كما هو الحال، لا تزال المعارك بين الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، مستمرة حتى الآن، في العاصمة السودانية الخرطوم ومناطق أخرى، في الوقت الذي تبذل فيه أطراف دولية وإقليمية جهودا حثيثة لحث الطرفين على الركون إلى السلام والعودة إلى الحوار، وبينما تتصاعد أعداد الضحايا وتتسع دائرة الخراب، تبرز أسئلة حول مديات وتأثيرات الصراع على السودان والمنطقة. 

الصراع الذي يشهده السودان في المرحلة الحالية، ما هو إلا انعكاس لخلافات وصراعات تاريخية سبق وعاشتها السودان، بما فيها مرحلة التدافع حول السلطة بين التيار المدني والعسكري منذ العام 2019، قبل أن يتحول إلى صراع عسكري عسكري.

قبل ذلك، شهد السودان تاريخا حافلا بالحروب الداخلية والصراعات القبلية، لاسيما في القرن الثامن عشر، ولم تتوقف وتيرة تلك المذابح إلا بعد دخول الجيش الإنكليزي برفقة المصريين عام 1899، لكن كل ذلك عمّق الفجوة والهوة بين المجموعات السكانية التي تسكن شمال ووسط السودان وبين أهالي الغرب أو القادمين من إقليم دارفور، في الوقت الذي تجذّر فيه الانقسام الاجتماعي والثقافي بين الكتلتين الكبيرتين في السودان بعد انفصال الجنوب؛ وهما الشمال الكبير والغرب، وصولا إلى حالة الحرب الحالية.

السودان والصراع السلطة

المعارك التي اندلعت في العاصمة السودانية الخرطوم وفي مناطق أخرى من البلاد، منذ أربع أيام، هي نتيجة مباشرة للصراع على السلطة بين أفراد القيادة العسكرية، حيث يختلف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قائد قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، وذلك بعد أن تعاونا على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

على الرغم من اصطفاهما بخندق واحد أمام نظام البشير، إلا أن الخلافات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” التي تشكلت عام 2013، وانبثقت عن ميليشيا “الجنجويد” التي اعتمد عليها البشير، في قمع التمرد في إقليم دارفور، بدأت تتصاعد تدريجيا منذ العام الماضي.

اقرأ/ي أيضا: موسم الكوميديا الرمضاني في العراق.. وفرة إنتاجية ومحتوى فارغ؟

واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين البرهان ونائبه حميدتي؛ هي الخلاف حول خطة ضم قوات “الدعم السريع” التي تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يبلغ 100 ألف عنصر، إلى الجيش وحول من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.

على إثر ذلك تصاعدت حدة الخلاف حتى وصلت العلاقة بين جناحي المكون العسكري في السودان المتمثلين بالجيش، و”الدعم السريع” إلى مستوى غير مسبوق من التوتر وهو الذي تجلى في المعارك الدائرة الآن بين الطرفين، وبدأت القصة من تحذير الجيش من انتشار قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية في الخرطوم ومدن رئيسية.

ما أجج الوضع بين الطرفين وتطوره، جاء في سياق تصريحات ومواقف متبادلة، حيث برز الخلاف إلى بعد تصريحات سابقة لقائد قوات “الدعم السريع”، قال فيها إنه اكتشف منذ اليوم الأول أن قرارات قائد الجيش عام 2021 التي أقصى فيها الحكومة المدنية السائدة نُفّذت لتكون بوابة لعودة نظام المؤتمر الوطني المعزول.

ثم عاد الخلاف للظهور بصورة واضحة على السطح بعد التوقيع على “الاتفاق الإطاري” المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري الذي يضم قوات الجيش و”الدعم السريع” في 5 كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أُقرّ بخروج الجيش عن السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.

