الأحداث في منطقة مالي تكاد لا تتوقف، حيث تتجه مؤخرا إلى مرحلة تصعيد جديدة، تمثلت بتحركات من قبل الحركات الأزوادية المسلحة، بغية تنفيذ “اتفاق الجزائر” للسلام الموقع بينها وبين الحكومة الانتقالية في مالي عام 2015، وسط اتهامات للمجلس العسكري الحاكم بـ”التنصل” من الاتفاق، والذي يرى بأن “أولويته محاربة الإرهاب”.

مصادر تابعة لحركات أزوادية، تحدثت لموقع “سكاي نيوز عربية” عن خطوات قادمة للتصعيد، قد تصل لإعلان “استقلال” الإقليم.

اتفاق المصالحة والسلام بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية، برعاية الجزائر والمسمى بـ”اتفاق الجزائر”، ينص بنوده على “إعادة بناء الوحدة الوطنية للبلاد على قواعد تحترم وحدة أراضيها، وتأخذ في الاعتبار تنوعها الإثني، كما يشمل على استعادة السلام في مالي بشكل أساسي، من خلال عملية اللامركزية أو الإقليمية، وإعادة تشكيل جيش وطني من أعضاء الجماعات المسلحة السابقة التي كانت موقعة، وكذلك تعزيز الاقتصاد خاصة في الشمال، على أساس الحوار والعدالة والمصالحة الوطنية”.

“اتفاق الجزائر” يعيش مأزقا غير مسبوق، بحسب مركز “كارتر” الأميركي، فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2021، أصبح الحوار بين أطرافه أكثر صعوبة، ولأجل تحريك المياه الراكدة دعا المركز لمراجعة الاتفاق.

إحياء الاتفاق

هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى إصدار البيان الأخير لتنسيقية الحركات الأزوادية حول طلب الوساطة الدولية للقيام بدورها في اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن “مسار الجزائر”، بحسب حديث الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة “باماكو” محمد أغ إسماعيل، لـ”الحل نت”، من أهمها، التدهور المستمر للأوضاع الأمنية في المنطقة، وتحديدا إقليم أزواد عقب الانسحاب الفرنسي منه، مما أسفر عن مئات القتلى من النساء والشيوخ والأطفال من أبناء الإقليم، وتدمير قرى بأكملها بولايتي غاوو وميناكا، حيث  أدى ذلك إلى نزوح ما بقي من القرى داخل المدن الكبيرة للإقليم.

 تداعيات هذا الوضع الأمني المتأزم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي لسكان الإقليم قاطبة، وأيضا استمرار المماطلة في عدم فتح ملفات الاتفاق الأساسية، والمتمثلة في البنود السياسية والأمنية والاقتصادية، وذلك على الرغم من تنازلات ومفاوضات واجتماعات بقيادة الوساطة الدولية من أجل التنفيذ، والذي كان آخرها الاجتماعين في أيلول/سبتمبر الماضي برئاسة رئيس الوزراء المالي، ووزير خارجية الجزائر، حيث تم الاتفاق على الإسراع في التفعيل ووضع أجندة لذلك. تعد من الأسباب المهمة أيضا، وفق إسماعيل.

اقرأ أيضا: بعد مالي.. هل تتدخل “فاغنر” الروسية في بوركينا فاسو؟

انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم أزواد من قبل مرتزقة “فاغنر” الروسية وعناصر من “الجيش الوطني” بحسب بيان التنسيقية، تعد سببا مهما أيضا، من وجهة نظر إسماعيل، إلى جانب غياب رؤية واضحة لمستقبل الاتفاق لدى الحكومة الانتقالية في مالي، في ظل الخلافات السياسية بباماكو ومع دول الإقليم، وحلفاء آخرين مما جعل بعض الدول تسحب قواتها من بعثة الأمم المتحدة المتعددة المهام في مالي.

الموقف الأزوادي من الاتفاق

بالنسبة لموقف الحركات الأزوادية من “اتفاق الجزائر”، بحسب إسماعيل، فيبدو أنها لم تعد تؤمن بإرادة تنفيذه من قبل الأطراف المعنية. لكن في نفس الوقت، ليس لديها بديلا، لأن الحرب ليست في صالح أحد. لذلك تطالب الأطراف الضامنة بالتدخل من أجل الضغط على باماكو لتنفيذه. وهذا لا يعني أن الحركات الأزوادية راضية بكل بنوده.

إن لم ينفذ الاتفاق، فيمكن الرجوع إلى مواجهات مسلحة بين الحركات والحكومة المركزية ولا أحد يستطيع في الوقت الراهن أن يعرف ما ستسير إليه الأمور، فجميع السيناريوهات واردة، بحسب تعبيره.

