في الوقت الذي لم يمضِ الكثير فيه عن الاحتجاجات التي اجتاحت الشارع المغربي ردّا على ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للمواطنين، تشير معلومات عن حوار مرتقب تعتزم الحكومة المغربية إجراءه مع النقابات والفعاليات الاجتماعية في البلاد، لبحث حزمة من الملفات الخلافية من بينها زيادة الرواتب والاقتطاعات الضريبية.

ضمن حالة التوتر والغضب التي تخيم على الشارع المغربي نتيجة الغلاء الذي يصعّب من الحياة المعيشية في البلاد، تسعى الحكومة المغربية إلى ردم الهوة بينها وبين النقابات والفعاليات الاجتماعية، لاسيما في ظل الضغوط التي تتعرض لها من قبل خصومها السياسيين.

الحكومة المغربية، تحاول الجلوس مع النقابات الأكثر تمثيلا في المغرب، وهي؛ “الاتحاد المغربي للشغل”، و”الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل”، و”الاتحاد العام للشغالين”، وذلك خلال عقد اجتماعات معها في الأيام المقبلة من الشهر الجاري.

حيث سيستقبل رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، اليوم الجمعة، الأمين العام لنقابة “الاتحاد المغربي للشغل”، وهي أكبر نقابة في المملكة، بحسب ما نقلته صحيفة “العرب اللندنية” نقلا عن مصادر وصفتها بالمطّلعة، على أن تُعقد جلسات تفاوضية أخرى مع باقي ممثلي النقابات.

مساعي حكومية لتهدئة الشارع؟

أثناء ذلك، يرى مراقبون أن المساعي الحكومية بالانفتاح على النقابات والفعاليات الاجتماعية المغربية، يأتي في سياق محاولاتها إزالة أي مفاعيل توتر مع الجانب النقابي، لاسيما في ظل الضغوط المتصاعدة التي تواجهها من قبل خصومها السياسيين.

الحوار الحكومي الاجتماعي المرتقب، يندرج في سياق ضغوط تضخمية قوية تعرّض الحكومة المغربية لانتقادات النقابات والمعارضة البرلمانية ووسائل الإعلام المحلية، لاسيما في ظل بلوغ معدل التضخم 9.4 بالمئة خلال الربع الأول من 2023 مقابل 4 بالمئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي حسب المندوبية السامية للتخطيط.

اقرأ/ي أيضا: الدراما العراقية في رمضان 2023.. هل تحجز مقعدها في الساحة العربية؟

ليس ذلك فحسب، بل إن التضخم ازداد مع الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات الغذائية والذي وصل إلى +18.2 بالمئة خلال شهر رمضان الجاري، الذي عادة ما يُنتظر فيه من الحكومات تقديم الدعم مقابل ارتفاع مستوى الاستهلاك.

هذا التوتر الذي يعيشه الشارع المغربي، ليس وليد اللحظة، بل سابقا عاش المغرب حالة من الاحتقان والإضرابات التي نظمتها بعض القطاعات العمالية والوظيفية، وانتهت بتوقيع اتفاق نيسان/أبريل 2022، الذي وقِّع بين الحكومة والنقابات العمالية والاتحاد العام لمقاولات المغرب ممثل أرباب الشركات، ونص الاتفاق حينها على ضرورة الحوار الاجتماعي وتعديل الوضع الاقتصادي للعمال والقطاع الوظيفي، ويغطي محضر الاتفاق الفترة ما بين 2022 و2024.

لكن الحكومة ترى بأن الوضعية الاقتصادية الراهنة لا تسمح بهكذا خطوة، وقدمت مقابل ذلك في وقت سابق عرضا للنقابات يقضي بتخفيض الضريبة على الدخل، تبلغ كلفته ملياري درهم، ما يعادل 93278 دولارا.

عن ذلك، يقول رئيس الحكومة “قد يكون غير كاف، لكن موارد الدولة لا تسمح بأكثر منه”، داعيا النقابات إلى ضرورة تفهم ومراعاة الوضعية الاقتصادية، ولافتا إلى أن “الحكومة تسعى إلى الاستجابة لمختلف المطالب المنطقية التي يمكن تحقيقها، إلا أن المطالب التي يكون لها وقع على المنظومة المالية برمتها يصعب تحقيقها”.

هذه هي الحالة التي يعيشها المغرب، وهي السبب في اندلاع التظاهرات، وعلى هذا الأساس تحاول الحكومة إقناع النقابات بالتعاون معها والاستجابة لتنفيذ عدد من ما تصفه بالإصلاحات الكبرى؛ من قبيل ملف التقاعد، وقانون الإضراب، وقانون النقابات.

تجاذبات مجتمعية حكومية مرتقبة؟

بالتالي يرى مراقبون، أن المحادثات المنتظرة بين النقابات والحكومة ستشهد شدا وجذبا، وأن النقابات لا يبدو أنها في وارد تخفيض سقف مطالبها الأمر الذي يضع حكومة أخنوش في موقف صعب.

مغربيون يعبرون عن غضبهم من ارتفاع غلاء المعيشة/ إنترنت + وكالات

حول ذلك، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد المنعم الكزان، في حديث لموقع “الحل نت”، إن الحوار المرتقب يأتي على خلفية الدعوة إلى الإضراب العام في الوظيفة العمومية والذي دعت له أحد النقابات التي تعتبر من بين النقابات الأكثر تمثيلية والمتمثلة في “الكونفدرالية الديمقراطية” للشغل، مبينا أن ذلك سيناقش ارتفاع الأسعار الذي يضرب القدرة الشرائية للمواطنين والأجراء والعمال، إضافة إلى تنصل الحكومة من التزاماتها الواردة في اتفاق نيسان/أبريل الماضي.

