ظهرت في هذا الشهر شباط/فبراير، أحدث التقارير لبيع طائرات بدون طيار إيرانية من طراز “مهاجر 6” إلى القوات المسلحة السودانية لاستخدامها في الحرب الأهلية السودانية، ولا ينبغي أن تكون مفاجئة لأولئك الذين يتابعون مبيعات الأسلحة الإيرانية. 

في السنوات الأخيرة، بل وأكثر من ذلك في العام الماضي وحده، زادت إيران وتيرة مبيعاتها ونقل الطائرات بدون طيار إلى أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك إثيوبيا وبوليفيا وفنزويلا و”جبهة البوليساريو” في الصحراء الغربية. 

إن إيران في طريقها لأن تصبح مصدراً رائداً للأسلحة على مستوى العالم بشكل غير مشروع، خاصة وأن دولاً وجماعة مصنّفة إرهابية مهتمة بشراء هذه القدرات، والربح الاقتصادي الذي تجنيه إيران في هذا الصدد واضح؛ إذ تشير التقديرات إلى أن تكلفة طائرة “شاهد 136” الشهيرة تتراوح ما بين 20 ألف دولار إلى 40 ألف دولار للوحدة الواحدة.

تهريب الأسلحة إلى اليمن

المنتجات العسكرية الإيرانية غزت أربع قارات ليس لأنها ذات كفاءة، بل لأنها ساعدت بعض الفئات غير المنضبطة على استمرار وجودها في ساحة المعركة، سواء كان ذلك من خلال استخدام روسيا لها في الحرب ضد أوكرانيا أو استخدام المنظمات الإرهابية لها تحت رعاية إيران، مثل “حزب الله” اللبناني، أو “الحوثيين” في اليمن، أو الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا. 

خريطة تظهر مسار تهريب الأسلحة من الموانئ الإيرانية نحو ولاية شناص العُمانية - "الحل نت"
خريطة تظهر مسار تهريب الأسلحة من الموانئ الإيرانية نحو ولاية شناص العُمانية – “الحل نت”

وقد تجلّت قوة هذه الأسلحة في أيدي الفئة الأخيرة من الجهات الفاعلة في هجوم 28 كانون الثاني/يناير الفائت، على قاعدة في شمال شرق الأردن، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد الخدمة، وكذلك في بداية حملة “السيوف الحديدية”، عندما كانت إسرائيل تعرّضت لهجوم شرس من قِبل جماعة “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

أنشطة إيران الأخيرة في هذا الصدد، تمثّل تحذيرا واضحا لما سيحدث إذا زادت إنتاجها من الأسلحة. علاوة على المشاكل الأخرى التي يخلقها هذا الاتجاه، عبر منح القدرات الاستراتيجية لأولئك الذين لديهم آليات/عمليات صنع القرار الإشكالية، حيث قد يؤدي إلى إساءة استخدام القدرات المذكورة، الأمر الذي يمكن أن يزعزع استقرار مناطق مختلفة من العالم بشكل كبير.

الجيش الأميركي، أعلن في نهاية شهر كانون الثاني/يناير هذا العام، أن قواته البحرية الخاصة صادرت أجزاء صواريخ إيرانية الصنع وأسلحة أخرى كانت متّجهة إلى المسلحينَ “الحوثيين” المدعومينَ من طهران. واحتجز الجيش الأميركي طاقم المركب الشراعي المكوّن من 14 فرداً، وأغرق السفينة بعد أن اعتبرها غير آمنة، وفقاً للقيادة المركزية الأميركية.

القوات الأميركية الخاصة، اعتلت سفينة شراعية تقليدية بالقرب من ساحل الصومال في المياه الدولية لبحر العرب، وصادرت صواريخ باليستية إيرانية الصنع ومكونات صواريخ “كروز”، بما في ذلك محرك الدفع والتوجيه والرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية متوسطة المدى وصواريخ “كروز” المضادة للسفن.

