العديد من التساؤلات والافتراضات تثار حول الدور المشبوه لموسكو في افتعال أزمة غذاء عالمية، فالغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى صعوبات كبيرة في تأمين وصول القمح إلى العديد من دول العالم، لكن التساؤل الأبرز يدور حول تقصد روسيا إحداث مجاعة في العديد من الدول النامية.

سعي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لزيادة الحصار على أوكرانيا والموانئ البحرية من أجل تجويع العديد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، في محاولة منه لخلق حالة من عدم الاستقرار في الاتحاد الأوروبي، تؤكد التنبؤات القائلة بأن بوتين يهدف في المرحلة القادمة من حربه على أوكرانيا من خلق أعمال شغب في دول من العالم بسبب المجاعة المحتملة، حتى يضغط على المجتمع الدولي ويسعى لكسب الموافقة الدولية على مطامعه في أوكرانيا، ورفع العقوبات الدولية المفروضة على روسيا.

بوتين يستعد لتجويع العالم

في كتابها “المجاعة الحمراء”، كتبت المؤرخة آن أبلباوم، أنه “قبل وقت طويل كانت ظاهرة المصادرة، من خلال رجل يلوح بمسدس، ويطلق الشعارات ويطلب الطعام مألوفة في أوكرانيا السوفيتية”، والآن عادت تلك الظاهرة بعد قرن من الزمان تقريبا، عبر الرئيس الروسي، الذي يلوح بمجاعة عالمية من أجل تحقيق أهدافه ومطامع روسيا وإلا يستكمل سرقة موارد أوكرانيا.

الأمم المتحدة، حذرت في حزيران/يونيو الفائت، من أن الحرب في أوكرانيا تهدد بأزمة جوع حول العالم، وبينما أعلنت موسكو جاهزيتها لتصدير الحبوب شريطة رفع العقوبات، أدانت برلين محاولات موسكو تحميل الغرب مسؤولية خلق مجاعة في أفريقيا.

يشير الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط، إياد معلوف، إلى أن الرئيس الروسي، وبلاده لن يتراجعوا عن السعي لتحقيق مطامعهم في أوكرانيا، وهنا تتزايد المخاوف من أنه قد يتطلع بوتين إلى توسيع نطاق العمليات العسكرية إلى دول أخرى، “لتحقيق ذلك من المؤكد أن سيستخدم سلاح المعارك القديم وهو التجويع”.

وأوضح معلوف، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن بوتين على علم بأن أوكرانيا سلة الخبز في أوروبا وهي خامس أكبر إنتاج للقمح في العالم، ولذا من أجل خفض التصعيد الأوروبي والغربي عليه، ومنع وصول الإمدادات العسكرية واللوجستية إلى كييف، فرض الجيش الروسي حصارا على موانئ البحر الأسود، لتعطيل الإمدادات.

ويتجه بوتين بحسب معلوف، إلى أبعد من خلق بلبلة داخل المجتمع الأوروبي، بل إلى تأليب الرأي العالمي ضد دول حلف “الشمال الأطلسي” لنزع اعتراف بأحقية استعماره لأوكرانيا، وذلك عبر تخزين صادرات بلاده الغذائية كشكل من أشكال الابتزاز، مستخدما الجوع والحبوب لفرض سلطته.

العاصفة قادمة

على المستوى الدولي، يبذل المسؤولون سواء في الإدارة الأميركية أو الآخرون في الدول الأوروبية، جهودا حثيثة للحد من الأضرار الناجمة عن نقص الغذاء سريع الانتشار الذي سببه الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنهم يواجهون تحديات سياسية ولوجستية معقدة.

يشير معلوف، إلى أنه بينما أعادت القوات الروسية تركيزها الأكبر من هجومها العسكري على جنوب شرق أوكرانيا المنتج للغذاء، تكافح الإدارة الدولية للمساعدة في درء أزمة عميقة داخل أوكرانيا والاقتصادات الهشة في جميع أنحاء العالم التي تعاني بالفعل من كوارث المناخ وجائحة “كورونا”.

وتحول الجيش الروسي من وجهته العسكرية بعد الإخفاقات التي حصلت في صفوفه من مهمته، إلى أسلوب “العصابات” من أجل نيل انتصار إعلامي، إذ بحسب معلوف، فقد حول الجيش الروسي في الشهر الأخير، بوصلته أكثر نحو حقول القمح الأوكرانية، الأمر الذي عرض ملايين الأطنان من الحبوب المقرر حصادها في تموز/يوليو الجاري للخطر.

