أزمة غذائية كبرى تنذر بمجاعة على صعيد عدة دول وأقاليم حول العالم، قد يكون السبب الرئيسي فيها الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب أسباب وعوامل أخرى ليس آخرها عوامل التغير المناخي، وكذلك تباين السياسات الاقتصادية، وانقطاع سلاسل التوريد، وتأثير الأزمات الغذائية في مناطق الصراعات والحروب والأوبئة.

تقرير لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية، يوم أمس الثلاثاء، أشار إلى أن العالم على حافة المجاعة بسبب أوكرانيا، في وقت تتقاعس فيه مجموعة “الدول السبع” عن العمل إزاء ذلك، ولفت التقرير إلى أن هذا التقاعس وسرقة روسيا لمخازن أوكرانيا، وإيقاف توريد القمح والزيوت سيزيد من مصاعب الأزمة العالمية ويؤدي إلى مجاعة في مناطق عدة من العالم سواء في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا وإفريقيا وغيرها، وهذا ما يطرح السؤال، هل العالم أمام أزمة غذاء خطيرة قد تهدد الأمن الغذائي العالمي؟

الأزمة موجودة وهي تراكمية

تقرير “الإندبندنت”، بين أن هناك العديد من المشاكل التي أدت إلى أزمة الغذاء الحالية، من بينها زيادة الأسعار، والغزو الروسي لأوكرانيا، وسرقة الحبوب وحصار موانىء التصدير، بالإضافة للتغير المناخي وغير ذلك.

الخبير الاقتصادي، خالد تركاوي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن أزمة الغذاء نفسها موجودة، ولكن اليوم هناك فجوة بتأمين الغذاء في العديد من الدول، سواء على مستوى نقص الغذاء أو على مستوى ارتفاع الأسعار.

وبين تركاوي، أن الأزمة الغذائية الراهنة، ليست بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا فقط، إنما هي أزمة نتيجة تراكم العديد من العوامل.

وأضاف تركاوي، أنه يجب التمييز بين مستويين، فعلى المستوى المحلي، فإن الدول التي تعاني من أزمة في الغذاء، تعاني من مشاكل داخلية في الأصل، ولكن الأزمة الأوكرانية زادت منها.

أما على المستوى العالمي، فهناك مشاكل كبيرة، مثل جائحة “كورونا”، وانقطاع سلاسل التوريد، أي أن ما يجري هو الخروج من أزمة والدخول في أخرى، ما يؤدي لتراكم أزمات تشكل أزمة كبرى.

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، حسن البكفاني، أن العالم لم يستقر اقتصاديا منذ جائحة “كورونا” وحتى الآن، فنتيجة للجائحة تغيرت قواعد التجارة في العالم، ما أنتج أقطابا اقتصادية جديدة أثر بعضها سلبا في الاقتصاد العالمي، وزاد الأمر سوءا أزمة الوقود، والتغير المناخي، وأخيرا الغزو الروسي لأوكرانيا، ما جعل تراكم هذه الأسباب تخلق أزمة غذائية عالمية كبرى.

إقرأ:أزمة غذاء تهدد السوريين.. ما المصير؟

أين سوريا والمنطقة من الأزمة؟

كما هو الحال في بلدان أخرى في المنطقة، تختبئ بوادر الصراع على الغذاء وراء مخاوف من “مجاعة” تهدد ملايين السوريين، مع تحول سوريا إلى دولة مستوردة بعد أن كانت مصدرة ولا سيما القمح خلال السنوات الماضية.

البكفاني، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه بالنسبة للشرق الأوسط، فإن أثر الجفاف بات واضحا، بالإضافة لسياسات الحكومات المحلية التي استنزفت الأراضي الزراعية بمشاريع التوسع العمراني للمدن بشكل أفقي، وانعدام القوانين والأنظمة التي تحمي الغابات والمساحات الخضراء المخصصة للزراعة، فالجميع شاهد الحرائق المفتعلة في سوريا، والتي أتت على آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، والتي كانت مقصودة، من أجل تجهيز هذه الأراضي للإعمار وإنشاء مشاريع سياحية ضخمة من قبل المتنفذين المقربين من حكومة دمشق.

وأشار البكفاني، إلى أن سوريا، كانت تتمتع سابقا باكتفاء ذاتي من مادتي القمح والشعير، ولكن في السنوات القليلة الماضية انخفضت نسبة إنتاجهما بشكل غير مسبوق، إضافة للظروف المناخية وقلة مياه الري وانخفاض مستوى الأمطار التي أثرت جميعها على حقول القمح والشعير ما جعلها تتحول لمراعي للماشية.

من جهته، الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، قال لـ”الحل نت”، في وقت سابق، إن الدول التي تعيش في حالة حرب يتأثر فيها الأمن الغذائي بشكل سلبي وبشكل كبير، ولكن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، زادت حدة المشكلة الغذائية في العالم، ما أنتج دولا تتأثر مباشرة بهذه الأزمة كسوريا.

وأشار الشاغل، إلى أن تصنيف سوريا يأتي بأنها من أكثر الدول تأثرا بالأزمة الغذائية، فذلك يعود لعدة أسباب، منها الحرائق التي تصيب المحاصيل الزراعية، أما السبب الثاني فهو “الحمائية”، بمعنى أن غالبية دول العالم تتبع الآن نظام الحمائية والذي يعني أن كل دولة توقف تصدير السلع الغذائية مثل القمح والأرز، وهذا سيؤثر على السوق الدولي، ويخفّض مستوى العرض والسوق الدولية.

وبالتالي، سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، وهذا بدوره سيؤثر على سوريا بكافة مناطقها، لأن البلاد تعيش أزمة مالية، تفتقر فيها إلى النقد الأجنبي، فضلا عن المشاكل الأخرى التي تعيشها مثل انعدام الموارد المالية، والعجز عن القدرة من شراء السلع الغذائية بأسعار مرتفعة من السوق الدولية، بحسب الشاغل.

قد يهمك:ارتفاع أسعار القمح عالميا.. ماذا عن رغيف الخبز بسوريا؟

مدى خطورة الأزمة عالميا وفي سوريا؟

بالإضافة إلى العوامل التي تسببت بأزمة الغذاء العالمية، هناك صراع عالمي برز مؤخرا على سلاسل التوريد العالمية، حيث تحاول العديد من الدول التحكم فيه، وهذا أحد الأسباب المهمة للأزمة.

وبحسب البكفاني، فإن الصين حاليا ومن خلال سلاسل التوريد الخاصة بها، تسعى للتحكم بالموارد الغذائية الرئيسية، وذلك من خلال دخولها إلى القارة الأفريقية، وأميركا الجنوبية، من أجل الاستثمار الزراعي والتجاري، وهذا ما يولد صراعا بين الصين والغرب الذي لن يسمح لها بالتحكم بهذه التجارة الاستراتيجية، وبالتالي فإن العالم على شفير هاوية في الأمن الغذائي، حيث لم تعد تتوافر أي ركائز لهذا الأمن في العديد من المناطق ومن بينها الشرق الأوسط.

أما في سوريا، حذر “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة، مؤخرا من تفاقم أزمة الغذاء في سوريا جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتجاوز الـ800 بالمئة خلال العامين الماضيين، مما تسبب بوصول أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2013.

وقال المدير التنفيذي للبرنامج، ديفيد بيزلي، في أيار/مايو الماضي، إن ملايين العائلات السورية تمضي أيامها قلقة من كيفية حصولها على الوجبة التالية، مشيرا إلى ضرورة التحرك الفوري لإنقاذ السوريين من مستقبل “كارثي”.

وأوضح حسن الشاغل، في حديث سابق لـ”الحل نت”، أن أكثر المناطق تأثرا بالأزمة الغذائية العالمية، هي تلك التي تسيطر عليها حكومة دمشق، نظرا لأنها تعتمد على استيراد القمح من روسيا التي تخضع الآن لعقوبات دولية، ولن تستطيع الإيفاء بالتزاماتها تجاه سوريا، ومع رفض البنوك الروسية إعطاء دمشق قروض لشراء القمح فإن المنطقة ستعيش أزمة حقيقة.

إقرأ:تحذيرات من نقص القمح بسوريا.. تضاعف أزمة الخبز؟

بدائل لمواجهة الأزمة

خالد تركاوي، يرى أن أزمة الغذاء العالمي كبيرة، فروسيا وأوكرانيا، من أكبر منتجي القمح والذرة على مستوى العالم، لكن لا بد من العمل على خلق بدائل جديدة، وهناك دول تتوفر فيها البيئة الخصبة لتكون سلال غذاء بديلة، من بينها دول عربية كمصر والسودان، ولكن تحتاج إلى ما لا يقل عن 20 سنة لتكون كذلك، فهي بحاجة لإصلاح نفسها، وهذا ممكن ويحتاج للوقت.

أزمة غذاء عالمية غير مسبوقة، جاءت في ظروف تلاحقت خلالها الأزمات والحروب في مناطق مهمة من العالم، وسط صراعات من أجل السيطرة على مصادر الغذاء، ما يجعل العالم مهددا بكارثة غذائية حقيقية في ظل النقص الكبير في البدائل عن المناطق التي كانت سببا رئيسيا لهذه الأزمة.

قد يهمك:بقيمة 40 مليون دولار.. روسيا تنقل القمح المسروق من أوكرانيا لسوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.