في هذا الصدد يرى الباحث والكاتب اليمني، نبيل البكيري، في حديثه مع “الحل نت”، أن “خط تهريب الأسلحة من إيران إلى اليمن لم ينقطع منذ أكثر من عقدين من الزمان، وأما الآن فقد تحوّل لظاهرة وعملية تتم وفق خط ناظم لها ومنظور من قبل القوى الدولية عبر خليج عمان وبحر العرب وخليج عدن وصولاً للبحر الأحمر”. 

السلاح الإيراني وعدم استقرار اليمن

المبعوث الأميركي الخاص، تيم ليندركينغ، قال في وقت سابق، إن واشنطن لا تزال تشعر بالقلق إزاء الدعم العسكري المستمر الذي تقدّمه طهران لحركة “الحوثي” في ​​اليمن. وإن التقارب الأخير بين السعودية وإيران لم يمنعها من تهريب الأسلحة إلى “الحوثيين”. 

الأمم المتحدة عثرت على آلاف الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها مؤخّراً في بحر العرب، ومن المحتمل أنها جاءت من ميناء واحد في إيران، وهو دليل على أن طهران تصدّر أسلحةً إلى اليمن وأماكن أخرى، حسبما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”. 

ونقلاً عن تقرير سرّي صادر عن لجنة خبراء تابعة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، كتبت الصحيفة أن القوارب ووسائل النقل البري استخدمت لتهريب أسلحة مصنوعة في روسيا والصين وإيران إلى اليمن، وتضمّنت الأسلحة قاذفات صواريخ ورشاشات وبنادق قناصة، استولت عليها البحرية الأميركية في الأشهر الأخيرة. 

القوارب المستخدمة لنقل الأسلحة غادرت ميناء “جاسك” بجنوب شرق إيران، حسبما ذكر تقرير الأمم المتحدة، استنادا إلى مقابلات مع طاقم القارب وبيانات من الأجهزة الملاحية الموجودة على متن السفينة. وتشير التقديرات إلى أنه في الوقت الذي يزداد فيه تهريب الأسلحة وتصبح اليمن سوقاً لها، نجد أن 80 بالمئة من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

في تقرير عن مؤسسة “أبحاث تسليح الصراعات”، وهي شركة استشارية خاصة للأسلحة، جاء فيه أن الأدلة المتاحة تشير إلى “خط أسلحة واضح، يمتد من إيران إلى الصومال واليمن، والذي يتضمن نقل كميات كبيرة عن طريق المراكب الشراعية، من الأسلحة المصنعة في إيران والأسلحة المستمدة بشكل معقول من المخزونات الإيرانية”. 

لسنوات، كانت إيران خاضعة لسلسلة من العقوبات الدولية التي تمنعها من تصدير الأسلحة. فيما أكدت الولايات المتحدة مراراً أن طهران انتهكت العقوبات لدعم قوات بالوكالة في العديد من الصراعات، بما في ذلك في العراق وسوريا واليمن والأراضي الفلسطينية.

وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، قال إن إيران صعّدت عمليات تهريب الأسلحة إلى ميليشيا “الحوثي” منذ انتهاء الهدنة التي دعمتها الأمم المتحدة. واتهم الإرياني النظام الإيراني بارتكاب مثل هذه الانتهاكات “لتصدير أزماته الداخلية” و”التغطية على الفظائع التي يتعرّض لها الشعب الإيراني”.

وأضاف أن النظام يريد “حشد ميليشياته الطائفية لخلق الفوضى والإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار وتهديد أمن الطاقة والممرات الملاحية الدولية”. ودعا الوزير المجتمع الدولي وأعضاء الأمم المتحدة إلى مواجهة ممارسات إيران غير القانونية التي تقوّض الاستقرار الإقليمي والدولي.

 تهريب الأسلحة الإيرانية إلى إفريقيا

الدعم الإيراني لم يتوقف على جماعة “الحوثي” للسيطرة على اليمن بل أكثر من ذلك، حيث حذّرت منظمة دولية لمراقبة الجريمة المنظمة، من أن الأسلحة والذخائر الإيرانية المقدمة للمتمردين “الحوثيين” في اليمن قد تكون في طريقها إلى السوق السوداء في شرق إفريقيا. 

استولت الولايات المتحدة على “الأسلحة التقليدية المتقدمة” المهربة لجماعة الحوثي اليمنية الأسبوع الماضي بالقرب من ساحل الصومال في المياه الدولية في البحر العربي في 11 يناير 2024. (غيتي)

فالأسلحة القادمة من اليمن تجد طريقها بشكل متزايد إلى شرق إفريقيا. وهذا ينطبق بشكل خاص على الصومال. حيث ارتفع عدد عمليات نقل الأسلحة المصادرة بين سواحل البلدين في السنوات الأخيرة، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان ذلك بسبب توسيع التجارة أو تشديد الضوابط.

المجتمع الدولي بدأ بتتبّع عمليات نقل الأسلحة الإيرانية منذ تفجير بيروت عام 1983، الذي أودى بحياة مئات الأميركيين. وبشكل ملحوظ بالنسبة لأوروبا والغرب، يبدو أن إيران تعمل على زيادة أنشطتها في إفريقيا. 

إن مبيعات الأسلحة الإيرانية في إفريقيا، وخاصة في مناطق معيّنة، مفيدة لروسيا والصين وتتعارض مع المصالح الغربية. إن إنتاج الأسلحة في إيران أصبح متطوراً بشكل متزايد. وينتقل من سوق إلى آخر، اعتماداً على المشترين. كما أن شراكات إيران المتزايدة مع الصين وروسيا تجعل طهران تسعى بشكل متزايد إلى تحقيق مصالح جديدة في إفريقيا، خاصة فيما يتعلق بموسكو وقاعدتها المقترحة في السودان. 

وتسعى صناعة الشحن التجاري الإيرانية أيضاً إلى زيادة قدرتها على الإبحار حول الساحل الشرقي لإفريقيا  إلى خليج غينيا حيث تختلط الأسلحة في هذا التدفق التجاري. 

كما تشهد السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول الإفريقية زيادة حادة في النشاط والتواصل، إذ زار وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، مالي وتنزانيا العام الماضي وموريتانيا هذا العام، مما فتح خطوطاً جديدة للفرص الدبلوماسية والشحن والتجارة. وستختلط الأسلحة بمثل هذه الأنشطة، كما حدث خلال الأيام التي كانت فيها إيران تمتلك مصانع أسلحة في السودان في عهد عمر البشير.

القرن الإفريقي وشبكات تهريب الأسلحة

جغرافياً يُقصد بالقرن الإفريقي، ذلك الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن على شكل قرن، وهو بهذا الشكل يضمن كلّا من الصومال وجيبوتي  وإريتريا وإثيوبيا، بينما تتسع المنطقة أكثر عند النظر لها من زاوية سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.

وتقوم طهران بنقل المزيد من الأسلحة إلى القرن الإفريقي، وتحديداً بونتلاند. إن مثل هذه الخطوة من جانب طهران تتعارض مع العديد من المصالح. وخاصة مع التوقيع على اتفاقية بين الصومال وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لدعم جهود الصومال في مكافحة تهريب الأسلحة. 

يستخدم نظام نقل الأسلحة الإيراني المحمول بحراً نفس الطريق الذي يستخدمه الشاحنون والتجار البحريون منذ عقود، وشبكة الأسلحة التي تمتد على طول الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية إلى القرن الإفريقي يصعب ضبطها. 

