على معزل من أنظار العالم، هناك في شرق إفريقيا؛ على ما يبدو أن خطر الإرهاب يتنامى تدريجيا، إذ تشهد جزر زنجبار التابعة لتنزانيا حالة غريبة، حيث يتوارى فيها الشباب عن ذويهم خلسة دون عودة، وذلك على الرغم من أن المنطقة المطلة على المحيط الهندي تعد أقل عرضة للإرهاب من جيرانها، مثل كينيا وموزنبيق، والصومال، إلا أن ما يعزز احتمال انتشاره هي ثقافة الكتمان التي تتبعها سلطات البلاد.

منذ آب/أغسطس الماضي، اختفى ما لا يقل عن 20 رجلا من الجزيرة، وهو الشهر الذي شهد اختفاء 7 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 19 و36 عاما اختفوا بشكل غامض من الأرخبيل التنزاني، في حين بقي ذويهم منشغلون في إعادة ترتيب الأحداث على أمل التوصل إلى الأسباب التي دفعت أبناءهم إلى الاختفاء، وسط انعدام للثقة بين المواطنين والشرطة التي تثير ردود فعلها حول الموضوع الاستغراب.

أسر المفقودين الذين يعتقد أن عددهم الفعلي أعلى من ذلك، قالوا بأنه قبل مغادرة أبناءهم أصبحوا جميعا أكثر انفرادية، وأكثر تشددا بشأن معتقداتهم الدينية، وقلقين بشأن زيادة الفحش الأخلاقي في الجزيرة، كما يحرصون على تعاليم عبود روغو محمد، وهو رجل الدين إسلامي متطرف من كينيا، قتل في عام 2012، وكان له نفوذا واسعا في جميع أنحاء شرق إفريقيا، وربطته الأمم المتحدة بجماعة “الشباب الصومالية المسلحة“.

إلى أين يذهبون شباب زنجبار؟

وسط ذلك ومما أثارته الحالة من تكهنات، ضغطت العائلات على الشرطة للتحقيق في حالات الاختفاء، وهو ما دفع مفوض شرطة زنجبار حمد خميس حمد، للقول: “لا أريد أن أستبعد تماما احتمال ذهاب البعض للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، ولكن لا يمكننا التأكد من ذلك إلا بالأدلة، وإلا فإن كل ذلك افتراضات“، بحسب ما نقلته صحيفة “الغارديان” البريطانية.

اقرأ/ي أيضا: أزمة الديون الضخمة.. ما تأثيرها على الاقتصاد العالمي؟

ما عزز موقف الشرطة وتخميناتها، اعتقاد بعض العائلات التي أفادت بأن الرجال غادروا للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، حيث ترك أحد المغادرين والبالغ من العمر 19 عاما، رسالة إلى عائلته يشرح فيها أنه ذهب “للقتال من أجل الإيمان“، ليتبعه ما كشفته تحقيقات الشرطة مع اثنين من المشتبه بأنهم يعملون على تجنيد الشباب بعد القبض عليهم، والعثور في التحقيقات الأولية على وثائق مستخدمة في تدريبات الإرهابيين.

الوثائق التي تم العثور عليها، تهدف إلى تشجيع الشباب على الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، بيد أن الشرطة لم تؤكد ما إذا كانت الوثائق “تستخدم في جزيرة زنجبار، أو الجهة المنفذة، أو عدد الأشخاص الذين تلقوا التدريب”، لكن ذلك أثار المخاوف من أن تمثل هذه الحالة مؤشرا لتنامي الإرهاب في الجزيرة التي يفترض أنها تعيش حالة من العزلة عن النشاطات المسلحة الدينية.

بدوره ناقش موقع “الحل نت“، الحالة مع الخبير الأمني هاوكار الجاف، وقال إنه لا شك مثل هذه الحالات مؤشر لخطر كبير على مستوى الاستقرار في جمهورية تنزانيا، لاسيما وأنها الدولة الأكثر استقرار في أخطر الرقع الجغرافية في إفريقيا، مبينا أن دولة مثل تنزانيا تتمتع باستقرار كبير قياسا بمحيطها، ولا بد أن تكون عرضة لخطر تنامي الإرهاب.

خطوات استباقية على تنزانيا اتباعها

الجافي بين في حديثه أن الخطر يأتي من دول الجوار، بالتالي دولة مثل تنزانيا جميع محيطاتها ملتهبة قد يكون من الصعب الحفاظ على وضعها الأمني، أيضا الجماعات الإرهابية تعتمد على الاستقطاب الديني وهذه قضية لا يمكن إحكام القبضة الأمنية عليها في دولة مثل تنزانيا.

