تقارير وتحذيرات عديدة من قبل منظمات دولية تتوالى بين الحين والآخر حول شدة الاحتباس الحراري، والتغيرات المناخية، والجفاف الذي يجتاح العالم وسوريا بشكل كبير. ويحذر البعض من أنه سيستمر لعدة سنوات قادمة، مما يعني أن الجفاف الشديد والطويل الأمد سيؤثر على سوريا خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيؤثر على إنتاج القطاع الزراعي، وبالتالي تأثّر الأمن الغذائي في سوريا المتهالك بالفعل على جميع المستويات، ومؤخرا أكد العديد من الخبراء الاقتصاديين العاملين في مؤسسات الحكومة السورية على هذا الأمر أيضا، ودعوا الجهات المعنية إلى تحصين القطاع الزراعي من هذه التغيرات المناخية.

سوريا ستتأثر حتما

ضمن السياق نفسه، نشرت صحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الجمعة، تقريرا أفاد فيه الخبير الاقتصادي، والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حماة الدكتور إبراهيم قوشجي، أن أزمة التغيرات المناخية باتت اليوم تهدد شرايين الحياة في العالم، وسوريا ليست بمنأى عن ذلك.

وأضاف قوشجي، أنه في سوريا “بدأت مياهنا وينابيعنا تتأثر بالمعدلات القياسية لدرجات الحرارة المرتفعة وانخفاض معدلات هطول الأمطار في الشتاء، وتسبب تراجعها في أضرار جسيمة لاقتصادنا من خلال تراجع الإنتاجية، وهو ما انعكس على الحياة الاقتصادية، والتبادلات التجارية للمحاصيل الاستراتيجية بأسعار مضاعفة مما يزيد من أزمة الأمن الغذائي، ورغم أن سوريا غنية بمواردها الطبيعية والبشرية، إلا أنها لابد أن تتأثر بما يحدث في محيطها أولا وفي العالم ثانيا”.

وأشار قوشجي، إلى الآثار السلبية للجفاف الذي يرفع معدلات التضخم في نقل الوقود ومستلزمات الإنتاج عبر الأنهار، وربما ينعكس نفوق عدد كبير من الأبقار في أوروبا، تقدر قيمتها بنحو 80 مليار دولار، على سوريا و اقتصادها المتهالك أساسا، حيث تستورد العديد من المواد الغذائية من الخارج كالقمح والأرز والسكر وبذور الخضروات.

الحلول والتدابير

في إطار الحلول والتدابير اللازمة للحد من آثار الجفاف على الأمن الغذائي في البلاد، قال قوشجي، “من الضروري تقديم دعم كبير للمؤسسة العامة لإكثار البذار، لإعادة النظر في دورها وإعطائها الدور الأكبر بإقامة شركات لإحلال البذور المستوردة، وإعادة تنظيم القطاع الزراعي لأنه يشكل العمود الفقري للاقتصاد الحالي، ومن أجل الارتقاء إلى المؤسسات المحمية من الخسائر، ودعم القطاع التعاوني لتجاوز تجزئة الملكية من جراء ضعف الإمكانية، وتفعيل المشاريع الريفية الصغيرة والكبيرة، على حد قوله للصحيفة المحلية.

بدوره، أوضح مدير بيئة محافظة حماة، سامر الماغوط، أن الاحتباس الحراري والجفاف وارتفاع درجات الحرارة سيزيد من التلوث البيئي وانقراض العديد من النباتات، والشجيرات وحتى بعض الكائنات الحية، لافتا إلى ضرورة التوعية، والوعي البيئي وإدراك مخاطره الكارثية على إنتاج الغذاء ومياه الشرب.

وأضاف الماغوط، “لا يمكننا أخذ عينة من مجرى نهر العاصي لقياس شدة الملوثات، حيث يحتاج جهاز القياس 24 ساعة متواصلة من الكهرباء، وهذا غير متوفر في المؤسسة الحكومية”.

ونتيجة لانقطاع الكهرباء لساعات طويلة يقتصر عمل مديرية بيئة حماة، على أخذ عينات من آبار مياه الشرب التي بدأت تنضب في بعض الأماكن نتيجة الاحتباس الحراري والجفاف، فضلا عن تهديدها لإنتاج سوريا الغذائي، بحسب الماغوط للصحيفة المحلية.

واختتم الماغوط حديثه بالقول: “الصورة المستقبلية للبيئة اليوم في ظل الاحتباس الحراري والجفاف وقلة الأمطار صورة قاتمة، لذا من الضروري دعم قطاعنا الزراعي لتعزيز أمننا الغذائي”.