المجلس العسكري في مالي يرى أن أولوياته التصدي للجماعات الإرهابية التابعة لتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، وفق إسماعيل، حيث يضيف أن الحركات الأزوادية “تريد تحريك المياه الراكدة”، بطلبها الاجتماع العاجل، خاصة بعد تزايد هجمات الإرهاب في الإقليم، إذ اتخذت الحركات الأزوادية خطوات لحشد أعضائها ضد الإرهاب، كوسيلة لتوحيد صفوفها.

مستقبل الحركات الأزوادية

جميع الجهات الدولية، وبما فيها الأمم المتحدة، جمعت ما يكفي من أدلة مقنعة، على أن الحركة الأزوادية تستطيع الاعتماد على نفسها، فيما يخص تسيير دولة ولو بالحد الأدنى على الأقل، ومالي عاجزة حتى على حماية نفسها، “فما بالك بالسيطرة على أزواد بالكامل”، وفق حديث العضو المؤسس في “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” بكاي أغ أحمد، لـ”الحل نت”.

من هنا يتبين بأن “اتفاق الجزائر” ليس إلا مهدئ وقف مؤقت، لإطلاق النار بين الأزواد وبين دولة مالي، بحسب أحمد، حيث مضت عليه قرابة ثماني سنوات دون تطبيق يذكر، بل إن “الحكومة الانتقالية في باماكو تسلك طرق أخرى بعيدة كل البعد عن بنود الاتفاق”، بحسب تعبيره.

قد يهمك: من شرق القارة السمراء إلى غربها.. الإرهاب يتصاعد عبر إفريقيا؟

 الجزائر باعتبارها وسيط تبحث عن كيفية عودة الأمور إلى ما قبل 2012، ليكون مصير الاتفاق مثل اتفاق “تمنغست” 1992، الذي انتهى بحرق الحركات الأزوادية لأسلحتها في محرقة آذار/مارس 1996 في تنبكتو.

الحركة متمسكة بالاتفاق ما دامت الحكومة المالية لم تعلن علانية الخروج عنه، يقول أحمد، لإنه “يعتبر تعهد والتزام سياسي وقعته بحضور المجتمع الدولي”.

تأثير الأزمة على دول إفريقيا

منطقة أزواد، تقع شمالي جمهورية مالي بمحاذاة الحدود الموريتانية، وعلى الشرق منها يقع آدغاغ أيفوغاس المحاذي للحدود النيجرية والجزائرية، ويفصل بين منطقتي أزواد وآدغاغ أيفوغاس، وادي تلمسي ويشكلان معا الصحراء المالية. يشمل أزواد ولايات تمبكتو وغاو وكيدال، وعاصمته هي مدينة غاو كبرى المدن في المنطقة.

مساحة إقليم أزواد تبلغ 822 ألف كم مربع أو ما يقارب 66 بالمئة من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع. تعادل مساحة الإقليم مجموع مساحتيّ فرنسا وبلجيكا معا.

عدد سكان الإقليم يبلغ أربعة ملايين نسمة بحسب تقديرات أخيرة، والمكون الأساسي المعروف لبلاد أزواد في شمال مالي هم “الطوارق” أو “أمازيغ الصحراء”، ويلقبون أيضا بـ”الرجال الزرق” لطغيان اللون الأزرق على لباسهم، وهم شعب من الرحل والمستقرين، وكل مكونات الشعب الأزوادي يتحدثون الأمازيغية بثلاث لهجات.

فيما يخص دول شمال إفريقيا، بحسب محمد أغ إسماعيل، فمن الطبيعي أن تتأثر بكل ما يجري في الإقليم، نتيجة القرب الجغرافي والترابط الإثني والثقافي. بينما يقول بكاي أغ أحمد، إن دول الجوار يهمها الجانب الأمني أو الساحل كما هو معروف في المصطلح الجيوسياسي، “على الرغم من أننا نعتقد أن بعضها ساهم في نشر الجماعات المتطرفة، فالحيلولة دون انفصال أزواد عن مالي، يعتبر ذلك تهديد لأمنها القومي”، وفق قوله.

الأحداث المتجددة في منطقة الساحل الغربي وفي منطقة مالي على وجه الخصوص، تأخذ منعطفات ومنحنيات مثيرة للقلق، فالتحولات السياسية والخلافات الداخلية المستمرة وحالة عدم الاستقرار، تزعزع مستقبل مكافحة الإرهاب في المنطقة، ويرى مراقبون بأن تحقيق الاستقرار يتوقف على تعزيز العملية الديمقراطية من قبل أصحاب المصلحة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.