وأشار إلى أن، الاستقطاب الديني هو عبارة عن تواصلات شخصية وغالبا في الوقت الحالي تعتمد التنظيمات المسلحة الإسلامية في ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي دول يكون نظامها الإلكتروني ورقابتها ليست بالمستوى التي يمكنها ضبط الشبكة العنكبوتية فهذا يعني أنه وارد جدا أن يتم اختراق الشباب.

الجاف علق على ما يحدث في تنزانيا بالقول، إن هذه الحالات تثير القلق بشكل كبير، لذلك مع ما تتمتع به من وضع أمني مستقر وتعايش سلمي، عليها أن تسارع بالتقدم إلى طلب يد العون من الدول التي تمتلك خبرات في هذا المجال، ليتم تداك الأمر ووضع حد لجماعات التجنيد وإلا في حال تنامي مجموعة واحدة هذا يعني أن البلاد ستكون أمام مستقبل مغاير.

اقرأ/ي أيضا: انفصال إقليم أزواد.. تصعيد جديد في مالي؟

تنزانيا ما زالت تتمتع باستقرار شبه كامل مقارنة بنظيراتها في منطقة شرق ووسط إفريقيا؛ حيث لم تشهد حروبا ونزاعات قبلية أو تمردا مسلحا أو حروبا دينية بخلاف معظم دول الجوار في المنطقة، مثل رواندا وبوروندي والصومال والكونغو وجنوب السودان، والتي خاضت حروبا قبلية مدمرة أدى بعض منها إلى تطهير عرقي غير مسبوق، وإثيوبيا وأوغندا اللتين ما زالتا تعانيان من حمى التمرد المسلح، وإفريقيا الوسطى التي شهدت مؤخرا حربا دينية لا هوادة فيها، فيما ظلت الحالة التنزانية عكس ذلك تماما، مما جعلها نموذجا للاستقرار السياسي والتعايش الديني في منقطة تعتبر من أكثر المناطق صراعا في إفريقيا.

التنوع والتعايش التنزاني

في تنزانيا توجد هويات متعددة شأنها في ذلك شأن أغلب الدول الإفريقية، إذ تضم أكثر من مئة قبيلة وفيها الإسلام والمسيحية وملل محلية أخرى، غير أنها استطاعت أن تجعل هذا التنوع مصدر ثراء لا حرب، وعامل قوة لا عامل ضعف، إذ قامت الدولة منذ تأسيسها على اعتماد مبدأ المساواة والتحاور، وكثيرا ما قامت الطوائف بتنزانيا بمناظرات تهدف إلى التقارب والتعايش فتعزز مفهوم المواطنة والانتماء المشترك.

النظام في تنزانيا مثالا على ذلك، حيث يفتح الفرص أمام الجميع دون استثناء ودون تمييز، وتعزيزا لذلك كرس التنزانيون تقليدا في الحكم لم ينص عليه في الدستور لكنه صار عرفا متبعا ويقوم على أن يتولى الرئاسة مسيحي ثم مسلم بالتناوب والتوالي، وقد أنتج هذا التقليد أول رئيس مسيحي وهو نيريري إلى الرئيس الحالي المسلم جاكايا كيكويتي وهو الرئيس الرابع.

في ظل ذلك المشهد، ومع الوقت صارت تنزانيا نموذجا إفريقيا للتناغم والتلاحم ونقطة جذب للحوار والتصالح، كما نأت بنفسها عن الاستقطابات المحلية والدولية فلم تتورط في المستنقع الصومالي كما فعلت بعض دول الإقليم وشاركت في قوات أمنية لحفظ السلام، كما لم تدخل في التحالف الغربي ضد مكافحة الإرهاب وتحديدا التحالف الموجه ضد حركة “الشباب المجاهدين” في الصومال كما فعلت دول إقليمية أيضا.

لكن بالرغم من هذا الانسجام والنجاح في إرسال مبدأ إدارة التنوع وتكريس مفهوم المواطنة فإنها معرضة لتحديات جسيمة قد تؤثر على هذا الوضع منها نزعة الانفصال عند سكان زنجبار وتفاقم الفقر، فضلا عمّا تشهده مؤخرا من حالات اختفاء الشباب الذين حتى اللحظة يعتقد أنهم انضموا إلى جماعات إرهابية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.