قد يهمك: جفاف شديد وتدهور أمن غذائي في سوريا.. مجاعة قادمة؟

تحذير حكومي سابق

بحسب تقرير سابق لموقع “أثر برس” المحلي، مؤخرا، فإن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي السورية، تعمل على مراجعة خطة وآلية زراعة القمح في سوريا، وذلك بعد تراجع إنتاج المحصول بسبب شدة التغيرات المناخية، وانخفاض معدلات الهطل المطري خلال العامين الماضيين.

وأوضح وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، خلال ورشة عمل حوارية جمعت الخبراء والمختصين والأكاديميين لمناقشة واقع وإنتاج محصول القمح، مؤخرا، أنه بعد موسم الجفاف في 2008 و2009 وانخفاض إنتاج القمح إلى الحدود الدنيا، كان يجب التفكير بأسلوب جديد لإدارة الإنتاج، وتطبيق القوانين الصارمة، كون الأرض الزراعية خُلقت زراعية ويمنع التعدي عليها، لكن للأسف لم يتم هذا الأمر، ولم يتم التفكير بأسلوب جديد لإدارة الإنتاج.

ولفت قطنا، إلى أن بعض الجهات لا تعترف بتأثير التغيرات المناخية على القطاع الزراعي على الرغم من التغيرات القاسية، التي مرت هذا العام، والتي كانت استثنائية من حيث تأخر هطول الأمطار، وتباين الشدات المطرية وسوء توزيع هطول الأمطار، وانخفاض معدل الهطول المطري إلى 40بالمئة، من المعدل العام، وانحباس الأمطار وحدوث الصقيع الشتوي والربيعي، وزيادة أيام هبوب الرياح وشدتها، وتباين درجات الحرارة والأمراض والآفات.

مجاعة قادمة؟

“مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ” في الاتحاد الأوروبي، حذر في تقرير سابق من موجة جفاف شديدة وطويلة الأثر في سوريا، بسبب تفاقم نقص المياه في ظل الظروف غير العادية خلال موسم الأمطار.

وكشف المركز الدولي، أن التنبؤات الموسمية لـ “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”، تشير إلى أن سوريا تعاني من الجفاف ونقص المياه الشديد والطويل الأمد، في ظل ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة.

ونوّه التقرير الدولي، إلى أن الجفاف الذي يمتد لعدة سنوات، وندرة المياه والغذاء والطاقة، وتكاليفهما المرتفعة، “يعزز كل منهما الآخر، ويعزز أزمة الأمن الغذائي في سوريا”.

وضمن هذا الإطار، قال المهندس المتخصص في التغير المناخي، مؤيد الشيخ حسن، إن القطاع الزراعي بشكل عام والاقتصاد الإنتاجي بأكمله في سوريا، تأثر بشكل عام نتيجة سنوات الحرب الماضية، وتسبب ذلك في تراجع كبير في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، وستؤثر أزمة الجفاف بدورها بشكل مباشر وأكبر على هذه القطاعات.

وأشار الشيخ حسن، أثناء حديثه السابق لموقع “الحل نت”، إلى أن القطاع الزراعي سيتأثر أكثر من الحيواني بموجة الجفاف، لما له ارتباط مباشر وأساسي بالمياه ونسبة هطول الأمطار، مما سيؤثر على اقتصاد البلاد بأكمله ويسبب بأزمة غذاء من كل بد.

ووفق المهندس المتخصص في تغيّر المناخ، فإن التأثير سيكون كبيرا على سوريا وذلك لعدة أسباب، أبرزها؛ عدم وجود سياسات حكومية مدروسة علميا على المدى القصير، أو المتوسط أو الطويل، أي لا توجد سياسات حكومية استراتيجية لمعالجة هكذا أزمات، كما لا توجد بنية تحتية تخدم أو تستطيع مواجهة أزمة الجفاف هذه، وبالتالي فإن تأثير الجفاف سيتضاعف في بلد مثل سوريا أكثر من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط وعموم العالم.

بدوره رأى المهندس الزراعي آلان محمد، في حديثه السابق مع “الحل نت”، أنه من الضروري للجهات المعنية في وزارة الزراعة السورية، وضع خطط وحلول مستدامة لمواجهة أزمة الجفاف والأمطار التي تبدو ستمتد لسنوات لاحقة، لإنقاذ القطاع الزراعي من التدهور والتراجع، خاصة في مناطق الساحل السوري والجزيرة، وإلا سينخفض الإنتاج الزراعي وخاصة محاصيل القمح والشعير إلى أدنى المستويات، وبالتالي ستتعرض المنطقة لتهديد حقيقي لأزمة غذائية غير مسبوقة، إلى جانب موجة غلاء في البلاد.

وكانت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة دمشق، أشارت في وقت سابق، أن سوريا تتعرض لأسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاما، نتيجة انحباس الأمطار في معظم المناطق السورية، إضافة إلى موجات الحر العالية في بعض المناطق.

قد يهمك: تزايد تهديدات الأمن الغذائي في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.