الاضطرابات الاقتصادية التي لحقت بالعديد من الدول والكيانات العالمية، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أدى لاختلال في سوق الطاقة بشكل رئيسي، وبسلاسل التوريد الغذائية العالمية خلال الفترة الماضية، تسبب لأول مرة منذ عشرين عاما بانخفاض سعر صرف اليورو أمام الدولار.

الدولار يحافظ على قوته الاقتصادية

تقارير اقتصادية، أشارت أمس، إلى أن الدولار لامس أعلى مستوى في 20 عاما أمس الاثنين، مدعوما بتعليقات متشددة من جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، لكنه تراجع مع تلقي اليورو لدعم من توقعات متنامية بزيادات للفائدة من البنك المركزي الأوروبي.

وسجل مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات منافسة، 109.48 في التعاملات المبكرة، وهو مستوى لم يشهده منذ سبتمبر ايلول 2002، قبل أن يتراجع 0.348 بالمئة، إلى 108.8 في أواخر جلسة التداول.

وارتفع اليورو 0.29 بالمئة، لكنه ظل دون مستوى التعادل مع العملة الأميركية عند 0.9993 دولار، كما صعد الدولار، 0.78 بالمئة، مقابل العملة اليابانية إلى 138.76 ين.

ومن جهة ثانية، هبط الجنيه الاسترليني لأدنى مستوى في عامين ونصف العام عند 1.1649 دولار في تعاملات ضعيفة وسط عطلة عامة في المملكة المتحدة قبل أن يقلص خسائره في أواخر التداولات إلى 0.23 بالمئة، عند 1.1703 دولار.
وفي سوق العملات المشفرة، ارتفعت عملية البتكوين قليلا ليجري تداولها فوق مستوى 20 ألف دولار.

إقرأ:لأول مرة في تاريخ العملة.. اليورو يعادل الدولار

أسباب هبوط اليورو أمام الدولار مستقبله

الخبير الاقتصادي، حسن البكفاني، أشار خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن ما حصل أن قيمة اليورو، هي التي انخفضت وانعكس هذا الانخفاض على شكل تضخم ملحوظ.

فالضغوط الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا كثيرة لم يكن آخرها الحرب في أوكرانيا، وندرة الموارد انعكست على شكل معدلات التضخم المرتفعة، ونقص إمداد الموارد في أوروبا، وانخفاض معدلات التجارة الخارجية والاستثمارات والمخاوف من المخاطر الاستثمارية في أوروبا وغيرها، كلها ساهمت في انخفاض الطلب على اليورو، وبالتالي انخفاض قيمته أمام بقية العملات.

ولكن بحسب البكفاني، فإنه لا خوف على مستقبل القارة الأوروبية وعملتها المشتركة أبدا، فانخفاض قيمة العملة حالة طبيعية في الكثير من الأحيان، وهي حالة مفيدة أيضا لتقويم عجلة الركود الاقتصادي وتشجيع الصادرات.

ويمكن القول، أن أوروبا تدير سياساتها المالية بصورة عادلة كي تحافظ على التوزيع العادل للثروات فيها، وهذا وحده كفيل لبقاء الثقة بالعملة الأوروبية.

وعلى مدى الأشهر السابقة، يحاول الاتحاد الأوروبي، الذي تلقى ما يقرب من 40 بالمئة، من غازه عبر خطوط الأنابيب الروسية قبل الحرب، تقليل اعتماده على النفط والغاز الروسيين. حيث وفي الوقت نفسه، قلّصت روسيا إمدادات الغاز إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي وقطعت مؤخرا التدفق في خط أنابيب “نورد ستريم” إلى ألمانيا بنسبة 60 بالمئة.

وحول الهبوط الأول لليورو، في منتصف تموز/يوليو الماضي، أوضح الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت” في وقت سابق، أن أزمة الطاقة تأتي جنبا إلى جنب مع التباطؤ الاقتصادي، الذي ألقى بظلال من الشكوك حول ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي قادرا على تشديد السياسة بشكل مناسب لخفض التضخم. فقد أعلن البنك المركزي الأوروبي أنه سيرفع أسعار الفائدة هذا الشهر للمرة الأولى منذ 2011، حيث يبلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 8.6 بالمئة.

وأوضح الحمصي، أن التوقعات تشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي بعيد جدا عن عكس المنحنى، وأن الهبوط الصعب أمر لا مفر منه، خصوصا، وأن ألمانيا سجلت أول عجز تجاري لها في السلع منذ عام 1991 الأسبوع الماضي، حيث أدت أسعار الوقود والفوضى العامة في سلسلة التوريد إلى زيادة كبيرة في أسعار الواردات.

قد يهمك:ما هي سلبيات وإيجابيات انخفاض اليورو مقابل الدولار؟

تأثير الانخفاض على أوربا

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن البيانات الصادرة عن وكالة الإحصاء الأوروبية “يوروستات” تظهر أن أقل من 40 بالمئة، من السلع المستوردة إلى منطقة اليورو يتم تسعيرها باليورو، في حين يتم تسعير نصفها تقريبا بالدولار الأميركي، وهذا سيلزم دفع مزيد من اليورو مقابل المنتجات المستوردة بالدولار.

وتوقعت إيزابيل ميغان، أستاذة العلوم السياسية في معهد “باريس” للعلوم السياسية، أن تصبح السلع المستوردة أقل تنافسية، ونتيجة لهذا فإن هذه العملية سوف تكون أكثر تكلفة، وهو ما من شأنه أن يعجل بالتضخم ويهدد قدرة الناس على شراء السلع.

كما اعتبر المحلل في بنك “بي ان بي باريبا”، وليام دي فيشيلر، أن ضعف قيمة اليورو مقابل الدولار سيعوق بشكل واضح السياحة الاوروبية وخصوصا في الولايات المتحدة، بينما السياح الأميركيون، والقطريون، والأردنيون سيبقون في منطقة اليورو، لأنهم يستفيدون من مبادلة العملة ويستطيعون إنفاق نفس المبلغ من المال على مزيد من السلع.

حول التأثير الذي قد تخلفه عملية سداد الديون المستحقة على البلدان الأوروبية، وطبقا لافتراض مفاده أن الأسواق ترى الديون الأوروبية آمنة بالقدر الكافي، وأن أسعار الفائدة تظل منخفضة، فإن ميغان، ترى أن المزيد من النمو من شأنه أن “يجعل سداد الديون أكثر سهولة”، لكن خسارة اليورو مقابل الدولار تزيد من تكاليف السداد للدول التي أصدرت سندات بالدولار.

ونتيجة ذلك، قد يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بسرعة أكبر إذا كان استمر اليورو في فقدان قيمته، وتحرك التضخم بسرعة أكبر، وهو يستعد لرفعها في تموز/يوليو الجاري، في سابقة منذ 11 عاما.

إقرأ:الدولار بجميع ألوانه بريء.. 172 دعوى تعامل بغير الليرة

فوائد لانخفاض اليورو؟

في مقابلة مع راديو “فرانس انفو”، الفرنسي، في وقت سابق، قال محافظ بنك فرنسا، فرانسوا فيليروي دي جالو، إنه يعتقد أن انخفاض سعر اليورو يعد “خبرا ممتازا للنشاط الاقتصادي لأنه يشجع المصدرين، لكنه في المقابل يرفع التضخم قليلا”.

تشجيع تصدير السلع المنتجة محليا، والتي تهبط أسعارها وتصبح أكثر جاذبية وتنافسية في الأسواق الدولية، يرافقه تعزيز للتصنيع المحلي، الذي يعد مطلوبا بشدة محليا نظرا لزيادة تكاليف الواردات المكافئة التي يتم تسعيرها بعملات أخرى، مثل الدولار.

ومن ناحية أخرى، فهبوط اليورو يجذب السياح حيث يجد المسافرون الأميركيون الآن، أن زيارة أوروبا أقل تكلفة من ذي قبل بفضل تعزيز قوة الدولار، والذي يزيد من إنفاقهم هناك ويعزز حصة أوروبا في العملة الأقوى، إلا أن المدير المالي في مجموعة “آي إن جي” المصرفية، كارستن بريسيسكي، يرى أن “فوائد العملة الضعيفة قليلة مقارنة بالسلبيات في البيئة الحالية التي تسودها التوترات الدولية”.

سلبيات انخفاض قيمة العملة، وفي حالة ارتفاع أسعار الواردات من الطاقة والمواد الخام، فان أسعار المنتجات المحلية سوف ترتفع أيضا. وهذا من شأنه أن يقلل من الفوائد المترتبة على انخفاض قيمة العملة، وأن يدفع التضخم إلى الارتفاع، وأن يرفع من تكاليف المستهلك.

كما أن انزلاق اليورو أكثر أمام الدولار، سيساهم أكثر بارتفاع أسعار الفائدة على القروض التي تنمو قيمتها بما يتناسب مع انخفاض قيمة العملة المحلية في مقابل قيمة العملة التي يتوقع أن يسدد بها الدين.

قد يهمك:الدولار الأبيض يزيد من معاناة السوريين

تقلبات أسعار الصرف المرتبطة بالأزمات، عادة ما تؤثر سلبا وإيجابا على اقتصادات الدول القوية كالاتحاد الأوروبي الذي بإمكانه إعادة إنعاش اقتصاده، لكن هذه التقلبات وانخفاض أسعر الصرف غالبا ما تنعكس سلبا على الدول الفقيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.