اقرأ/ي أيضا: أميركا مستعدة لتقديم الدعم.. هل تستقر أسواق الدولار أكثر بالعراق؟

الكزان بيّن أن الاتفاق تضمن مجموعة من الالتزامات التي تنصلت الحكومة منها، في مقدمتها الزيادة العامة في الأجور، ومراجعة الضريبة على الدخل وغيرها من المطالب، مشيرا إلى أن الدعوة للحوار تأتي في محاولة استباقية للسخينات المرتبطة باحتفالات عيد العمال مطلع أيار/مايو، والذي من المرتقب أن تجدد النقابات خلاله تشبثها بمطالبها، لاسيما في ظل عدم التزام الحكومة ببنود الاتفاق السابق.

الباحث في علم الاجتماع السياسي، أشار إلى أن الاحتقان الاجتماعي الذي تعيشه المغرب، يأتي نتيجة لعدة عوامل، منها؛ عدد العاطلين عن العمل في المغرب بلغ مليون و150 ألف شخص، وغلاء الأسعار، وهي عوامل يمكن قياس مدى تأثيرها في الدعوة للإضراب في 18 نيسان/أبريل القادم أو خلال مطلع أيار/مايو، والذي يمكن من خلاله قياس أيضا مدى التحولات على مستوى التأثير الاجتماعي، ومدى تأثيرها في التعبئة داخل الشارع المغربي.

الحكومة متهمة بعدم إيجاد حلول عاجلة وناجعة للحالة المغربية، ومن المحتمل قد يؤدي ذلك إلى تفاقم حالة الاحتقان الاجتماعي ودفع المواطنين إلى تصعيد حدة الاحتجاج من أجل انتزاع حقوقهم، الأمر الذي من شأنه تهديد الاستقرار والسلم الاجتماعيين.

عبد المنعم الكزان لـ”الحل نت”.

كان اتفاق 30 نيسان/أبريل، قد جاء في أجواء اجتماعية مشحونة في ظل تداعيات ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية وأسعار المحروقات وتبعات الجفاف الذي عاشته البلاد آنذاك، مع استمرار تداعيات تفشي فيروس “كورونا” الجديد على الاقتصاد المغربي.

بموجب الاتفاق الثلاثي، تعمل الدولة على تقديم عرض، تتحمل تكاليفه، حيث يساهم في تخفيض كلفة الأجر الخاص بالعاملات والعمال المنزليين لدى مشغليهم، إسهاما منها في تشجيع النساء العاملات المشغلات على الانخراط في سوق الشغل ورفع نسبة نشاطهنّ الاقتصادي.

مضامين اتفاق 30 نيسان/أبريل

أيضا تم الاتفاق بين الحكومة والنقابات على جدولة زمنية لإخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط ممارسة حق الإضراب، ومراجعة بعض مقتضيات مدونة الشغل والقانون المتعلق بالنقابات المهنية، ومراجعة القوانين المنظمة للانتخابات المهنية، وفق المنهجية التي ستتخذها اللجنة المحدثة بموجب الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، باعتبارها الفضاء الأمثل لمناقشة تشريعات العمل وتحديد التعديلات.

كما تم الاتفاق على إحداث ولأول مرة آليات مواكبة لمأسسة الحوار الاجتماعي، ويتعلق الأمر بـ “المرصد الوطني للحوار الاجتماعي” ليشكل فضاء لترسيخ الثلاثية وتوسيع دائرة القوة الاقتراحية، ويتولى مهمة اليقظة الاجتماعية وإنتاج المؤشرات وتتبع المعطيات وتنسيق إعداد التقرير السنوي حول المناخ الاجتماعي. 

هذا بالإضافة إلى إحداث أكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل ومناخ الاستثمار من أجل الرفع من قدرات الفاعلين في مجال الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية والآليات البديلة لحل وتدبير النزاعات والوساطة الاجتماعية.

مع تعطل تنفيذ الاتفاق، كانت “الجبهة الاجتماعية المغربية”، وهي تكتل حقوقي مشكّل من نقابات وجمعيات حقوقية، قد دعت خلال الأيام القليلة الماضية، للاحتجاجات ضد الغلاء والقهر الاجتماعي، في سبع وخمسين مدينة مغربية.

بناء على ذلك، نظم عشرات المواطنين المغاربة اعتصاما في الدار البيضاء كازابلانكا، مساء السبت الماضي، مطالبين الحكومة باتخاذ إجراءات عملية للحد من أثر ارتفاع الأسعار، وشددوا على أن الفئات الفقيرة في المملكة المغربية لم تعد قادرة على تحمل تكاليف المعيشة الباهظة، بحسب الموقع الإخباري.

خلال الاحتجاجات عبّر المشاركون في الوقفة المنظمة أمام “البرلمان” المغربي في الرباط، عن رفضهم للتبريرات التي تقدمها الحكومة بخصوص ارتفاع الأسعار، مطالبين بالعمل على معاقبة المضاربين والمحتكرين للسلع، وإنصاف المواطنين المقهورين.

وفقا للمعطيات لا يبدو واضحا أن الحوار المرتقب بين الحكومة والنقابات والفعاليات الاجتماعية قد يأتي بما يلبي طموحات الحكومة، خاصة بعد نقض اتفاق نيسان/أبريل الماضي، الأمر الذي قد يدفع إلى استمرار التوتر والغضب في الشارع المغربي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات