل عملية التشاور نحو الحل السياسي والانتخابات الحرة.

الباحث والصحفي السوداني، لفت إلى أن التحدي الكبير في الوقت الحالي، هو ضرورة حشد الموارد الدولية والإقليمية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، من بنى تحتية ومساكن وخدمات، مشددا على ضرورة، إعادة تأهيل القطاع الصناعي وتعويض المتضررين.

هذا وكان أكثر من 10 آلاف فرد من قوات “حفظ السلام” والشرطة والمراقبين الدوليين الذين ينتشرون في شمال وجنوب السودان في إطار بعثة “الأمم المتحدة” في السودان، التي تشكلت لمراقبة اتفاق السلام الذي وقّع عام 2005 وأنهى حربا أهلية استمرت لأكثر من 15 عاما.

الجدير بالذكر، أن أعمال الحرب قد أسفرت منذ اندلاعها، عن سقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، وسط تحذيرات أممية من فرار نحو 800 ألف شخص من البلاد، حيث قالت وزارة الصحة السودانية إن 528 على الأقل قتلوا وأصيب 4599 آخرين.

في حين فرّ عشرات آلاف السودانيين من منازلهم، بعضهم تجمّع في مراكز مثل عطبرة شمال شرقي الخرطوم، بانتظار ما سيفعلونه في قادم الأيام، وسط توقعات بتوجههم إلى الحدود مع مصر أو تشاد، وذلك في الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية المصري سامح شكري، استقبال بلاده لـ 57 ألف سوداني منذ نشوب القتال بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.

فيما أجلت الحكومات الأجنبية رعاياها خلال الأسبوع الماضي ضمن سلسلة من عمليات الإجلاء الجوية والبحرية والبرية، في الوقت الذي تشهد فيه إمدادات الطاقة والمياه في السودان، حالة من عدم الاستقرار مع شح المعروض من الطعام والوقود وتوقف معظم المستشفيات والعيادات وارتفاع تكلفة النقل، ما يجعل المغادرة أمرا صعبا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات