مع استمرار تردي الواقع الاقتصادي في سوريا، بالإضافة للعديد من العوامل من بينها المناخ والأمطار، تزداد تهديدات انعدام الأمن الغذائي، لتصل إلى صدور تحذيرات من مخاطرها على لسان مسؤولين حكوميين.

تحذير حكومي

بحسب تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، اليوم الأربعاء، فإن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي السورية، تعمل على مراجعة خطة وآلية زراعة القمح في سوريا، وذلك بعد تراجع إنتاج المحصول بسبب شدة التغيرات المناخية، وانخفاض معدلات الهطل المطري خلال العامين الماضيين.

وأوضح وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، خلال ورشة عمل حوارية جمعت الخبراء والمختصين والأكاديميين لمناقشة واقع وإنتاج محصول القمح، أن مليون فلاح في سوريا ينتظرون الخطة الزراعية ومستلزمات الإنتاج، ليزرعوا بطريقة صحيحة ويحققوا أرباحا من زراعتهم.

وأشار قطنا، إلى أن الاعتماد على الزراعة البعلية في زراعة القمح هو بمثابة تحد كبير، وسبب زيادة الإنتاج هذا العام على الرغم من تراجع الأمطار كان نتيجة زيادة المساحات المروية من القمح.

واعتبر قطنا، أنه بعد موسم الجفاف في 2008 و2009 وانخفاض إنتاج القمح إلى الحدود الدنيا، كان يجب التفكير بأسلوب جديد لإدارة الإنتاج، وتطبيق القوانين الصارمة، كون الأرض الزراعية خُلقت زراعية ويمنع التعدي عليها، لكن للأسف لم يتم هذا الأمر، ولم يتم التفكير بأسلوب جديد لإدارة الإنتاج.

وبيّن قطنا، أن سنوات الحرب أدخلت سوريا في دهليز تأمين احتياجات من القمح، وخسرت المخزون الاستراتيجي واضطرت للاستيراد، وإذا استمر العمل بنفس السياسات فهناك عجز عن تحقيق أمن سوريا الغذائي.

ولفت قطنا، إلى أن بعض الجهات لا تعترف بتأثير التغيرات المناخية على القطاع الزراعي على الرغم من التغيرات القاسية، التي مرت هذا العام، والتي كانت استثنائية من حيث تأخر هطول الأمطار، وتباين الشدات المطرية وسوء توزيع هطول الأمطار، وانخفاض معدل الهطول المطري إلى 40بالمئة من المعدل العام، وانحباس الأمطار وحدوث الصقيع الشتوي والربيعي، وزيادة أيام هبوب الرياح وشدتها، وتباين درجات الحرارة والأمراض والآفات.

إقرأ:جفاف شديد وتدهور أمن غذائي في سوريا.. مجاعة قادمة؟

تراجع في إنتاج الحبوب

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل تصريحا لوزير الزراعة، حسان قطنا، لوكالة “سبوتنيك” الروسية في منتصف الشهر الماضي، أوضح فيه، إن إنتاج سوريا من القمح تراجع هذا العام عن المتوقع ليبلغ 1.7 مليون طن، بسبب الظروف المناخية الاستثنائية، مبينا أن سوريا تحتاج إلى 3,2 مليون طن من القمح، ما يعني أن إنتاج العام الحالي لا يتجاوز نصف الكمية المطلوبة.

وأشار قطنا، إلى أن احتياجات سوريا للقمح هذا العام تبلغ مليوني طن للخبز فقط، بالإضافة لاحتياجات أخرى كبذار القمح والبرغل والفريكة والسميد وغير ذلك.

وحول الأسباب، أوضح قطنا، أنها نتيجة التغيرات المناخية التي تشمل انخفاض الهطولات المطرية، أو شدتها التي تؤدي إلى انجرافات وأضرار، إضافة لعدم التوزع الصحيح لكميات الأمطار والجفاف لفترات طويلة، والتي ينتج عنها موت النبات وانخفاض الكميات المخزنة في السدود، وخسارة المساحات القابلة للزراعة في موسم الصيف.

قد يهمك:السعرات الحرارية تفرض أنظمة غذائية جديدة للسوريين

انعدام الأمن الغذائي في سوريا ليس جديدا

في نهاية شباط/فبراير الماضي، بينت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، أن السوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية الآن أكثر من أي وقت مضى، موضحة أن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة في العام 2022، بزيادة 9بالمئة عن عام 2021، وزيادة بنسبة 32بالمئة عن عام 2020، بحسب الموقع الرسمي لـ”الأمم المتحدة”.

وأشارت مسويا، إلى أن سوريا الآن تحتل المرتبة الأولى بين الدول العشر الأكثر انعداما للأمن الغذائي على مستوى العالم، حيث يعاني 12 مليون شخص من وصول محدود أو غير مؤكد إلى الغذاء، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

ولفت التقرير، إلى أن 90 بالمئة من السوريين، يعيشون تحت خط الفقر، بينهم نحو 60 بالمئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وذلك استنادا على أرقام “الأمم المتحدة”.

وكانت منظمة “الفاو”، قالت في تقرير نُشر في نهاية العام الماضي، أن سوريا تمثل جزءا من مشكلة أكبر، ألا وهي مشكلة انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط حيث أكد التقرير، بأن نحو ثلث السكان في منطقة الشرق الأوسط يعيشون حالة انعدام أمن غذائي، وذلك مع ارتفاع في نسبة الجوع التي وصلت إلى 91.1 بالمئة خلال العقدين الأخيرين.
حيث شهدت سوريا في عام 2021 أخفض نسبة لإنتاج القمح منذ خمسين سنة وذلك بسبب القحط وارتفاع أسعار المواد والظروف الاقتصادية السيئة، وذلك بحسب ما ورد في تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”.

الخبير الاقتصادي، حسن البكفاني، أشار في حديث سابق لـ”الحل نت”، إلى أن سوريا، كانت تتمتع سابقا باكتفاء ذاتي من مادتي القمح والشعير، ولكن في السنوات القليلة الماضية انخفضت نسبة إنتاجهما بشكل غير مسبوق، إضافة للظروف المناخية وقلة مياه الري وانخفاض مستوى الأمطار التي أثرت جميعها على حقول القمح والشعير ما جعلها تتحول لمراعي للماشية.

ومن جهته، الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، قال لـ”الحل نت”، في وقت سابق، أن الدول التي تعيش في حالة حرب يتأثر فيها الأمن الغذائي بشكل سلبي وبشكل كبير، ولكن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، زادت حدة المشكلة الغذائية في العالم، ما أنتج دولا تتأثر مباشرة بهذه الأزمة كسوريا.

وأشار الشاغل، أنه بالنسبة لتصنيف سوريا بأنها من أكثر الدول تأثرا بالأزمة الغذائية، فذلك يعود لعدة أسباب، منها الحرائق التي تصيب المحاصيل الزراعية، أما السبب الثاني فهو “الحمائية”، بمعنى أن غالبية دول العالم تتبع الآن نظام الحمائية والذي يعني أن كل دولة توقف تصدير السلع الغذائية مثل القمح والأرز، وهذا سيؤثر على السوق الدولي، ويخفّض مستوى العرض والسوق الدولية.

إقرأ:أزمة غذاء عالمية بصناعة روسية؟

جفاف ومجاعة قادمة؟

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن جفاف شديد طويل الأمد يؤثر على سوريا خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع تدهور الأوضاع المعيشية وازدياد مخاطر سوء الأمن الغذائي في البلاد، يؤشر بشكل كبير على أوضاع كارثية تهدد السوريين، لاسيما وأن مخاطر حدوث مجاعة في سوريا باتت تقترب أكثر وفق ما أشارت إليه تقارير دولية في الآونة الأخيرة.

ونقل التقرير، عن “مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ” في الاتحاد الأوروبي، حذر من موجة جفاف شديدة وطويلة الأثر في سوريا، بسبب تفاقم نقص المياه في ظل الظروف غير العادية خلال موسم الأمطار.

وكشف المركز الدولي، أن التنبؤات الموسمية لـ “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”، تشير إلى أن سوريا تعاني من الجفاف ونقص المياه الشديد والطويل الأمد، في ظل ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة.

ونوّه التقرير الدولي، إلى أن الجفاف الذي يمتد لعدة سنوات، وندرة المياه والغذاء والطاقة، وتكاليفهما المرتفعة، “يعزز كل منهما الآخر، ويعزز أزمة الأمن الغذائي في سوريا”.

وفي هذا السياق، قال المهندس المتخصص في التغير المناخي، مؤيد الشيخ حسن، إن القطاع الزراعي بشكل عام والاقتصاد الإنتاجي بأكمله في سوريا، تأثر بشكل كامل نتيجة سنوات الحرب الماضية، وتسبب ذلك في تراجع كبير في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، وستؤثر أزمة الجفاف بدورها بشكل مباشر وأكبر على هذه القطاعات.

وأشار الشيخ حسن، أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن القطاع الزراعي سيتأثر أكثر من الحيواني بموجة الجفاف، لما له ارتباط مباشر وأساسي بالمياه ونسبة هطول الأمطار، مما سيؤثر على اقتصاد البلاد بأكمله ويسبب بأزمة غذاء من كل بد.

وكانت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة دمشق، أشارت في وقت سابق، أن سوريا تتعرض لأسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاما، نتيجة انحباس الأمطار في معظم المناطق السورية، إضافة إلى موجات الحر العالية في بعض المناطق.

قد يهمك:أزمة غذاء كبرى تهدد العالم.. ما التوقعات؟

ولأجل ذلك، فإن أزمة الجفاف والتغير المناخي غير المسبوق، وكذلك انخفاض منسوب مياه نهر “الفرات” في شمال سوريا، بفعل حبس تركيا لحصة سوريا من المياه، الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع إنتاج الكهرباء وإمدادات المياه الصالحة للشرب، فضلا عن تلوث المياه في شمال سوريا. وهو ما يرجح (حسب الخبراء) أن تركيز الملوثات في المياه التي تصرفها السدود، عند اقترانها بارتفاع درجة الحرارة وتكاثر الطحالب والتبخر، سيدمر النظام البيئي للمنطقة، وبالتالي فإن سوريا على خط رفيع جدا من أزمة “كارثية”؛ غذائية وبيئية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.