الباحثة السياسية في الشأن الإيراني، فوزية القاضي، ترى في حديثها مع “الحل نت “، أن تواصل إيران مع القرن الإفريقي لتحقيق هدفين رئيسيين. أولاً، تأمين طرق الملاحة لسفنها التجارية وناقلات النفط التي تبحر عبر البحر الأحمر وخليج عدن. ثانياً، استخدمت اتصالاتها في القرن الإفريقي لدعم شركائها المحليين، وفي المقام الأول جماعة “الحوثيين” في اليمن و”حماس” في غزة.

تُظهر الأبحاث أن الذخيرة الإيرانية موجودة في الخدمة لدى مجموعة من الكيانات، بما في ذلك القوات الحكومية (غينيا وساحل العاج وكينيا والسودان)، والمجتمعات المدنية المتحاربة في (كينيا وجنوب السودان وأوغندا) وجماعات المتمردين والميليشيات في (ساحل العاج ودارفور وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والنيجر). 

علاوة على ذلك، هناك تاريخ قوي من وقوع الأسلحة الإيرانية في “الأيدي الخطأ”، إذ تظهر الأبحاث أن الذخيرة الإيرانية موجودة في الخدمة لدى فصائل متحالفة مع تنظيم “القاعدة” في بلاد المغرب الإسلامي العاملة في النيجر.

جيبوتي..  سوق جديد للسلاح

وكما هو الحال في الصومال واليمن، تتأثر دولة جيبوتي في خليج عدن بشكل كبير بديناميكيات تدفّق الأسلحة الإقليمية – وبالتطورات في جارتها الشمالية إريتريا. في السابق، كانت إريتريا هي التي اتُّهمت في كثير من الأحيان بأنها النقطة المحورية لتهريب الأسلحة الإقليمية. على سبيل المثال، استخدمت إيران محطتها البحرية في ميناء عصب بإريتريا لشحن المعدات العسكرية إلى “حزب الله” و”حماس” و”الحوثيين”، عبر خليج عدن والبحر الأحمر.

تهريب الأسلحة اليمن
تهريب الأسلحة اليمن

لكن تغيّر هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة، ففي أعقاب اتفاق السلام لعام 2018 بين إثيوبيا وإريتريا، تسعى الأخيرة جاهدة للتخلص من سمعتها الدولية السلبية. وعلى الرغم من نفي ممثلو جيبوتي، تظهر الأبحاث الحديثة أن الدولة الصغيرة تعمل بشكل متزايد على سدّ الفجوة التي خلّفتها إريتريا لتصبح المركز الإقليمي لنقل الأسلحة. 

على سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن جيبوتي تستخدم الآن كوسيط للأسلحة المهرّبة من اليمن إلى الصومال. ووفقاً لروايات شهود عيان، فإن الميناء الذي تستثمر فيه الصين في دوراليه (جبيبوت) استُخدم لشحنات الأسلحة غير القانونية إلى شرق إفريقيا واليمن. 

في عام 2018، تم الكشف عن شحنات تتكون من قاذفات صواريخ متعددة، وصواريخ مضادة للدبابات، وكميات كبيرة من الأسلحة، واتُّهمت حكومة جيبوتي بأنها تقبل التجارة غير المشروعة لموازنة ديونها مع الصين.

وأخيراً، وبينما تقلّص عدد أصدقاء إيران في حوض البحر الأحمر وخليج عدن باستمرار خلال العقد الماضي، فإن  الكيان الإفريقي يمثّل مشهداً سياسياً سريع التطور حيث لا يزال من الممكن أن يتحول أعداء اليوم إلى شركاء الغد. وفي غضون ذلك، ستسعى طهران إلى الاستفادة من الاحتكاكات الكامنة في المنطقة لإيجاد بعض نقاط الدخول والاحتفاظ ببعض التأثير على تطوراتها الجيوسياسية. وستركّز أنشطة إيران في إفريقيا على منع تحوّل البحر الأحمر وخليج عدن إلى “بحيرة معادية لإيران”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات