على الرغم من مسؤوليته الجسيمة عن مقتل أكثر من 400 ألف شخص منذ مطلع عام 2011، إبان الحراك الشعبي، أصبح الرئيس السوري بشار الأسد مرة أخرى مقبولا من قبل غالبية الدول العربية. فقد تم تجميد الصراع، ولكن من دون أي احتمال لتسوية دائمة. في الوقت ذاته، تستفيد إيران من الانسحاب الروسي في الجنوب السوري، بينما بات الأكراد في الشمال الشرقي عرضة لخطر تحمل وطأة اتفاق تركي سوري محتمل هناك، وفق ما أفاد به تقرير لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية وترجمه موقع “الحل نت”.

هل تغذي الجماعات الموالية لإيران عدم الاستقرار في الجنوب السوري؟

بعد أن انتشرت في إطار اتفاق مصالحة بين الحكومة السورية وخصومها في جنوب البلاد، خفضت الشرطة العسكرية الروسية من وجودها في الأشهر الأخيرة، دون مغادرة هذه المنطقة الحدودية من الأردن بالكامل. وقد تم ملء الفراغ بوصول مجموعات مسلحة موالية لإيران (مقاتلين عراقيين وأفغان وحزب الله) وعناصر من الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري.

الأردن وإسرائيل قلقتان للغاية من هذا التغيير. “نشر فيلق القدس الإيراني حوالي 40 رجلا، مسلحين بأسلحة خفيفة وطائرات بدون طيار، في ثلاثة مواقع على بعد 10 كيلومترات من حدودنا”، يقول مصدر أمني في عمان، حيث يقوم الملك عبد الله الثاني بمضاعفة التحذيرات. ومع العلم أن الدولة اليهودية تراقبهم، فـ “رجال فيلق القدس يرتدون زي النظام السوري”، يحدد المصدر الأمني.

في بداية الصيف، توجهت عدة وفود روسية إلى مدينتي درعا والسويداء لإعادة إطلاق المصالحة بين دمشق والمتمردين، والتي تعمل بشكل أفضل. وهذا يعني أن الأسد بات أقل حاجة للجنود الروس على الأرض. ويؤكد دبلوماسي عربي قائلا: “حيثما انتشر الروس، كان التفاهم أفضل، وكان السكان أقل تعرضا للمضايقات من قرية تحكمها الفرقة الرابعة والقوات الموالية لإيران”.

من ناحية أخرى، فإن بعض المتمردين السابقين، الذين لم يعودوا يتلقون رواتبهم من روسيا لرفضهم الذهاب والقتال في ليبيا، يتلقون الآن رواتبهم من دمشق. أما الخطر الآخر، فهو عودة بعض الجهاديين، لاسيما الأردنيين من جماعة “حراس الدين”، الذين وصلوا من معقلهم في إدلب شمال غربي البلاد، حيث يتعرضون لضغوط من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) المهيمنة. وسيصل عددهم إلى 200، وهم يبحثون عن ملاذ جديد، والأردن يخشى التسلل إلى أراضيه.

باختصار، لا يزال الجنوب السوري غير مستقر. ويحذر الدبلوماسي العربي من أنه “في العام الماضي فقط قتل 250 شخصا هناك بعد تصفية حسابات. وهذا العام، فقد المزارعون الذين كانوا ضحايا الجفاف جزءا كبيرا من محصولهم من القمح”.
هل سيكون الكرد ضحايا التقارب التركي السوري؟

تحت تهديد عملية عسكرية تركية كبيرة، بات أكراد الشمال الشرقي هدفا لهجمات الطائرات بدون طيار التركية. ففي الوقت الحالي، لا يوجد ضوء أخضر أميركي أو روسي لشن هجوم عسكري تركي جديد. ويقول دبلوماسي تابع للأمم المتحدة يتابع الملف السوري عن كثب: “هناك اتفاق بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة على أن تواصل أنقرة غاراتها بطائرات بدون طيار على المواقع الكردية”. ومثل غيره من الخبراء، يتوقع الدبلوماسي المذكور أن الأكراد، حلفاء الغرب في الحرب ضد “داعش”، سيكونون أكبر الخاسرين إذا تسارع التقارب التركي السوري المستمر.

وبحسب الباحث المتخصص في الشؤون السورية فابريس بالانش، فإن “الأمريكيين وعدوا أردوغان بأنهم سيضغطون على القيادة الكردية المحلية لإعادة كوادر حزب العمال الكردستاني إلى معقلهم العراقي في قنديل”. لكن حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، يرفض ذلك، ولا تملك القيادة الكردية السورية الوسائل لمعارضتها. من جانبهم، يبدو أن السكان الأكراد قد تخلوا عن أحلامهم في الحكم الذاتي! “في بداية العام الجاري، عندما كنت هناك، أخبرني العديد من الأكراد أن أولويتهم اليوم هي البقاء في بيوتهم. لقد رأوا ما جرى للأكراد في عفرين في الغرب، وفي أماكن أخرى، وكيف يتم طردهم بعد الهجمات العسكرية التركية. إنهم خائفون! وفي حين أن القيادة الكردية، لم تقطع الاتصال بدمشق أبدا، فإنها تتساءل عن استدامة الوجود الأمريكي إلى جانبها، في مواجهة روسيا. الروس يعرضون عليهم هذه الصفقة: أنتم تتخلون عن الأمريكيين، ونحن نرى ما يمكننا فعله من أجلكم”، يقول بالانش.

أي مصير ينتظر آخر جيب للمتمردين في إدلب؟

تحت سيطرة الجهاديين الذين يسعون إلى إعادة التأهيل، ولكن لا تزال دمشق وحليفتها الروسية طامعين بها، يجب أن تشهد إدلب، هذه المحافظة الأخيرة التي يسيطر عليها خصوم الأسد، تمديد وضعها الراهن. فبعد تورطها في أوكرانيا، لا مصلحة لموسكو اليوم في شن هجوم عسكري على منطقة إدلب، حيث تسيطر جماعة “تحرير الشام” الإرهابية. وعلى أمل أن يتم قبولهم من قبل المجتمع الدولي، فإن هؤلاء الجهاديين السابقين، الذين تسيطر عليهم أجهزة المخابرات التركية عن بعد، مستمرون في الإمساك بزمام تنظيمات أخرى أكثر تطرفا لا تزال موالية لـ”القاعدة”، مثل “حراس الدين” أو الأويغور من “الحزب الإسلامي التركستاني”.

بقبضة من حديد، تدير “هيئة تحرير الشام” أيضا بطريقة ما، نيابة عن تركيا ودول أخرى، الجهاديين الأجانب، بما في ذلك من 130 إلى 150 فرنسيا، الذين لجأوا إلى هناك بعد هزيمة “داعش” في شرق سوريا. وقد ظل اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي لعام 2020، والذي نص على نشر دوريات مختلطة على طريق حلب – اللاذقية الاستراتيجي، حبرا على ورق. فالمنطقة المحيطة تقصف باستمرار من قبل القوات الحكومية الذي يريد منع المدنيين من العودة إلى ديارهم. ولم تتخل دمشق وموسكو عن استعادة السيطرة على هذا الطريق السريع. من جانبهم، “يحاول الأميركيون جعل الشمال الغربي (الجهادي) يعمل مع الشمال الشرقي (الكردي) من خلال تشجيع رجال الأعمال من كلا المنطقتين على العمل معا لتعزيز الحكم الذاتي لهاتين المنطقتين”، يؤكد دبلوماسي الأمم المتحدة المذكور.

هل ستستمر عملية إعادة دمج وتأهيل الأسد؟

بعد هزيمة أعدائه، أصبح بشار الأسد سياسيا في وضع أكثر راحة من ذي قبل. أما من الناحية الاقتصادية، فإن الوضع كارثي، حيث يعاني سكان البلاد من العقوبات التي تفرضها الدول الغربية. ويرى الدبلوماسي في الأمم المتحدة بأن معاناة السكان ليست من أولويات الأسد. فهدفه اليوم توسيع دائرة الدول التي تعيد الاتصال به مرة أخرى. وبعد الإمارات العربية المتحدة، أعادت البحرين للتو الاتصال بدمشق، ويمكن أن تتصالح تركيا معه في النهاية.

وإذا لم تقطع عمان والجزائر صلتهما بدمشق قط، فإن مصر والأردن ولبنان وفلسطين والعراق استأنفت الحوار مع الأسد منذ عدة سنوات. أما إسرائيل فقد تكتفي بسوريا يتراجع فيها عدوها الإيراني. وقد تكون إعادة الاندماج في جامعة الدول العربية الخطوة التالية في القمة العربية في الجزائر العاصمة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. لكن لا يزال هناك تردد من جانب السعوديين وقطر. وفي حين أن بشار، مثل والده حافظ الأسد، كان دائما قادرا على استغلال انتكاسات التحالفات، فإننا نتجه نحو اتصالات دولة تلو الأخرى بدلا من العودة الرسمية لدمشق إلى الحضن العربي.

علاوة على ذلك، يمكن أن يكون للاتفاق النووي الأميركي الإيراني تأثير في سوريا. فمن دون الانسحاب كليا، يمكن لحليف الأسد الإيراني تعديل مشاركته في الميدان. من جهتها، يمكن للإدارة الأميركية، المنخرطة في مفاوضات مباشرة مع دمشق لإطلاق سراح الصحفي أوستن تايس المحتجز منذ عشر سنوات في سوريا، أن تستمر في غض الطرف عن الدول التي تقترب من الأسد. لكن “الكونغرس” لا يزال يعارض بشدة أي إعادة تأهيل للرئيس السوري. ويقول وزير خارجية عربي رفض الكشف عن هويته لـ “لوفيغارو”: “الوضع الراهن لا يمكن أن يدوم. ولكن ما هو البديل؟ ليجيبني مسؤول من إدارة ترامب: يمكننا أن نبقى هكذا لعقود. فقلت له: لكنك على بعد 12000 كم، نحن من يقف في خط المواجهة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.