وهذا التحول يهدد بنقص مستمر في البلدان في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط التي تعتمد على أوكرانيا كمصدر رئيسي للحبوب وزيت عباد الشمس، حيث ساهم غزو روسيا لأوكرانيا في ارتفاع حاد وغير مسبوق لأسعار الحبوب، الأمر الذي جعل من الصعب على المنظمات الإنسانية مثل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الاستجابة؛ حيث تقول الوكالة إنها بحاجة إلى 16 مليار دولار إضافية لإطعام 137 مليون شخص لبقية العام.

ويمكن أن يؤدي الانخفاض في المخزونات العالمية من القمح والحبوب الأخرى والبذور الزيتية من أوكرانيا وروسيا، إلى تفاقم الأزمات المستمرة في أفغانستان وسوريا وإثيوبيا وغيرها من النقاط الساخنة، وتفاقم عدم الاستقرار في مصر ولبنان وسوريا، إذ إن أغلب المشترين الرئيسيين للقمح في أوكرانيا، يعاني ما يقرب من نصفهم بالفعل من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

روسيا تبتز العالم

أثارت الهجمات الأخيرة على مصنع القطارات، في حزيران/يونيو الفائت، التي يقال إنها تستخدم لنقل البضائع مثل الحبوب، تساؤلات حول احتمال أن تستخدم موسكو إمدادات الغذاء كسلاح، حيث سيؤدي ذلك إلى تفاقم نقص الغذاء العالمي الناجم عن اضطراب الوباء في سلاسل التوريد وكذلك آثار تغير المناخ.

تيموثي سنايدر، المؤرخ الأميركي وأستاذ التاريخ بجامعة “ييل” الأميركية، كتب على صفحته الشخصية على موقع “تويتر”، عن الأزمة التي تبتز بها روسيا العالم أجمع، بأن روسيا لديها خطة للتجويع، إذ يستعد فلاديمير بوتين لتجويع جزء كبير من العالم النامي كمرحلة تالية في حربه في أوروبا.

وتابع سنايدر، ‏”إذا استمر الحصار الروسي، فإن عشرات الملايين من الأطنان من المواد الغذائية سوف تتعفن في الصوامع، وسوف يتضور عشرات الملايين من الناس في أفريقيا وآسيا جوعا. ‏إن الفكرة القائلة بأن السيطرة على الحبوب الأوكرانية يمكن أن تغير العالم ليست جديدة، كان كل من ستالين وهتلر يرغبان في القيام بذلك”.

ووفق قول الأكاديمي سنايدر، فإن خطة بوتين للجوع تهدف إلى العمل على ثلاثة مستويات، أولا، أن تكون جزء من محاولة أكبر لتدمير الدولة الأوكرانية، من خلال قطع صادراتها، كما تهدف خطة بوتين أيضا إلى توليد لاجئين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وهي مناطق تغذيها أوكرانيا عادة، وهذا من شأنه أن يولد عدم الاستقرار في الاتحاد الأوروبي.

‏وأخيرا، فإن الأكثر فظاعة، بحسب سنايدر، هو أن المجاعة العالمية تشكل خلفية ضرورية لحملة دعائية روسية ضد أوكرانيا، “هناك حاجة إلى الموت الجماعي الفعلي كخلفية للحملة الدعائية، ‏وعندما تبدأ أعمال الشغب بسبب الغذاء، ومع انتشار المجاعة، سوف تلقي الدعاية الروسية باللوم على أوكرانيا، وتدعو إلى الاعتراف بالمكاسب الإقليمية التي حققتها روسيا في أوكرانيا، ورفع جميع العقوبات”.

الجدير ذكره، أنه في نهاية أيار/مايو الفائت، طالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، روسيا برفع حصارها على موانئ أوكرانيا على البحر الأسود وتمكين تدفق المواد الغذائية والأسمدة في جميع أنحاء العالم.

وقال في الاجتماع الذي دعت إليه إدارة بايدن: “يبدو أن الحكومة الروسية تعتقد أن استخدام الطعام كسلاح سيساعد في تحقيق ما لم يفعله غزوها، لتحطيم معنويات الشعب الأوكراني”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.