مجددا، عادت المعارك إلى ساحة الكونغو الديمقراطية مرة أخرى، بين مسلحي حركة “23 مارس“، وقوات الكونغو الوطنية إلى جانب ميليشيات متمردة متحالفة معها، وذلك بعد أن استولت الحركة المسلحة على مساحة من شرق البلاد على خلفية معارك خاضتها قبل أكثر من عام بقليل، على الرغم من اتفاق الجانبين على وقف إطلاق النار الشهر الماضي.

إذ كان طرفي الصراع قد أعلنا اتفاقا لوقف إطلاق النار، بعد عقد قمة مصغرة احتضنتها العاصمة الأنغولية لواندا لبحث التوتر، وأسفرت مخرجات القمة عن الاتفاق على انسحاب حركة “إم 23” من المناطق المحتلة مؤخرا، والتراجع إلى مواقعها السابقة، وذلك بعدما شهد شرق الكونغو الديمقراطية قتالا عنيفا في الأشهر الأخيرة، بين الجنود الكونغوليين وعناصر “إم23″ المتمردة.

رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، عقد اجتماعا مع وزير خارجية رواندا المتهمة بدعم عناصر “إم 23”، فانسان بيروتا، في لواندا، في ظل ارتفاع مستوى التوتر بين البلدين الجارين، على خلفية أعمال عنف دموية ينفذها عناصر الحركة على الحدود، وبعد المحادثات أعلن عن “وقف فوري لإطلاق النار” في البلاد عند الساعة، وبحسب الاتفاق فإن الطرفين اتفقا على المطالبة بالانسحاب الفوري لمتمردي “إم23” من المناطق المحتلة.

انفجار قد يلتهم وسط القارة الإفريقية

غير أنه عناصر الحركة المسلحة رفضوا حينها الاتفاق وقالوا إنه لا يمثلهم، وذلك قبل أن يعودوا لشن الهجمات الأسبوع الماضي، بسبب عدم دمج الحكومة الكونغوليية مقاتلين حركة “إم 23″ في الجيش، وفقا لاتفاق نيروبي 2013، الأمر الذي أثار مخاوف الكثيرين من أن يمتد الصراع إلى مناطق أخرى، وتوسع دائرة الصراع العرقي.

اقرأ/ي أيضا: اختفاء الشباب في زنجبار الإفريقية.. مؤشر على تنامي الإرهاب؟

المهتم في شؤون القارة الإفريقية، اعتبره بأنه “نذير شؤم” على القارة السمراء، قائلا في حديث لموقع “الحل نت“، إن عودة تجدد الصراعات العرقية والسياسية ستكون أشبه بقنبلة قد تنفجر في الكونغو الديمقراطية لتتوسع إلى أبعد من ذلك، لتلتهم عدة دول في وسط إفريقيا، لاسيما وأن هناك اتهامات لرواندا بالتدخل في هذا الصراع، مقابل دعم الكونغو متمردين “هوتو” الراونديين، وهو الأمر الذي يزع الطرفين ويعطيه ذريعة لدعم الصراع.

البياتي أضاف أن الدولتين تعرفان مدى تداعيات استمرار القتال وتوسعه، إذ أنه وحتى اللحظة قد تسبب بأزمة إنسانية كبيرة حيث نزح الآلاف من مناطق الصراع إلى مخيمات اللاجئين وسط أوضاع إنسانية مأساوية، مبينا أن الحل المنطقي لذلك هو تدخل “الاتحاد الإفريقي” لوضع حد لهذا الصراع من خلال دعم الحوار بين أطراف النزاع، وحتى لو اطلب الأمر على إقناع حكومة الكونغو على الوفاء بتعهداتها في دمج مقاتلي حركة “إم 23”.

وجهة نظر البياتي قائمة على أنه في ظل إحراز مقاتلي الحركة المسلحة لانتصارات ميدانية وتقدمهم بالقرب من العاصمة، فضلا عن سيطرتهم على مساحات ومدن، هذا سيدفعهم إلى عدم تقديم أي تنازلات والاستمرار في القتال وسط ضعف الجيش الكونغولي، بالتالي فإن الحل هو في احتواء الهجمات واستباق أي تطور لأوضاع قبل أن يصل إلى حد المجازر التي ستدفع إلى صراع عرقي.

صراع عرقي يهدد القارة السمراء

البياتي يعتقد أن الصراع معقد ووصل إلى مراحل خطرة حيث باتت وسط القارة الإفريقية على المحك، معللا ذلك لسبب أن راوندا لن تسحب دعمها لحركة “إم 23″، ببساطة لأنها تتهم كينشاسا حكومة الكونغو بالتواطؤ مع “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، وهي مجموعة سابقة تضم متمردين “هوتو” راونديين تأسست في جمهورية الكونغو بعد إبادة العام 1994 التي شنتها جماعة “الهوتو” ضد “التوتسي” في راوندا، لذلك هي تخشى ذلك جيدا وتعتبرهم تهديد للأمن القومي والسلم المجتمعي، وفي المقابل ذات الأمر حيث تخشى الكونغو عناصر “إم 23” التوتسيين.

لذلك انفجار الأوضاع قبل السيطرة عليها قد يدفع إلى صراع كارثي ربما يبتلع عدد من الدول المتنازعة سياسيا وعرقيا ودينيا، بحسب البياتي، الذي يرى أن الحل الوحيد هو أن تأخذ الأمم المتحدة دورها في هذه المعادلة إلى جانب “الاتحاد الإفريقي”، وإلا أن الصراع سيعيد رسم خارطة النفوذ داخل القارة الإفريقية من جديد، على حد تعبيره.

يشار إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية قد شهدت حربين أهليتين الأولى من 1993 إلى 1996 متأثرة بالإبادة الجماعية في رواندا، والثانية من 1997 إلى 1999. وعلى رغم انتهاء الحرب الأهلية هناك، فإنها خلّفت أكثر من 100 حركة متمردة، برزت منها ثلاث هي “تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو” و“التجمع من أجل الديمقراطية الكونغولية” و“المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب“، ونتجت عن تحالفها حركة “23 آذار/مارس” التي تعرف باسم “الجيش الثوري الكونغولي“.

اقرأ/ي أيضا: انفصال إقليم أزواد.. تصعيد جديد في مالي؟

وكانت حركة “23 مارس” المعروفة اختصارا باسم “أم 23″ كانت قد تقدمت إلى شرق البلاد، ونشرت قواتها في مقاطعة كيفو، ومن عاصمة المقاطعة غوما التي تعد من أكبر مدن الجمهورية، كما استولت على مساحات شاسعة من الأراضي وأججت التوتر على طول بحيرة كيفو في المنطقة، فضلا عن شنها هجمات واسعة على القوات الأمنية بالقرب من القاعدة العسكرية رومانجابو، التي تشكل لها رمزية تاريخية إذ كانت المقر الرئيس للمتمردين بعد استيلائهم عليها خلال موجة التمرد في عامي 2012 و2013.

مأساة الصراع التاريخي

الجدير ذكره، أن الصراع في الكونغو يعد واحد من أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية وأطولها في العالم، إذ يواجه أكثر من 27 مليون شخص نقصا في الغذاء بسببه، فيما اضطر ما يقرب من 5.5 مليون شخص إلى الفرار من ديارهم، بحسب الأمم المتحدة، كما وينظر إلى الكونغو الديمقراطية عموما، على أنها في حالة حرب دائمة على الرغم من المحاولات المبذولة لإحلال السلام المستدام.

وخلال المعارك الأخيرة التي بدأتها حركة “إم 23” منذ مطلع العام الماضي، أدى إلى نزوح ما لا يقل عن 400 ألف شخص منذ آذار/مارس الماضي، وفقا للأمم المتحدة، حيث تجمع الكثير منهم في مخيمات بائسة شمال غوما، وما هؤلاء الفارين من القتال ليسوا سوى جزء بسيط من ملايين المدنيين العالقين في صراع على السلطة بين دول المنطقة التي تخاطر باجتذاب جهات فاعلة من جميع أنحاء إفريقيا، وحتى القوى العظمى المتنافسة.

حيث يشير تقرير نشر حديثا في صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى، تورط الجارتان رواندا وأوغندا بشكل مباشر في الحرب، وأصبحت كينيا متورطة أيضا، فيما تحاول الولايات المتحدة التدخل في ذلك، في الوقت الذي تبذل فيه روسيا جهودا لاستغلال الفرص لكسب النفوذ وبالتالي الوصول إلى الموارد الطبيعية القيمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.