إطار لاتفاق وضع حول نقل السلطة إلى المدنيين في كانون الأول/ديسمبر، لكن المحادثات حول تنفيذ تفاصيله فشلت، ولاحقا أعلن الجيش أنه أيّد “الاتفاق الإطاري” لأنه يلزم بدمج قوات “الدعم السريع” في الجيش السوداني، وطالب الجيش بدمج قوات “الدعم السريع” في جيش واحد وأن تكون هناك قيادة واحدة للجيش بعد الدمج.

الجيش طالب أيضا بإتباع شركات قوات “الدعم السريع” لوزارة المالية والإجراءات الحكومية المعروفة، كما يشترط الجيش بأن يكون هو من يحدد تحركات وانتشار القوات وفق عملية الدمج، في حين يتهم حميدتي قيادات في الجيش بالتخطيط للبقاء في الحكم وبأنها لا تريد مغادرة السلطة.

معارك السودان تهدد أمن المنطقة؟

في المقابل، يؤيد “الدعم السريع” فكرة الدمج، ولكنه يشترط بأن يتم وفق جداول زمنية متفق عليها، ويشدد على تمسكه بـ “الاتفاق الإطاري” ويقول إنه لن يتنازل عنه، فيما يطالب أيضا بمساواة ضباطه في الامتيازات بنظرائهم في الجيش، والتزام القوات المسلحة بالدستور السوداني الذي سيتم إقراره.

طائرات الجيش السوداني تستهدف محيط مطار الخرطوم في السودان/ إنترنت + وكالات

ليس ذلك فحسب، بل يطالب “الدعم السريع” كذلك، بوقف ما يسميه عمليات التجنيد في الجيش خلال فترة الدمج، في الوقت الذي تتحدث فيه تسريبات عن خلافات مستمرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” بصورة واضحة حول أحقية القيادة والتحكم خلال عملية الدمج وبعدها.

حالة الحرب التي يعيشها السودان حاليا، تأتي بعد أن عاش السودانيون الذين أطاحوا بنظام البشير من خلال انتفاضة 2019 الشعبية، فسحة من الأمل، الأمر الذي جعل البلاد على مفترق طرق من العودة إلى طاولة الحوار والخروج من عقود الاستبداد والصراع الداخلي والعزلة الاقتصادية التي عانت منها البلاد في عهد البشير، والانتقال لحكم مدني رشيد يحدده السودانيون، أو العودة إلى ما قبل، ولربما أبعد من ذلك، إلى ما يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة برمتها، ليس السودان فقط.

اقرأ/ي أيضا: حوار مرتقب بين الحكومة المغربية والنقابات.. خطوة لتهدئة الغضب الجماهيري؟

حول ذلك يشرح المحلل السياسي السوداني فيصل خالد، ما يجري في السودان وتداعياته، بالقول، إن الحرب بين الجيش و”الدعم السريع” هي صراع حول السلطة، وهما أكبر قوتين عسكريتين، إلى جانب الحركات المسلحة التي دخلت إلى العاصمة الخرطوم، لافتا إلى أن ذلك يهدد أمن ووحدة السودان.

خالد، أشار في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن دولة السودان لا يمكن أن تُحكم من قبل ميليشيا تهدد أمن واستقرار الوطن، وذلك بإشارة إلى قوات “الدعم السريع”، مبيّنا أن خطورة المعارك الدائرة، بأنها في الخرطوم وتمددت لتشمل ولايات أخرى، في حين أن المتضرر الوحيد منها هو المواطن، لاسيما في ظل سقوط ضحايا وانفراط الأمن وانعدام الخدمات الأساسية.

بناء على ذلك، فإن أكثر ما تحتاجه السودان الآن، هو وقف المعارك، وفقا للمحلل السياسي السوداني، الذي لفت إلى أن استمرارها؛ أي الحرب، لا يؤثر على السودان فحسب، وإنما على دول الجوار، وبخاصة تلك التي تشهد نزاعات مسلحة بسبب غياب الدولة وانتشار السلاح والميليشيات كالحالة الليبية.

