في خضم الأوضاع المعيشية الخانقة التي يعيشها غالبية السوريين، بسبب الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، واستمرار فقدان الأجور والرواتب، جزء كبير من قيمتها المستحقة بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة السورية مقابل العملة الأجنبية، أصبح الراتب الشهري لا يكفي سوى ليومين فقط، وهو ما دفع السوريين إلى البحث عن تأمين احتياجاتهم ومصادر دخل جديدة لهم، وهذه المصادر الجديدة تتمثل في الاعتماد على الحوالات المالية الخارجية وتعقيب المعاملات إلى التسويق من داخل المنزل، وبعض الأعمال الأخرى التي أنتجتها الحرب على مدى السنوات الماضية.

تعقيب المعاملات

في سياق توجيه السوريين إلى أعمال أخرى يعتاشون عليها بدلا من الرواتب الحكومية الهزيلة، قال أبو وائل، أنه وضع شهاداته العلمية جانبا، كما أنه أخذ إجازة من دون أجر من عمله، ولجأ إلى العمل في “تعقيب المعاملات”، موضحا: “كلما كانت المعاملة أكثر دسامة وتعقيدا درّت عليّ تعويضا أكبر، سواء كانت لمغتربين أم غيرهم ممن تعوقهم ظروفهم، أي كانت عن متابعة خطوات سير معاملاتهم بأنفسهم، فهذا يريد دفع بدل نقدي للإعفاء من الخدمة العسكرية، وآخر عليه دعاوى قضائية تستوجب المتابعة والدوران في دهاليز المحاكم، وثالث يريد تجديد جواز سفره وهلم جرا”، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الجمعة.

وأوضح أبو أمجد (أب لخمسة شبان) للصحيفة المحلية، أن الأجر الذي تقاضاه مقابل تعهده بالإشراف على عملية تغطية شقة قريبه المغترب وصل خلال فترة قياسية إلى عشرة أضعاف الأجر الذي يتقاضاه من عمله الحكومي، وكان ذلك مبلغ “طارئ”، إذا جاز التعبير وتزامن مع موسم الإمدادات، وكفى الشر لإطالة قائمة ديونه.

وللإناث أيضا نصيب في هذا الأمر، حيث تعبّر نادين، عن سعادتها لمواكبة سوق العمل الرائج حاليا، لذلك خصصت ركنا صغيرا في منزلها لعرض مستحضرات التجميل، والبضائع النسائية برأس مال صغير وخطوات ترويجية بسيطة أمّنتها صفحتها على منصة “فيسبوك”، فكانت بذلك سندا لزوجها ومعينا لعائلتها.

وخلال السنوات الماضية ونتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية في سوريا، تنامت المشاريع المنزلية متناهية الصغر، من مختلف الأنواع، وكانت من بين أكثر المشاريع ظهورا وانتشارا، هي مشاريع المطابخ المنزلية، إذ لجأ العديد من السوريين، وخاصة النساء منهم إلى تأسيس أعمال منزلية بتكاليف منخفضة نسبيا للمساهمة في إعالة أُسرهم.

قد يهمك: “نراها فقط في الأسواق”.. البيضة حلمُ الأطفال في سوريا

الحوالات المالية الخارجية

في المقابل، أجمع نسبة كبيرة من السوريين على أن الحوالات التي يتلقونها من أقاربهم في المغترب، هي أفضل معيل لهم في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ويقول أحدهم: “لا راتب ولا راتبين بيكفي، لولا الحوالات كنا متنا من الجوع”.

وفي وقت سابق كشفت تقارير اقتصادية محلية، عن أن 70 بالمئة، من السوريين يعيشون على الحوالات المالية الخارجية، مقدرة حجم المبالغ التي تصل سوريا من المغتربين يوميا بـ5 ملايين دولار، ومعدل تحويلات السوريين العاملين في الخارج لمساعدة عائلاتهم 5 مليارات دولار سنويا.

بدوره، يعتبر الاستشاري في التنمية البشرية محمد خير اللبابيدي، في تعليق لصحيفة ”تشرين” المحلية، أن الحاجة أم الاختراع، فالإنسان تحت ضغط الحاجة يجتهد ويفكر ويبحث عن بدائل وآفاق أخرى يجد فيها ما يعينه في حياته، مشيرا إلى أن هذه السبل قد تكون مشروعة تخدم الآخرين، وقد تكون خلاف ذلك، أي قائمة على الاستغلال، فتضيق على الآخرين سُبل عيشهم.

“انقطاع السبل”

في سياق متّصل، أشار اللبابيدي إلى أنه نتيجة الظروف الاقتصادية، وانقطاع سبل الأعمال أوجد العديد من السوريين أعمالا أخرى غير تلك التي اعتادوا عليها، ومثالا على ذلك، من استخدام التكنولوجيا الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج، والبحث عن عمل يتوافق مع خبراته وموهبته.

وأضاف اللبابيدي، “نجد آخرين عملوا في التجارة والوساطة عبر الإنترنت، وبعضهم اتجه لحل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن طريق شراء مولدات وبيع الكهرباء للناس، وغير ذلك من المهن، والأعمال الجديدة التي وجدت نتيجة الضغوط التي أنتجتها الحرب”.

ولفت اللبابيدي، إلى أن هناك أناس اعتادوا على الاستغلال، فاستغلوا الأوضاع لتحقيق موارد مالية لهم من دون رحمة، بل وصلت بهم الأمور إلى خلق أزمات جديدة في المجتمع واستغلالها عن طريق الاحتكار، كاحتكار المواد المدعومة، والمقننة والمتاجرة بها، أو سرقة بعض مقتنيات الناس، أو شراء كميات من المواد الغذائية، وتخزينها وبيعها عند ندرة توفرها في الأسواق.

“تنظيف البيوت”

نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون اليوم، خاصة وأن الرواتب والمداخيل في أدنى مستوياتها، اتجه الشباب وبعضهم طلاب جامعيون للعمل في “تنظيف البيوت”، بغية إعالة أنفسهم وأسرهم وتغيير واقعهم الاقتصادي الهش إلى مستويات تتناسب مع الواقع المعيشي الصعب في البلاد، وتشير حقيقة توجه الشباب إلى هذا النوع من العمل إلى انتشار البطالة، وعدم قدرة الحكومة السورية على إيجاد فرص عمل للشباب المتعطلين عن العمل.

مازن، طالب جامعي، أوضح في تصريحات صحفية سابقة أنه شكّل ورشة لتنظيف البيوت من أصدقائه، وأسس صفحة لها على منصة “الفيسبوك”، وأشار إلى أن عمل الورشة نال استحسانا كبيرا خلال فترة قصيرة، نظرا لمهارة العاملين في التنظيف، وسرعتها بإنجاز ما تطلبه منها ربات البيوت.

ونوّه مازن، إلى أن أجرة “تلييف” الشقة تعتمد على مساحتها وعدد غرفها، وهي بين 35 ألف ليرة سورية، للشقة الصغيرة و70 ألف ليرة للكبيرة. وأشار إلى أن هذا العمل يدر دخلا جيدا للورشة، ويمكّن جميع أفرادها البالغ عددهم 6 شباب، من مواصلة دراستهم ومساعدة أُسرهم أيضا.

وفي سياق متّصل، فإن نسبة البطالة في سوريا ارتفعت من 8 بالمئة في عام 2011، إلى 56 بالمئة في عام 2013، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لنسب البطالة خلال السنتين الأخيرتين لكنها بكل تأكيد تفوق الـ 60 بالمئة، بحسب آراء عدد من المختصين خصوصا بين الخريجين في الجامعات والمعاهد التقانية، مؤكدين أن العاطلين عن العمل، هم من خيرة الكفاءات والخبرات القادرة على إيجاد المخارج، والحلول للمشاكل، والسير وإن كان ببطء نحو تحقيق الأهداف.

الجدير ذكره أن أكثر من 90 بالمئة، من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب تقارير أممية، في حين أن متوسط الراتب الشهري لموظفي القطاع العام لا يتجاوز 35 دولارا، ولموظفي القطاع الخاص حوالي 60-70 دولارا، يذكر أنه قبل الحرب كان راتب الموظف الحكومي يقدر نحو 600 دولار.

أما بالنسبة لموظفي الحكومة، فالرشوة تشكّل “أهم مصدر رزق أساسي غير قانوني له”، وينمو ويقل حسب درجة التوظيف، ويلتزم الكثير منهم بوظائفهم بسبب أزمة المعيشة، ونسبة الدخل غير القانوني الذي يحصلون عليه من خلال وظائفهم، ويلاحظ أن أغلب السوريين اليوم ينفقون شهريا عدة أضعاف الراتب الشهري الذي يتلقونه من الحكومة، حيث أن البعض ينفق حوالي نصف مليون، والبعض الآخر مليون أو مليونين حسب الحاجة لكل أسرة.

قد يهمك: طلاب جامعيون يعملون في “تنظيف البيوت”.. مؤشر على تفشي البطالة في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.