خطر داهم يحيط بالسوريين إزاء أزمة غذاء قاسية تنتظرهم خلال الفترة المقبلة، فالأمر يتجاوز تأمين رغيف الخبز الذي يحتاج القمح المنهك بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا. هذه الأزمة وإن كانت تتخطى حدود سوريا لتصل إلى العالمية، غير أن سوريا كبلد يعاني من الحرب وإرهاصاتها، سيكون وقع تلك الأزمة كبيرا عليها، بما يتجاوز حدود التقديرات الدولية التي حذرت مؤخرا وبشكل متكرر من “مجاعة” تهدد السوريين.

في سوريا، يشعر الأشخاص الأكثر ضعفا الذين يعتمد نظامهم الغذائي بشكل كبير على الخبز المصنوع من القمح بالتأثير السلبي للأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي، ومع دخول البلاد عامها الثاني عشر من الركود الاقتصادي، وصلت الاحتياجات الإنسانية إلى أعلى مستوياتها، حيث ساهم السياق الاجتماعي والاقتصادي المتدهور في أن يعيش حوالي 90 بالمئة من السكان في فقر، ووصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات تاريخية مرتفعة حيث يقدر أن 60 بالمئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

الجفاف والارتفاع في درجات الحرارة، مصحوبين بموسم حرائق قريب في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الغذائية، كلها عوامل تهدد الأمن الزراعي المتدهور أساسا في سوريا، وذلك في ظل تحذيرات جهات عدة دولية منها ومراكز بحثية من كارثة غذائية قريبة تهدد السوريين مع تزايد مخاطر تأمين الغذاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، فهل بات السوريين في عمق أزمة غذائية حادة؟

عموم سوريا في خطر

في هذه الظروف الحرجة، وكما هو الحال في بلدان أخرى في المنطقة، تختبئ بوادر الصراع على الغذاء وراء مخاوف من “مجاعة” تهدد ملايين السوريين، مع تحول سوريا إلى دولة مستوردة بعد أن كانت مصدرة ولا سيما للقمح خلال السنوات الماضية.

نشأت المخاوف مع أزمة أوقفت الإمدادات من روسيا نتيجة لغزوها أوكرانيا، ثم حظرت الهند تصدير القمح، الذي كان يُنظر إليه على أنه بديل لتأمين الاحتياجات المحلية من الحبوب للبلد الذي مزقته الحرب.

وتفسيرا لذلك، يقول الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، إن الدول التي تعيش في حالة حرب يتأثر فيها الأمن الغذائي بشكل سلبي وبشكل كبير، ولكن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، زادت حدة المشكلة الغذائية في العالم، والتي أنتجت ثلاثة مستويات من التأثير.

المستوى الأول، وبحسب حديث الشاغل لـ”الحل نت”، الدول التي لن تتأثر بشكل كبير من الأزمة العالمية، أما المستوى الثاني، فهي الدول التي ستتأثر بشكل متوسط مثل مصر، والمستوى الثالث هي الدول المتأثرة بشكل كبير من الأزمة الغذائية العالمية، وهنا يمكن الإشارة لسوريا ولبنان والصومال بالإضافة لليمن، وذلك بالاعتماد على التصنيفات العالمية.

وبالنسبة لتصنيف سوريا بأنها أكثر الدول تأثرا بالأزمة الغذائية، يشير الشاغل، إلى أنه عائد لعدة أسباب، منها الحرائق التي تصيب المحاصيل الزراعية، أما السبب الثاني فهو “الحمائية”، بمعنى أن غالبية دول العالم تتبع الآن نظام الحمائية والذي يعني أن كل دولة توقف تصدير السلع الغذائية مثل القمح والأرز، وهذا سيؤثر على السوق الدولي، ويخفّض مستوى العرض والسوق الدولية.

وبالتالي، سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، وهذا بدوره سيؤثر على سوريا بكافة مناطقها، لأن البلاد تعيش أزمة مالية، تفتقر فيها إلى النقد الأجنبي، فضلا عن المشاكل الأخرى التي تعيشها مثل انعدام الموارد المالية، والعجز عن القدرة من شراء السلع الغذائية بأسعار مرتفعة من السوق الدولية.

ما المشكلة الحقيقة في سوريا؟

مؤخرا، حذر “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة، من تفاقم أزمة الغذاء في سوريا جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتجاوز الـ800 بالمئة خلال العامين الماضيين، مما تسبب بوصول أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2013.

وقال المدير التنفيذي للبرنامج، ديفيد بيزلي، في أيار/مايو الماضي، إن ملايين العائلات السورية تمضي أيامها قلقة من كيفية حصولها على الوجبة التالية، مشيرا إلى ضرورة التحرك الفوري لإنقاذ السوريين من مستقبل “كارثي”.

وفي تقرير حديث لمركز “جسور للدراسات”، صدر في منتصف حزيران/يونيو الجاري، سلط الضوء على تأثير أزمة الغذاء العالمية والتي ألقت بظلالها بشكل رئيسي على سوريا، خلُص التقرير إلى أن القمح – باعتباره مكونا رئيسيا في سلة غذاء الأسرة السورية – تأثر بالظروف المحلية والعالمية.

وفي هذا السياق، ذكر الشاغل، أن أكثر المناطق تأثرا بالأزمة الغذائية العالمية، هي تلك التي تسيطر عليها حكومة دمشق، نظرا لأنها تعتمد على استيراد القمح من روسيا التي تخضع الآن لعقوبات دولية ,ولن تستطيع الإيفاء بالتزاماتها تجاه سوريا، ومع رفض البنوك الروسية إعطاء دمشق قروض لشراء القمح فإن المنطقة ستعيش أزمة حقيقة.

أما في شمال شرق سوريا، فهي ستكون الأقل تأثرا بسبب امتلاكها لغالبية الأراضي الزراعية التي تزرع القمح والعناصر الغذائية الأخرى، ولكن سوف تتأثر بطبيعة الحال، بحسب الشاغل، بسبب الجفاف العصيب الذي يضرب المنطقة، مع انخفاض تدفق نهر الفرات، والذي يصاحبه موسم الحرائق السنوي.

وفي شمال وغرب سوريا، فتأثر هذه المنطقة وفقا لما تحدث به الشاغل، سيكون بارتفاع الأسعار، ويعود ذلك لأن هذه المنطقة تعتمد بشكل كامل على السلع التي تأتي من تركيا، وبطبيعة الحال تركيا هي متأثرة من الأزمة الغذائية العالمية، لأنها تعتمد على الزراعة.

ومن جهته، لفت الباحث والمحاضر في مجال الاقتصاد في مركز “جسور للدراسات”، الدكتور خالد التركاوي، إلى أن الوضع الزراعي في سوريا لا يفي بالمطلوب، وإنتاجه أقل مما هو متوقع منه لأسباب مختلفة، كما أن عدد من السوريين لديهم مشكلة تأمين الغذاء، ليس لأن المواد الغذائية غير متوفرة، ولكن لأنها غالية، أو لا يمتلكون ثمنها مهما رخصت.

وتوقع التركاوي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الوضع في المستقبل المتوسط (أي خلال السنوات الثلاث القادمة) سيتحسن زراعيا أي جانب العرض، ولكن تبقى المشكلة في جانب الطلب أو قدرة الناس على تأمين اللازم.

كيف ستتأثر العائلة السورية؟

بحسب تصريحات المدير العام للمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع وتخزين الحبوب، عبد اللطيف الأمين، لوكالة الأنباء السورية “سانا”، في منتصف شباط/فبراير الفائت، فإن تكلفة الدعم اليومي لمادة الخبز تعادل 5.5 مليار ليرة سورية، أي ما يصل إلى حوالي 501 مليون دولار سنويا، ما يعني أن تقديرات دعم الدقيق التمويني انخفضت بأكثر من 40 بالمئة خلال ستة أعوام فقط.

وفي تقرير حديث صادر عن موقع “قاسيون” المحلي، ذكر أنه في حال قررت الأسرة السورية أن تأكل الخبز فقط، لتحصل على سعراتها الحرارية الضرورية، دون أية إضافة أخرى، ولتأمين 2400 سعرة حرارية يحتاج كل فرد إلى 984 غرام من الخبز، ما يعني أن الأسرة السورية المكونة من 5 أشخاص تحتاج إلى 4920 غرام يوميا و152,520 غرام شهريا.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن ربطة الخبز المدعومة حكوميا وزنها المفترض هو 1100 غرام وبداخلها 7 أرغفة، فإن وزن الرغيف الواحد هو 157 غرام تقريبا، ما يعني أن الأسرة تحتاج يوميا إلى حوالي 31 رغيف ونصف، وما يقارب 976.5 رغيف شهريا.

وبيّن التقرير، أن “سعر الرغيف الواحد المدعوم حكوميا يقارب 35.7 ليرة سورية (على اعتبار أن سعر الربطة من المعتمدين هو 250 ليرة)، وبالنظر إلى أن الحكومة وضعت سقفا لمخصصات الخبز للأسرة المكونة من 5 أفراد هو 12 ربطة أسبوعيا (أي 1.714 غرام يوميا)، فإن الأسرة لن تستطيع أن تشتري سوى حوالي 339 رغيفا مدعوما من أصل 976.5 رغيف تحتاجهم شهريا، ما يعني أن عليها شراء 637.5 رغيفا بالسعر غير المدعوم، ويبلغ سعر الرغيف غير المدعوم حوالي 171.4 ليرة سورية (على اعتبار أن سعر الربطة غير المدعومة هو في أحسن الحالات 1200 ليرة)”.

وبالاعتماد على المعطيات السابقة، خلص التقرير أن الأسرة المكونة من 5 أفراد ستدفع 12,102 ليرة سورية ثمنا لـ339 رغيفا مدعوما، و109,267 ليرة سورية ثمنا لـ637.5 رغيف غير مدعوم، وبالمحصلة، ستدفع شهريا 121,369 ليرة سورية ثمنا للخبز فقط، علما أن الحد الأدنى لأجر العامل السوري لا يتجاوز 92,970 ليرة، ما يعني أن الحد الأدنى لأجر العامل السوري لا يغطي سوى 76.6 بالمئة من الثمن اللازم للأسرة لتناول الخبز.

سياسات لمواجهة الأزمة

في نيسان/أبريل الماضي، قرر “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة، تخفيض محتويات السلة الغذائية الإغاثية المقدمة للنازحين في شمال سوريا للمرة الرابعة خلال عامين، واعتبر البرنامج أن تخفيض محتويات السلة هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يلجأ إليه البرنامج لضمان استمراره بدعم الأُسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، رغم محدودية الموارد وزيادة انعدام الأمن الغذائي.

ومع تدهور الحالة في سوريا وما يترتب على ذلك من ردود، قد يتساءل البعض عما إذا كان هناك ما يمكن القيام به للتصدي لها، وبحسب ما يراه مختصون فإنه يمكن لحكومة دمشق مواجهة ذلك، عبر سياسات الدعم والحوافز والتدريب والتوعية لتوجيه الموارد واستخدامها بحكمة لتحقيق الأهداف العامة، حيث يمكن تقديم الدعم للمزارعين في القطاع الزراعي لتشجيعهم على زراعة محاصيل ذات إنتاجية عالية، واستثمار الأراضي في إنتاج أكثر من موسم، مثل البطاطا والجزر والفاصوليا مع التركيز على المحاصيل التي تستهلك كميات أقل من المياه، رغم أن خزائن حكومة دمشق شبه خاوية ولا تملك الإمكانيات لتقديم الدعم المالي المناسب.

علاوة على ذلك، اكتسب المزارع السوري خبرة في زراعة الأرض بمحاصيل متتالية، أو زراعة محصولين في نفس المنطقة في نفس الوقت، مثلا، قد يزرع البصل والقطن، والحلبة مع القمح، والخس مع الملفوف، وعلاوة على ذلك، كانت هناك تجارب ناجحة مع زراعة الذرة مرتين في موسم واحد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.