أما عن تبعات الصراع بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، بين خالد، بأنه ستكون هناك تبعات كبيرة وسينسف مسار الانتقال الديمقراطي والعملية السياسية في البلاد؛ بالتالي فالمطلوب الآن وقف الحرب وخروج طرفي النزاع من الحياة السياسية والعودة إلى الثكنات والاستمرار في العملية السياسية ودعم الانتقال الديمقراطي.

يضاف إلى ذلك، بحسب خالد، العمل على بناء جيش مهني واحد من خلال عملية الدمج والتسريح لـ “الدعم السريع” والحركات المسلحة، مؤكدا أنه من دون ذلك سينزلق السودان إلى أتون حرب أهلية تدخل فيها أطراف إقليمية لها أطماع في السودان.

جذور الخلاف

الخلافات بين الجانبين تتركز حول ملفات داخلية وخارجية، منها الإصلاح الأمني والعسكري، الذي لا يزال أحد أبرز أسباب تعطيل الاتفاق السياسي النهائي في السودان.

في السياق، فإن الخلافات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” بدأت بالظهور إلى العلن العام الماضي، إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تسارعاً في مسار التصعيد بين الطرفين، بما في ذلك إصدار البيانات والبيانات المضادة، التي شملت اتهامات بتحركات مشبوهة، وتحميل مسؤولية تفجّر الخلاف إلى مستوى النزاع المسلح.

الجيش السوداني حذر في مناسبات عدة، من مخاطر الوصول إلى طريق مسدود، وقبل يومين، قال في بيان إن البلاد تمرّ بـ”منعطف خطير”، بعد انتشار قوات “الدعم السريع” المسلحة في الخرطوم ومدن رئيسية.

لكن قوات “الدعم السريع” نفت ما وصفته بـ”مزاعم” قيامها بأعمال حربية، ووصفتها بـ”الكاذبة والمضللة”، ولفتت إلى أن وجودها “يأتي في إطار تأدية مهامها وواجباتها.. التي تمتد حتى الصحراء”، وقالت في بيان إن “الدعم السريع قوات قومية تضطلع بعدد من المهام والواجبات الوطنية التي كفلها لها القانون”، ولفتت إلى أنها “تنتشر وتتنقل في كل أرجاء الوطن، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة ظواهر الاتجار بالبشر، والهجرة غير الشرعية، ومكافحة التهريب والمخدرات، والجريمة العابرة والتصدي لعصابات النهب المسلح أينما وجدت”.

في غضون ذلك، تستمر عمليات القصف داخل السودان، وتستهدف مواقع حول القصر الجمهوري في الخرطوم، في حين استهدف الطيران مقر إقامة قائد قوات “الدعم السريع” قرب مطار الخرطوم الدولي، وذلك في الوقت الذي أعلن فيه الناطق باسم الجيش السوداني، أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أصدر عفوا عمن يضع السلاح من “الدعم السريع”.

من جانبها، قالت قوات “الدعم السريع” إن ثورة جديدة انطلقت ومستمرة لبلوغ غاياتها وفي مقدمتها تشكيل حكومة مدنية، وأضافت في بيان، لقد انطلقت منذ السبت الماضي ثورة جديدة حققت انتصارات متوالية، وما زالت مستمرة لبلوغ غاياتها النبيلة وفي مقدمتها تشكيل حكومة مدنية تمضي نحو تحوّل ديمقراطي حقيقي.

وسط ذلك، يُذكر أن لجنة “أطباء السودان”، كانت قد قالت في أحدث إفادتها عن الجانب الإنساني في السودان، إن عدد القتلى المدنيين جراء الاشتباكات ارتفع إلى 144، في حين ارتفع عدد المصابين من المدنيين والعسكريين إلى 1409.

إلى ذلك، فإن الوضع السوداني ينذر بمخاطر كبيرة، لاسيما في ضوء احتمالية انسحاب الصراع على المستوى القَبلي، مستحضرا معه تاريخا من الصراعات الداخلية والعرقية، الأمر الذي قد ينعكس بشكل مباشر على وحدة السودان، واستقرار المنطقة بشكل عام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات